عبدالله ناصر عجمي- منتدى الخليج الدولي - ترجمة الخليج الجديد-
غالبا ما يؤدي النقاش حول دور القبائل في العالم العربي إلى حدوث صراع بين الحداثة (تتجسد في إنشاء دولة مركزية محايدة عرقيا) والتقليدية (تتمثل في العادات القبلية والاستقلال الذاتي).
وبعد نهاية الاستعمار الأوروبي بشكل خاص، روجت النخب العربية لفكرة أن مفتاح النجاح في تطوير الدول المستقلة حديثا هو إزالة تأثير القبائل وبالتالي الممارسات المرتبطة بالقبلية. ويعتبر بعض العلماء والمنظرين السياسيين هذه الخطوة الأهم في الطريق الطويل نحو الحداثة والتطور.
وفي حين أن العديد من خطط التنمية للدول التي تحررت من الاستعمار قدمت رؤى مختلفة لكيفية بناء دولة حديثة، فقد تضمنت معظم هذه الخطط أو تركزت حول القضاء على تأثير القبائل وتخليص المجتمع من الدعوة القبلية كوسيلة للتنظيم السياسي.
ورأى الذين قادوا خطط الحداثة والتنمية في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن الماضي أنه لتحقيق ذلك، تحتاج المجتمعات إلى الاستغناء عن الأعراف القبلية باعتبارها الطريقة الوحيدة للانتقال إلى التنمية المستدامة.
واستبعد مخططو التنمية الأوائل القبائل من أي خطط لبناء الدولة، وتخيّلوا أن التنمية المستقبلية لن ترفضهم فحسب، بل ستتجاهلهم تماما كمفهوم لأي مجموعة اجتماعية.
مقاومة القبائل
مضى الآن أكثر من 6 عقود على تطبيق أولى هذه الرؤى. ومن المثير أنه بعد كل هذه الأعوام وصل الخليج إلى مستوى أعلى بكثير من الحداثة والتطور، لكن القبائل نجت وتكيفت مع القواعد الجديدة للدولة، وتمكنت من استيعاب التطورات المتغيرة.
على سبيل المثال، تتمتع الكويت بواحد من أكثر النظم الانتخابية تنظيما وقوة في المنطقة لكن قبائلها أصبحت عاملا هاما لتشجيع المشاركة في الانتخابات وبالتالي التأثير على نتائج الانتخابات. بل إن التفاعل بين العملية الانتخابية والقبائل عكس الرأي العام والآراء السياسية المتغيرة، ويعتبر والمؤشر على ذلك هو عدد أعضاء البرلمان الذين يمثلون كل قبيلة والذي يتغير من انتخاب إلى آخر.
وهناك ملاحظة أخرى أكثر إثارة للاهتمام وهي أن القبائل كانت أكثر تنظيما وأكثر فاعلية في تعزيز مصالحها الخاصة، من أي نوع آخر من الفصائل السياسية داخل الكويت، بما في ذلك الجماعات الإسلامية التي تشتهر بمهاراتها التنظيمية والقدرة على الحشد.
ولأنه من الواضح أن القبائل موجودة لتبقى في السياسة الخليجية، يبدو غريبا للوهلة الأولى أن دول مجلس التعاون الخليجي تواصل رفض القوة القبلية المنظمة في العملية السياسية، بالرغم من الوجود المنظم المستمر للقبائل.
وربما يكون الجواب وراء الكواليس في آلية صنع القرار في دول مجلس التعاون الخليجي، والذي عادة ما يكون له هدف مركزي وهو منع أي معارضة منظمة للطبقة الحاكمة، سواء كانت قبلية أو سياسية، لأن ذلك يمكن أن يقوض سيطرة وسلطات الدولة المركزية.
وتفضل السلطات في دول الخليج وجود أطراف مجتمعية متناثرة، حتى تتمكن من السيطرة على أي تطورات جديدة قد تنتج عن قدرات هذه الأطراف.
على سبيل المثال، استخدمت الكويت التنظيمات القبلية في الانتخابات ضد المعارضة السياسية، في تكتيك ناجح للتلاعب بالقبائل ضد المعارضة. ولكن بعد التسعينيات، تم الكشف عن هذه الاستراتيجية، وبدأت القبائل نفسها في إنتاج شخصيات معارضة. وفي حين أن هذه الشخصيات قد لا تكون الأكثر شراسة وصراحة بين المعارضة الكويتية، إلا أن انتقاداتهم المحدودة لسياسات الحكومة لم تقبلها السلطا، التي ما تزال تنظر إلى القبائل كأداة مفيدة لحشد الدعم للسلطات.
تسييس قوة القبائل
وكانت هناك أدوات مختلفة لتقويض نفوذ القبائل، حيث ابتكر البيروقراطيون مفهوما مجتمعيا يقسم بين أفراد القبائل وسكان الحضر أو الريف. وبعد هذا التقسيم، تمت إضافة طبقة أخرى وهي الهوية الوطنية التي كانت أيضا مثيرة للانقسام ولم تشمل الجميع.
ووصل الأمر إلى تقسيم الناس على أساس المواطنة "الأصلية" أو "المجنسة". وفي حالة قطر، خلقت هذه الدعوات انقساما في البلاد، بعد وقت قصير من حالة الوحدة المثالية بين الحكومة والمجتمع في مواجهة الحصار من قبل 3 دول في مجلس التعاون الخليجي.
واليوم، يتطور اتجاه جديد بين السلطات الخليجية التي تخيلت بشكل متزايد أنها تستطيع تجنيد النفوذ القبلي والسيطرة عليه كما يحلو لها. وتثبت التغيرات اليوم أن القبائل كيانات سياسية مرنة وفعالة، وأن التعامل مع القبائل على أساس الانقسام والتهميش هو مفهوم غير سليم من الناحية الاستراتيجية.
ويجب أن نتذكر أيضا أن تصويت المرأة في الانتخابات الكويتية السابقة أظهر درجة مدهشة من الفعالية. وفي جميع المجالات، التزمت النساء بالتصويت لأكثر المرشحين كفاءة لصالح المجتمع، بغض النظر عن الهويات القبلية للمرشحين.
ومع ذلك، قد يتغير تصويت المرأة بسرعة إلى تصويت على أسس قبلية إذا استمرت السلطات في استهداف وتهميش أفراد قبائلهم. وتعد السياسات التمييزية المستمرة ضد قبائل معينة تهديدا كبيرا للغاية على الوحدة القبلية، ويمكن أن تكون عاملا حاسما في تحويل أصوات النساء إلى التزامات قبلية بدلا من الالتزام بالتصويت لمرشح يعزز حقوق المرأة.
ومن المحتمل أن تتسبب الممارسات المتعلقة باستغلال السلطة القبلية أو تهميش قبائل معينة في تعزيز الانقسام. وإذا استمرت هذه الاستراتيجية فلن تؤدي إلى سلام مجتمعي، ولكن ستؤدي فقط إلى مزيد من الصراع والتوتر.