يوسف حمود - الخليج أونلاين-
لا تزال واقعة التسمم الغذائي في العاصمة السعودية الرياض حديث مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، خصوصاً بعد حديثٍ عن واقعة جديدة حصلت في مدينة حفر الباطن السعودية، بعد نحو شهر من الحادثة الأولى.
والتسمم الغذائي مرض يصيب الجهاز الهضمي بسبب تناول وجبات ملوثة، مثل اللحوم والبيض والأسماك الفاسدة، والتي تحوي بكتيريا وفيروسات وطفيليات وسموماً، وقد يؤدي ذلك إلى الموت.
وتنفق المملكة العربية السعودية بسخاء على النظام الصحي في البلاد، إذ خصصت نحو 23 مليار دولار من ميزانية هذا العام للصحة والتنمية الاجتماعية، من ذلك بناء المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية في جميع المناطق في المملكة، فضلاً عن تنفيذ عقوبات قاسية بحق من يضرون بحياة السكان، خصوصاً في الجانب الصحي.
حادثتان خلال شهر
لم يمض وقت طويل على حادثة التسمم الشهيرة في مدينة الرياض، حتى أعلن عن حادثة أخرى في الـ25 من مايو، والتي وقعت في مدينة حفر الباطن شرقي البلاد، حينما أعلنت السلطات المحلية إغلاق منشأة تجارية للاشتباه في تسببها بالتسمم.
وقالت أمانة محافظة حفر الباطن، في بيان على منصة "إكس"، إنها رصدت بالتعاون مع الجهات المختصة حالات اشتباه تسمم غذائي، مشيرة إلى أنه يشتبه في أن يكون مصدرها أحد المنشآت التجارية.
وعليه، يضيف المصدر ذاته، اتخذت الفرق الميدانية للرقابة الصحية ومختبر الأغذية بأمانة حفر الباطن التدابير اللازمة وفق البروتكولات الصحية لمثل هذه الحالات الطارئة، من سحب للعينات للتأكد من الأسباب، وإغلاق المنشأة احترازياً إلى حين ظهور نتائج الفحوصات المخبرية.
وتأتي الحادثة الأخيرة في أعقاب تسمم غذائي جماعي حدث أواخر أبريل الماضي، بالعاصمة الرياض، وقالت الوزارة حينها إنها لم تسجّل إصابات بأعراض جديدة بالتسمم الغذائي، خلال الأيام الخمسة الأخيرة للتفشي الذي رصد مؤخراً، موضحة أن عدد الحالات المرصودة بلغ 75، منهم 69 مواطناً، و6 مقيمين، بينهم حالة وفاة.
وأشارت إلى أن جميع الحالات ارتبطت بتسمم غذائي "من مصدر واحد".
وكانت أمانة منطقة الرياض قد كشفت، في بيان، عبر حسابها على منصة "إكس"، أنه تقرر إغلاق معمل المنشأة المسؤولة عن تفشي حالات التسمم.
وأوضحت أنه "وفقاً لعدد الحالات المسجلة، طبقت العقوبات النظامية، وأغلق المعمل الرئيسي للمنشأة الغذائية وجميع فروعها بمدينتي الرياض والخرج للمدة المقررة نظاماً، وسيتم إتلاف جميع المواد الغذائية الموجودة في المعمل الرئيسي وفروع المنشأة، مع الإشراف على عملية تنظيف وتطهير جميع الأدوات والأجهزة وغيرها".
تدخل ملكي
وحظيت حادثة التسمم في الرياض باهتمام مباشر من الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده الأمير محمد، حيث أكدت السلطات السعودية محاسبة "كل مسؤول أياً كان منصبه"، وذلك على خلفية حوادث التسمم التي وقعت في أحد مطاعم الرياض، وأسفرت عن إصابة العشرات وحدوث حالة وفاة.
وقالت هيئة الرقابة ومكافحة الفساد في السعودية "نزاهة"، في بيانٍ لها، إنه صدرت توجيهات من الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، بـ"مساءلة ومحاسبة كل مسؤول، أياً كان منصبه، قصّر أو تأخّر في أداء مسؤولياته، على نحو ساهم في حدوث التسمم أو أخر الاستجابة لتبعاته".
وأشار البيان، أمس الخميس، إلى أنه تم تشكيل لجنة عليا بتوجيهات من الملك وولي العهد للتحقق مما حدث، ومتابعة المحاسبة.
ولفتت "نزاهة" إلى أن التحقيقات الأولية التي أجرتها الهيئة "أظهرت وجود محاولات لإخفاء أو إتلاف أدلة"، وأنه قد يكون هناك "تواطؤ من قلة من ضعاف النفوس" من مراقبي ومفتشي المنشآت الغذائية ممن سعوا إلى "تحقيق مكاسب شخصية غير مبالين بالسلامة والصحة العامة".
ووقعت حادثة التسمم الغذائي الجماعي في مطاعم "هامبرغيني"، الذي أغلق عقب الحادثة.
وكانت السعودية قد مرت بحادثة شهيرة وقعت في مطعم بمنطقة في مدينة الطائف عام 2017، وحينها أصيب 175 شخصاً بالتسمم "بسبب تناول وجبات" في المطعم.
إجراءات وتدابير
ويرى الكاتب السعودي خالد الربيش، في مقال له في صحيفة "الرياض" المحلية، أن الحكومة السعودية تحرص على "تعزيز الصحة العامة للمواطن والمقيم، ولا تتردد في اتخاذ أي إجراءات أو تدابير من شأنها ضمان السلامة لهم من الأمراض والأوبئة".
ويرى أن مضمون البيان الذي أصدرته هيئة مكافحة الفساد "حمل رسالة عاجلة لمن يهمه الأمر، تشير إلى مبدأ وطني سعودي لا تهاون فيه، وهو أن صحة الإنسان، سواء كان سعودياً أو مقيماً، تأتي في المقدمة دائماً وأبداً، وتضمنها الدولة بنفسها".
وأضاف: "مشهد حادث التسمم يذكرنا بمشهد مماثل، وهو جائحة كورونا، وفيه كانت المملكة قدوة حسنة في التعامل السريع والإيجابي والإنساني مع المرض، واتخذت إجراءات توفر العناية الصحية الكاملة بالمجان، سواء للمواطنين أو المقيمين".
أما الكاتب راكان الغفيلي فيشير في مقال له بالصحيفة ذاتها إلى ما يكتسبه موضوع التعويض القانوني عن الأضرار الناجمة عن التسمم الغذائي من أهمية بالغة، مشيراً إلى أنه يُمكن للمتضررين أن يطالبوا بحقوقهم القانونية في حال تعرضهم لمثل هذه الأحداث المؤسفة.
وأضاف: "للمتضررين من حوادث التسمم الغذائي في المطاعم كامل الحق في طلب التعويض عن الأضرار التي أصابتهم، سواء كانت تلك الأضرار مادية أم معنوية، عبر رفع دعوى قضائية أمام المحاكم الشرعية".
ويرى أن قضايا التسمم الغذائي "تعد مسألة جدية تتطلب تحركاً سريعاً وفعالاً من جميع الأطراف المعنية، ويتعين على المطاعم الالتزام بأعلى المعايير الصحية لمنع حدوث مثل هذه الحوادث، ويجب على المتضررين أن يكونوا على علم بحقوقهم والإجراءات القانونية المتاحة لهم لضمان حصولهم على التعويضات المناسبة".
العقوبات الرسمية
ينص القانون السعودي على معاقبة مرتكب أي مخالفة لأحكام نظام الغذاء أو لوائحه بواحدة أو أكثر، والتي تتمثل في غرامة لا تزيد على مليون ريال (260 ألف دولار)، أو منع المخالف من ممارسة أي عمل غذائي، وذلك لمدة لا تتجاوز 180 يوماً، وتعليق الترخيص لمدة لا تتجاوز عاماً، كما ينص على إلغاء الترخيص.
وتكرار المخالفة يضاعف العقوبة، وأما إذا كانت المخالفة تتمثل في التسبب عمداً بتداول مادة غذائية ضارة بالصحة أو مغشوشة أو ممنوعة؛ فتكون العقوبة بالسجن مدة لا تزيد على عشر سنوات، أو بغرامة لا تزيد على عشرة ملايين ريال (مليونان و600 ألف دولار) أو بهما معاً، إضافة إلى تطبيق أي من العقوبات المنصوص عليها.
وإذا كانت المخالفة تستوجب عقوبة السجن فتحال إلى النيابة العامة للتحقيق فيها، ثم إلى المحكمة المختصة إذا رأت ذلك.
والتسمم الغذائي تبدأ أعراضه عامةً في غضون يوم أو يومين من تناول الطعام الملوث، على الرغم من أنها قد تبدأ في أي وقت يتراوح بين بضع ساعات وبضعة أسابيع.
وبحسب منظمة الصحة العالمية، فإن قرابة 600 مليون شخص، أي نحو شخص من كل 10 أشخاص في العالم، يصابون بالتسمم الغذائي سنوياً لتناولهم أغذية ملوثة، ويموت منهم 420 ألف شخص، بينهم 125 ألف طفل دون الخامسة من العمر.