أحمد شوقي- راصد الخليج-
يبدو ان السعودية تتعامل مع الحج كمورد دخل سياحي دون اعارة اهميته الروحية اعتبارا، وهو ما ينعكس في صورة التغطيات الصحفية والتقارير التي تتحدث عن خسائر هذا الموسم الاقتصادية بسبب اقامة الشعائر بشكل رمزي على خلفية تفشي وباء كورونا.
وتصدرت اخبار الخسائر المادية التي قدرت بنحو 12 مليار دولار عناوين التقارير في وكالات الانباء المتنوعة، وهو امر طبيعي لما للحج من اهمية اقتصادية كبيرة حيث يعرف بالنفط الابيض، ويشكل نحو 4% من الناتج المحلي.
وان كان هذا هو اهتمام الصحف الاقتصادية، فهو امر طبيعي، اما غير الطبيعي هو ان تغيب عن المملكة تصريحات وتغطيات تعبر عن الحزن على الخسائر الروحية والاكتفاء فقط بتصريحات تنظيمية وصحية وتغطيات عن الخسائر المادية.
الشاهد هنا هو ان الحج والعمرة بالفعل اصبحت مشروعات اقتصادية بحتة وكما تقول الإحصاءات الرسمية، فإن الحج والعمرة يشكلان نسبة تقترب من 60% من الإيرادات السياحية السعودية، أي قرابة 14 مليار دولار سنويًا، وهذا الرقم يعاد تدويره داخل الاقتصاد السعودي ويعمل على إنعاش العديد من مؤسسات قطاع الخدمات في السعودية بشكل عام، وفي مكة المكرمة والمدينة المنورة بشكل خاص.
وتضيف تقارير المملكة ان هذه الأموال تعيد عائدًا سنويًا على استثمارات في قطاع الإسكان، والغذاء، وتجارة الجملة والتجزئة، والنقل، والخدمات المالية، بما يعني أن مضاعف العائد من الإيرادات السنوية للحج والعمرة على الاقتصاد السعودي أضعاف هذا المبلغ.
وثمة إيرادات أخرى قد لا تتضمنها الإحصاءات الرسمية السعودية، وهي تلك التي تتعلق بالحصول على تأشيرات الحج والعمرة، وهي رسوم مرتفعة،
والشاهد ايضا هنا هو ان غياب الحج وتدني اسعار النفط، تعيد الانظار الى الاقتصاد الريعي للمملكة وللخليج عموما، وخطورة ذلك على الشعوب.
بقول ريتشارد روبنسون الخبير في شؤون الشرق الأوسط في شركة “أكسفورد أناليتيكا” الاستشارية إن “قرار الحد من أعداد الحجاج يضاعف الصعوبات الاقتصادية التي تواجه السعودية”. و توقّع صندوق النقد الدولي أن ينكمش إجمالي الناتج المحلي للسعودية بنسبة 6.8 في المئة هذا العام، في أسوأ أداء له منذ ثمانينات القرن الماضي.
وتفيد التقارير الدولية بأن أكثر من 80٪ من الدخل القومي للمملكة العربية السعودية يأتي من النفط، ولكن الأسعار تراجعت، مما أجبر البلاد على تنويع مصادر دخلها. ومع ذلك، لم تمض الأمور على ما يرام، وفقاً لألكسندر بيرجيسي من مجموعة موديز لتقييم المخاطر السيادية.
هنا نحن امام خسارة مركبة، لها شق معنوي تفتثد المملكة به تأثيرها الروحاني برعاية هذه الشعيرة الكبرى، وتأثير مادي متمثل في خسائر المملكة المباشرة، كما يتولد عن ذلك ايضا خسارة في النفوذ، حيث تشكل الشعائر مصدر رزق لكثير من الوافدين والذين ضاقت بهم سبل العيش في بلدانهم ووجدوا في المملكة قبلة للرزق مضافة لقبلة الصلاة، وهو ما يخدم المملكة سياسيا ويشكل لها قوة ناعمة كبيرة.
المملكة تدفع الان ثمن الفشل في التنمية وضريبة اعتماد الاقتصاد على الريع، وكذلك اهدار الموارد في الترفيه والحروب الظالمة وشراء وتكديس السلاح دون رؤية، والانفاق على نشر الوهابية وافكار التكفير، ورشوة الادارات الامريكية المتعاقبة والمنظمات الدولية.
هذا جرس انذار مدوي ليس للسعودية فقط وانما لكل من يحذو حذوها في الخليج، لان القادم اسوأ وفقا للمسار الحالي.