عبد الحافظ الصاوي- البيت الخليجي للدراسات والنشر-
أصدرت وزراة المالية السعودية بيانها بشأن موازنة العام المالي 1437/1438ه الموافق (2016)م ليتضمن الإشارة إلى مجموعة من الإجراءات التي تستهدف الإصلاح الاقتصادي، من أجل التخلي عن الاعتماد على البترول. وشملت هذه الإجراءات الإشارة إلى طرح مجموعة من القطاعات والنشاطات الاقتصادية للخصخصة، على أن يتم ذلك خلال خمس سنوات تبدأ من العام المالي الحالي، وإن كان بيان المالية لم يسمي مشروعات بعينها إلا أن تصريحات المسئولين السعوديين فيما بعد بدأت بالحديث عن خصخصة حصة من أكبر الأصول المالية السعودية، وهي شركة “أرامكو”، على أن يتم هذا الطرح بحدود 10% من رأسمال الشركة، وأن تقتصر حصة البيع على النظام التشغيلي للشركة، وليس ملكية آبار البترول، التي ستظل ملكية للدولة. والتوجه للخصخصة أتى في ظل زيارات متتالية على مدار العاميين الماضيين، من قبل بعثة صندوق النقد الدولي إلى السعودية، والتي انتهت بمجموعة من التوصيات التي تخص الإصلاح المالي، من بينها إعادة النظر في تعيين العمالة بالجهاز الحكومي، وكذلك هيكلة رواتب العاملين بالدولة، وفتح المجال للقطاع الخاص بمساحات أكبر لإتاحة فرص العمل للداخلين الجدد لسوق العمل. وإن كانت أزمة انهيار أسعار النفط قد ألقت بظلالها السلبية على أداء الاقتصاد السعودي منذ منتصف عام 2014، وعجلت بتفعيل هذه التوصيات. والجدير بالذكر أن العديد من دول المنطقة قد خاضت تجارب حول تنفيذ برامج الخصخصة، وغالبيتها ترك آثاراً سلبية على أداء اقتصاديات هذه الدول، مما يجعل النظام السعودي مطالباً بتوخي الحذر تجاه تنفيذه لبرامج الخصخصة، حتى لا يقع في أخطاء التجارب الأخرى لدول المنطقة. استهداف قطاع خاص قوي من سلبيات تجارب دول الخصخصة بدول المنطقة، أنها لم تؤهل قطاعها الخاص عبر فترة انتقالية، لكي يقوم بالدول المنوط به، سواء من الاستحواذ على الأصول العامة المطروحة، أو إنشاء استثمارات جديدة، أو الاستفادة من التمويل خارج الجهاز المصرفي عبر البورصة. فتم للأسف استخدام القطاع الخاص المحلي كممر لسيطرة الاستثمارات الأجنبية على أصول القطاع العام، وتكونت احتكارات من قبل المستثمرين الأجانب، كما تم محاربة الصناعات المحلية، عبر الاستحواذ على معظم مفاصلها، سواء كانت مملوكة للقطاع العام، أو للقطاع الخاص، حيث رضخ القطاع الخاص المحلي لإغراءات المستثمرين الأجانب فتم بيع مشروعات القطاع الخاص هي الأخرى للأجانب. ومن هنا على مُنفذ برنامج الخصخصة السعودي، أن يتلافى هذه السلبيات، فيؤهل القطاع الخاص، عبر طرح حصص تتلائم وقدرات القطاع الخاص الفنية والإدارية والتمويلية، وأن يمنع بيع المشروعات المطروحة للخصخصة للأجانب لفترات معينة، وأن يقصر ملكية الأجانب على نسب لا تسمح لهم بتكوين احتكارات أو محاربة الصناعات الوطنية. وحسب بيانات مصلحة الاحصاءات العامة والمعلومات السعودية، فإن مساهمة القطاع الخاص السعودي في الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة بلغت 993 مليار ريال ( 264.8 مليار دولار) وبما يمثل نسبة 39.4%، وهي نسبة تزيد بنحو 2.4% عما تحقق في عام 2011. إلا أن الملاحظة المهمة في هذا الشأن، أن بيانات مصلحة الإحصاءات تبين أيضاً أن نسبة مساهمة القطاع الخاص في معدل نمو الناتج في تراجع مستمر على مدار الفترة من 2011 – 2015، ففي عام 2011 كانت مساهمة القطاع الخاص في معدل نمو الناتج 13.2% تدنت إلى 3.2% في عام 2015، أي أن هناك تراجع وفق هذا المؤشر بنسبة 10%. والتحدي الذي يفرض نفسه على واضعي ومنفذي برنامج الخصخصة السعودي أن تعود مساهمة القطاع الخاص في معدل نمو الناتج المحلي إلى ما كانت عليه، بل وزيادة، في ضوء إعطاء مساحات أكبر للقطاع الخاص لكي يمكنه توفير فرص العمل، وتحقيق مستهدفات التنمية المطلوبة. بناء قاعدة إنتاجية غالبية برامج الخصخصة التي نُفذت بالمنطقة العربية، اتجهت إلى تعظيم دور القطاع الخدمي، وهذا مطلوب ولكن في ضوء اعتبارات زيادة القدرة الإنتاجية في مجالي الصناعة والزراعة، وقد يكون للمملكة العربية السعودية خصوصيتها فيما يتعلق بندرة الموارد الزراعية، ولكن ينبغي ألا يتم التفريط في بناء قاعدة صناعية، تؤدي إلى زيادة اعتماد الاقتصاد السعودي على إنتاجه الذاتي واستهداف التصدير. وإذا نظرنا إلى مساهمة الأنشطة الاقتصادية المختلفة في الناتج المحلي السعودي، نجد أنها يغلب عليها نسبة عالية للصناعات الاستخراجية تصل إلى 39.1% في عام 2015، وكذلك باقي القطاعات الخدمية أو البناء والتشييد، أو تجارة الجملة والتجزئية، أو الخدمات الحكومية، وهي في مجملها لا تحقق قيمة مضافة عالية. بينما البيان الذي يجب أن يحظى باهتمام واضعي برنامج الخصخصة السعودي، وأن يصيغوا السياسات المستقبلية في ضوءه هو نسبة مساهمة الصناعات التحويلية غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي. حيث تظهر بيانات مصلحة الإحصاء أنها لا تزيد عن نسبة 8.4% خلال عامي 2014 و2015، وكان بحدود 8% فقد في عام 2012. يتطلب هذا الأمر أن يتجه المخطط السعودي إلى ما يسمى التخطيط التأشيري، بإعطاء مزايا ضريبية وجمركية أو حتى في منح الأراضي أو التمويل، لتلك المشروعات التي تعمل في إطار الصناعات التحويلية، وبخاصة تلك التي تحقق قيمة مضافة عالية، أو تعمل على توطين التكنولوجيا وإنتاجها، وألا يتجه لتبني توصيات صندوق النقد الدولي في هذا المجال بأن يوحد المزايا الضريبية، أو غيرها من المزايا، وإلا ستتجه جهود المستثمرين للأسهل، من خلال الاستثمار في القطاعات الخدمية، أو التجارة عبر الاستيراد، مما يكرس لمزيد من تبعية الاقتصاد السعودي للخارج. كما يتطلب ذلك ضبط قواعد الحصول على الأراضي الحكومية أو رخص الشركات، بما لا يفتح باباً للمضاربة على هذه المجالات، ويوجد مجرد تدوير نقدي، لا يخلق فرص عمل، ولا يضيف إنتاج، ويكون بوابة سهلة لسيطرة الاستثمارات الأجنبية على هذه المزايا في نهاية المطاف. تأهيل الموارد البشرية الدخول في برنامج حقيقي للخصخصة، سيفرض على الشركاء الاقتصاديين بالسعودية تحديات حقيقية، لأنه بعد فترة من الواجب أن يستهدف الاقتصاد السعودي المنافسة في الداخل والخارج، وألا يكتفي بدول المكمل للاقتصاديات الأجنبية في الداخل أو الاستيراد من الخارج. فثمة توصية قديمة تخص أسواق العمل، ينبغي إخراجها من الأدراج، وهي ربط مؤسسات التعليم بأسواق العمل، ولابد من توقف تلك البرامج التعليمية التي تقذف بأيدي عاملة غير مؤهلة لسوق العمل، أو أيدي عاملة غير ماهرة أو مدربة، ولابد من ربط مراكز البحوث والجامعات بالصناعة. حتى يمكن القضاء على بطالة السعوديين التي تصل إلى نحو 12%. حماية التمويل المحلي ثمة مصادر متعددة للتمويل المحلي بالسعودية مثل الجهاز المصرفي الذي يحتوى على ودائع تقدر بنحو 1.6 تريليون ريال ( 446.1 مليار دولار) بنهاية مارس 2015، أو البورصة، فضلاً عن التمويل غير الرسمي، وما لم تستغل هذه المصادر بشكل جيد، فسوف تظل عبئاً على المؤسسات المالية، ولن يستفاد منها في بناء اقتصاد صحيح طال انتظاره في المجتمع السعودي. وينبغي للمخطط السعودي أن يتلافى سلوك المستثمرين الأجانب الذي يستهدفون التمويل المحلي، ولا يستجلبون أموال من الخارج، معتمدين على الاقتراض من الجهاز المصرفي المحلي بضمان شركاتهم الأم في الخارج. فيجب أن تكون الأولوية للاستثمارات المحلية، وأن يكون متخذ قرار الائتمان لديه نظرة تنموية وألا يكون مجرد تاجر قروض، فيجب أن يركز على تمويل المشروعات التنموية المحلية، وإعطائها أولوية، وأن يشترط على المستثمر الأجنبي أن يستجلب ما لا يقل عن 75% من احتياجاته التمويلية من الخارج.