الارتهان للذكر أعتقد أن المتابع الواعي لما يحدث للمرأة هنا وما تحرزه المرأة هناك يدرك البون الشاسع بيننا وبين العالم ،مع أننا نؤمن بأن العالم قرية صغيرة وأن الفروقات طمستها وسائل التواصل الحديثة، وأننا دولة تسير نحو المستقبل بكل المعطيات الحضارية والاقتصادية والسياسية التي جعلت من السعودية دولة ذات ثقل سياسي ودبلوماسي واقتصادي ليس فقط على مستوى المنطقة بل على مستوى العالم .
يمكن إدراك الفرق الذي يفصل بيننا وبين العالم من خلال قراءة مطالبات السعوديات برفع الولاية وإبطال حق إذن السفر الذي يملكه ذكر.
وبمتابعة سباق الانتخابات الأمريكية الذي تنافس فيه امرأة ويمكن أن تصل إلى رئاسة أمريكا من خلال الدعم السياسي من الحزب الديمقراطي الذي رشحها - كما أعلنت كلينتون الخميس 28/ 7/ 2016م- ومن الشعب الأمريكي، لم نسمع العبارات التي تعيب تقدمها في السن أو مظهرها أو جنسها لأن كل هذه الصفات شخصية لا تخص أحداً سوى الشخص ذاته، المهم القدرة والكفاءة، رسالتها وحملتها الانتخابية وقدرتها على استقطاب الأصوات، واقتناع الناخب بأنها قادرة على الوصول إلى البيت الأبيض وقيادة أمريكا التي تقود العالم.
للأسف هنا نركز بشكل مباشر على الشخص ونهمش القدرة والكفاءة، وربما تجاوزنا فأصبح الأمر المهم أين تجلس المرأة في غرفة منفصلة أو على نفس الطاولة، تضع نقاباً أو سافرة مع أنها بكامل حجابها إلا ان مجرد إظهارها لوجهها يضعها في القائمة السوداء وربما تفشل في الوصول إلى أي منصب أو الحصول على مكسب حتى في المحكمة هذا الأمر - غطاء الوجه والكفين - يكتسب بعداً وجودياً وحقوقياً، يمكن أن تتحول فيه القضية لصالحها حتى لو كانت مجرد تمثيلية أجادت دورها فيها، ويمكن أن تخسر حقها في حالة مخالفة هذه القاعدة.
حكت لي شابة أرادت الطلاق من زوجها الطبيب وهي كانت عائدة من دولة غربية لم تكن ترتدي فيها حتى الحجاب، أنها أتقنت دورها جيداً فارتدت غطاء الوجه وغطت كفيها وخفضت صوتها أمام القاضي وتمسكنت حتى تمكنت مما سبب صدمة لزوجها الذي أراد أن يشرح للقاضي أنها ليست كذلك لكن القاضي كان منحازاً للمرأة المغطاة من رأسها لأخمص قدميها، فكان يسكته وأصدر حكمه لصالحها.
هذه الشابة لم تكن لتفعل هذا لو كانت في مكان آخر، لكنه التضييق على المرأة حتى وهي بصدد الحصول على حق شرعي بالطرق النظامية إلا انها مضطرة لاتباع وسائل غير مشروعة لأن هذه هي الصورة الشرعية للمرأة حتى لو كانت كذباً وزوراً، لكنها لا تستطيع السفر أو الدراسة والعمل أو استخراج جواز السفر أو تجديده إلا من خلال موافقة ذكر يمكن أن يبتزها أو يذلها حتى لو كان الابن الذي أنجبته المرأة وربته وربما لازالت تنفق عليه وترشده وترافقه خوفاً عليه بينما هو يملك منحها حرية السفر والعمل وكل ما يتطلب - تعنتاً - إذناً لممارسة حق طبيعي تتمتع به المرأة في كل دول العالم وتحرم منه المرأة السعودية بشكل خاص رغم الرفض العام ورغم وصول المرأة الى مجلس الشورى وبعض المناصب القيادية، وعليها الرضا والصبر حتى تحصل على ما تريد ثم تغادر وطنها بدون عودة كي لا تتعرض لكل هذا الامتهان كما فعلت كثيرات ينعمن بمجرد الاحساس بالانسانية والمساواة في الحقوق والحرية التي لا تعني السقوط أبداً بل على العكس تدعم القيمة الأصيلة للالتزام بالقيم.
المرأة السعودية أيضاً تعيش ظروفاً لا تعيشها نساء العالم، هي وحدها فقط تعلم كم تعاني لتنتقل من البيت إلى العمل أو الدراسة أو في ظرف طارئ يجبرها على الركض وهي تحمل صغيرها مثلاً إلى المستشفى فلا تجد من ينقلها ربما ليس لديها سائق والزوج غائب أو حتى نائم ولا يرغب في ترك فراشه الدافئ أو أن السائق أغلق هاتفه ولا يرد على اتصالاتها ولاتجد وسيلة تنقذ أمومتها من الخوف والهلع على فلذة الكبد .
هي هذه الظروف التي تعيش فيها المرأة السعودية ،هو هذا الارتهان لذكر في كل شؤون حياتها!
نبيلة حسني محجوب- المدينة السعودية-