اقتصاد » احصاءات

الميزانية التاريخية للسعودية ومحاولات كسب الدعم للتغيير

في 2016/12/26

قدّم المسؤولون السعوديون أكثر الميزانيات تفصيلًا في تاريخ المملكة في محاولة لإقناع المواطنين والمستثمرين بجديتهم حول خطّة لإصلاح العجز وتقليل اعتماد الاقتصاد على النفط.

عرضت العشرات من الصفحات والشرائح في مؤتمر صحفي استمر لساعة، حيث تم طرح سيناريوهات مختلفة لكيفية تطوير ما آلت إليه الأوضاع المالية العامة بعد عامين من انخفاض أسعار النفط، خلال الأعوام القادمة وحتّى عام 2020. وقالت الحكومة أنّها قد خفّضت الإنفاق بنسبة 16% هذا العام وضيّقت عجز الموازنة بأكثر من المتوقّع. وتوقّعت أنّ العجز سينخفض مرّة أخرى العام القادم مع تحسّن العائدات، ويمكن حتّى أن يتحول لوجود فائض في وقتٍ مبكر عام 2019 في أكثر السيناريوهات تفاؤلًا.

وفي حين رحّب بعض المحللين بعرض التفاصيل غير المسبوقة، كان ردّ فعل الآخرين مصحوبًا بالشك، وألقوْا بظلال الشكّ حول مصداقية الأرقام وأشاروا إلى أنّ محاولات الحكومة لتحقيق التوازن في الميزانية على مدى السنوات الأربع المقبلة لا تزال تستند إلى ارتفاع أسعار النفط. كما عكست التصريحات أيضًا الرياح المعاكسة التي تواجه أكبر اقتصاد عربي، حيث يعمل غالبية المواطنين في القطاع العام وتعتمد الشركات السعودية على العمالة الأجنبية الرخيصة. ونما الاقتصاد غير النفطي بالكاد هذا العام، مع توسع القطاع الخاص بأقل من 1%.

وقال «كريسبين هاويس»، العضو المنتدب بشركة تنيو لتبادل المعلومات بلندن، عبر البريد الإلكتروني: «في حين توجد رغبة حقيقية عند المسؤولين الكبار لمعالجة المشاكل الهيكلية، تكشف الميزانية استعداد الحكومة لاستخدام عائدات تصدير مرتفعة عن المتوقع من النفط الخام لتعزيز النمو من خلال الإنفاق التوسعي. ومن الناحية النسبية، ستبقى عائدات النفط هي الخط السائد في الحسابات المالية في المستقبل المنظور».

وتعدّ هذه الخطط تتويجًا لعامٍ شهد أكبر حزمة من الإصلاحات الاقتصادية في التاريخ السعودي، من خلال الخطة التي رسمها ولي ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان»، ابن الملك «سلمان»، لوضع حدّ لإدمان اقتصاد المملكة على النفط. ولكن حتّى مع ارتفاع خام برنت إلى ما يقارب 55 دولارا للبرميل هذا العام، لا يزال أقل بـ 35% من متوسط السعر في آخر 10 سنوات. وفي واحدة من أجرأ الخطوات، قال وزير الطاقة «خالد الفالح» أنّ تكلفة الوقود والكهرباء سيتم ربطها بالأسعار العالمية خلال 4 سنوات.

ظروف قاسية

مما جاء في حديث للملك «سلمان»: «تأتي الميزانية في ظروف اقتصادية قاسية في معظم البلدان، والتي شملت بطئًا في النمو الاقتصادي مع انخفاض في أسعار النفط، الأمر الذي ترك أثره على بلادنا». وأظهر 3 من الوزراء و2 من كبار المسؤولين أنّه لا تراجع عن خطط التحرك بعيدًا عن النموذج الاقتصادي التقليدي والذي لم تعد الحكومة قادرة على الاستمرار فيه.

تحدّي 2017

وقال «عماد مشتاق»، الخبير الاستراتيجي بشركة إلكتيك استراتيجي:«لا تزال الميزانية تعتمد بوضوح على عائدات النفط، لكنّها شهدت تظهر نموًا محمودًا في العائدات غير النفطية. وتحسّنت كثير من عائدات القطاعات غير النفطية، وسيكون عام 2017 فرصة لإبراز الحاجة لدفعة للاقتصاد وخلق مئات الآلاف من الوظائف التي يحتاجها الجيل الجديد من السعوديين».

وشملت أرقام الميزانية التي أعلنت يوم الخميس، لأول مرة، توقّعات لوجهة العائدات والإنفاق خلال السنوات الأربع القادمة والإنفاق العسكري للدولة. وقالت الحكومة أنّ ميزانية العام القادم ستشهد انخفاضًا في الإنفاق الدفاعي بنسبة 7% مقارنةً بهذا العام، على الرغم من استمرار الحملة العسكرية في اليمن.

وبدأ المواطنون السعوديون تفهّم متطلبات خطة رؤية 2030 وآثارها على حياتهم. وكانت العلاوات للموظفين قد تمّ إلغاؤها وتمّ تقليص رواتب الوزراء بنسبة 20% في سبتمبر/أيلول. وبدأت الحكومة في زيادة أسعار الوقود بنهاية العام الماضي، بما في ذلك زيادة أسعار الجازولين بنسبة 50 بالمائة. وسيتم تطبيق ضريبة القيمة المضافة عام 2018 وستبدأ الحكومة بفرض رسوم على العمالة الوافدة.

دفعات

وفي محاولة لتخفيف الآثار على محدودي الدخل بالبلاد ذات الـ 31 مليون نسمة، سيستفيد السعوديون من صندوق بقيمة 25 مليار ريال (6.7 مليار دولار) في صورة دفعات نقدية لمساعدتهم على التعامل مع الدخل والدعم المنخفض، بحسب ما صرّح به نائب وزير العمل والتنمية الاجتماعية «أحمد الحميدان». وسيزيد حجم البرنامج ليصل إلى 60 مليار ريال بحلول عام 2020.

وبعد التضييق على النفقات عام 2016، ستزيد المملكة من إنفاقها العام القادم لتحفيز النمو الاقتصادي الذي كان الأبطأ هذا العام منذ الركود الاقتصادي عام 2009. ومع ذلك، تتوقع المملكة انخفاضًا في عجز الموازنة للناتج المحلي الإجمالي ليصل إلى 7.7 بالمائة عام 2017، بعدما وصل هذا العام إلى 11.5 بالمائة.

وستعتمد السعودية أكثر على الاستثمارات الأجنبية لسد الفجوة المالية. وبعد وصولها لرقم قياسي في أول مبيعاتها من السندات في أكتوبر/ تشرين الأول بقيمة 17.5 مليار دولار، تخطط المملكة لإصدار ما قيمته من 10 مليار إلى 15 مليار دولار من السندات الدولية في عام 2017، وفقًا لما ذكره نائب وزير الاقتصاد «محمد التويجري» في مقابلة مع قناة العربية.

وقالت «مونيكا مالك»، رئيسة الاقتصاديين ببنك أبوظبي التجاري: «تظهر موازنة عام 2017 تحوّلًا من التقشّف الشديد إلى التركيز على دعم المجالات الحيوية اللازمة للنمو في البلاد. وسيعطي هذا الموقف التوسّعي الفرصة للاقتصاد لالتقاط الأنفاس، لكنّه على المدى الطويل ستكون هناك حاجة لمزيد من الإصلاحات المالية للحدّ من العجز».

الشكوك

يدقّق بعض الاقتصاديين بعين النقد في أرقام الميزانية، وخاصةً مع وجود رقمين للنفقات، أحدهما شمل مبلغا مرتفعا من المدفوعات المرحلة من الأعوام السابقة والتي جعلت الإنفاق يرتفع بأكثر من 11 بالمائة ليصل إلى 930 مليار ريال. ويعني هذا أنّ السعودية قد تخطّت نفقاتها ما كانت تهدف له ميزانيتها. ويقدّر بعض المحلّلون الماليون العجز المالي في موازنة هذا العام بـ 19.5 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي.

وقال «ديفيد بوتر»، وهو زميل مشارك في تشاتام هاوس في لندن:«الهدف الحاسم من التحرك باتجاه ميزانية أكثر توازنًا وزيادة عائدات القطاعات غير النفطية ليس موجودًا هنا. فالزيادة في العائدات غير النفطية في ميزانية عام 2017 متواضعة للغاية بنسبة 7 بالمائة».

وتظهر التوقعات المالية للحكومة أنّها تستعد لأسعار منخفضة للنفط نسبيًا، ترتفع إلى 66 دولار للبرميل بحلول عام 2020 في أكثر السيناريوهات تفاؤلًا. ومع ذلك، إذا سارت الأمور وفقًا للخطة، ستحقق المملكة فائضًا صغيرًا في الميزانية بحلول عام 2019 يبلغ 20 مليار ريال.

وأصبحت العائدات غير النفطية ذات أهمية كبيرة ماليًا، بعدما صعدت لتساوي 38 بالمائة من العائدات الإجمالية لعام 2016. وكانت الأمور قبل سنوات قليلة تشير إلى أنّ عائدات تصدير النفط الخام تمثّل 90 بالمائة من دخل البلاد.

وقال وزير المالية «محمد الجدعان»: «هدف إعادة التوازن المؤلم للميزانية لن يأتي إلا من خلال الكثير من العمل. نحن ننظر في عائدات النفط ونختبر الكثير من السيناريوهات. ونود التأكد أنّنا منضبطون للغاية».

بلومبيرغ- ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد-