تعيش الكويت اليوم في عصر النفط الرخيص، وتبحث دولة الكويت حاليا عن إجابات جنبا إلى جنب مع جيرانها من الدول البتروكيماوية الغنية، وتتعامل الكويت مع هذا الواقع القاسي منذ عام 2014. وطوال العقود السابقة، استمر الكويتيون في الاعتماد على النفط لتمويل الإنفاق الحكومي وتنمية صندوق الثروة السيادية الهائل الخاص بهم.
وتملك هيئة الاستثمار الكويتية (KIA) ما يقرب من 592 مليار دولار من الأصول. وعندما تسببت زيادة المعروض العالمي في هبوط الأسعار إلى أقل من 40 دولار للبرميل، كان على المسؤولين الكويتيين قبول حقيقة حتمية: لم يعد يمكن لدولتهم أن تعتمد على أسعار السلع الأساسية كمصدر وحيد للثروة لخزينة الحكومة. ومثل السعودية، كشفت الكويت النقاب عن خطة، أطلق عليها اسم «الكويت 2035» وتم تسويقها تحت اسم «الكويت الجديدةة». ووصف الشيخ «محمد عبد الله المبارك الصباح»، وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء، الخطة بأنها مجموعة من «المبادرات التي ستحول اقتصادنا وستخلق فرص العمل، وستعمل على جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة وتسهيل نقل المعرفة في مجالات الطاقة المتجددة، وتكنولوجيا المعلومات، وقطاع الخدمات».
تأسست الهيئة العامة للاستثمار في عام 1953، وهي أقدم صندوق للثروة السيادية في العالم، وتدير فوائض عائدات النفط. ويلتزم الصندوق بمبادئ سانتياغو، التي تضمن الشفافية وإدارة المخاطر والمساءلة والمحاسبة التنظيمية، والاستقرار المالي. وبعد 16 سنوات من إدارة الفوائض، حققت الكويت عجزا كبير في الميزانية في 2015-2016، وقد وافقت الحكومة مؤخرا على ميزانية 2017-2018 والتي تتوقع عجزا للسنة الثالثة على التوالي.
وقد قدر وزير المالية «أنس الصالح» العجز المقبل في حدود 21.6 مليار دولار. وهذا الرقم يشير إلى تحسن أفضل من السنة المالية 2016-2017 (التي تنتهي في 1 أبريل 2017)، في حين كان النقص السابق قد وصل إلى 29 مليار دولار . وقد كان ارتفاع أسعار النفط هو السبب في هذا التنامي.
خطة الكويت الجديدة
تم تصميم خطة «الكويت الجديدة» للتنمية لتحويل الاقتصاد الكويتي من خلال 164 من البرامج الاستراتيجية. وتحدد ملامح الخطة عبر سبعة أركان تضمن التنويع والنمو.
أولا: يشمل الركن الأول أهداف الإدارة العامة لإصلاح الممارسات البيروقراطية وتعزيز الشفافية والمساءلة والكفاءة.
ثانيا: يسعى الركن الثاني لتنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على عائدات النفط، والتي تشكل حوالي 90 في المائة من إيرادات الحكومة.
ثالثا: يركز الركن الثالث على تطوير البنية التحتية.
رابعا: تستهدف الركائز المتبقية مستويات المعيشة المحلية، والرعاية الصحية العامة وسوق العمل المحلي، وموقف الكويت العالمي.
تتماشى أهداف هذه الخطة الوطنية للتنمية مع خطط التنمية الإقليمية الأخرى، مثل رؤية 2030. ويأمل مسؤولون حكوميون في السعودية في زيادة الاستثمار الأجنبي المباشر من أجل وضع الكويت كمركز لصناعة البتروكيماويات العالمية. وهم يتطلعون للاستثمار في السياحة والبنية التحتية، واستهداف المناطق ذات الكثافة السكانية العالية من خلال برامج التنمية الحضرية، وإدخال برامج التمكين الاجتماعي والاقتصادي.
التنويع الاقتصادي
وبخصوص المستثمرين الأجانب، فإن الركن الثاني الذي يستهدف التنويع الاقتصادي، يوضح الفرصة القائمة. والأكثر وضوحا هي البرامج التي تستهدف قطاعي السياحة والتكنولوجيا. ويجب أن يتعرف المستثمرون أيضا على البنية التحتية وتطورات سوق العمل.
وقد أثبتت الهيئة العامة للاستثمار مؤخرا رغبتها في الاستثمار في التكنولوجيا من خلال عدة استثمارات رفيعة المستوى. قبل ثلاث سنوات، أنشأت الهيئة العامة للاستثمار محفظة للاستثمارات بقيمة 2 مليار دولار من رأس المال الاستثماري. وقال المدير التنفيذي «بدر السعد» إن الهيئة العامة للاستثمار «يجب أن تقتحم المزيد من المخاطر من أجل الحفاظ على العوائد، مما يدل على أن فعالية التحول نحو إدارة نشطة».
كما نمت الاستثمارات الكويتية في قطاع السياحة. ووفقا لمجلس السياحة والسفر العالمي (WTTC)، فمن المتوقع أن تزيد أعداد السياح القادمين من 270 ألفا في عام 2014 إلى 440 ألفا في عام 2024. وتحتاج الهيئة العامة للاستثمار إلى توسيع القدرات والسماح للشركات الأجنبية بتوفير مساحة في الفنادق للسياح الوافدين. وقد قامت فنادق فور سيزونز بافتتاح أول فندق لها في الكويت في برج الشايع هذا العام. ومن المتوقع أن يتبعه فنادق أخرى، وبحلول عام 2020 سيتم افتتاح ميركيور الكويت، هيلتون أولمبيا الكويت، وفندق جراند حياة.
ستبقى البنية التحتية أولوية قصوى بالنسبة للسياسيين الكويتيين. فقد تحدث وزير شؤون مجلس الوزراء الشيخ «محمد العبد الله الصباح» عن عدد من المشاريع الضخمة المعقدة خلال وتشمل هذه المشاريع مدينة الحرير، والمنطقة الحضرية المخطط لها في شمال الكويت وجسر الصبية بطول 37 كيلومترا، الذي سيربط ميناء الشويخ مع الصبية، المدينة الجديدةة. وكذلك عملية التطوير المستمر لجزيرة بوبيان في حوض الميناء وبوابة الميناء التجاري.
ولكن التمويل الحكومي لا يكفي لتمويل هذه المشاريع الطموحة ولهذا فإن الشراكات بين القطاعين العام والخاص ضرورية. وقد أكد وزير المالية الكويتي، «أنس الصالح»، ضرورة التركيز على الاستثمار في البنية التحتية. ويجب أن يتضمن هذا «أن تجني شركات البناء والمواد فوائد مباشرة من هذه المشاريع».
إصلاح سوق العمل
إن إصلاح سوق العمل هو أيضا محور رئيسي في خطة «الكويت الجديدة»، وتقدر وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل أن المغتربين يشكلون ما يقرب من 70 % من سكان الكويت. وتأمل الخطة في خفض هذا العدد إلى 60 % بحلول عام 2030. وقد أدى عدد الوافدين الكبير (3.1 مليون مقارنة ب مليون و300 ألف من المواطنين الكويتيين) إلى نقد لاذع من بعض النواب. وقد وصف أحد النواب الوافدين بأنهم «مستوطنون استعماريون»، ودعا إلى فرض ضريبة «المشي في الشارع» على الوافدين وعلى الرغم من أن الاستثمارات الحكومية في مجال التعليم سوف تساعد جيل جديد من الكويتيين على الانضمام إلى القوى العاملة، فإن الشركات لا تزال حذرة من خطة الدولة للحد من العمال الأجانب.
إن خطة د«الكويت الجديدة» هي رد فعل متوقعة على التحولات القائمة. وكانت الكويت قد أطلقت خطة بقيمة 107 مليار للاستثمار في الطاقة والنقل والبنية التحتية للصحة في 2010 مما أدى إلى تولد الشجار بين الحكومة والبرلمان وإلى نتائج باهتة. ومن الواضح أن الاستقرار السياسي مهم لأجل جذب الاستثمارات الأجنبية.
وخلافا ذلك، فإن المشاريع من قبل الشركات الأجنبية لا تزال تخضع للمراجعة والإلغاء من قبل المسؤولين. وعلى الرغم من هذه المخاطر، فإن البلاد لديها بيئة عمل مواتية حيث تساعد السياسة المالية المتكيفة على التنفيذ السريع للشراكات بين القطاعين العام والخاص والاستثمار الأجنبي.
ولعل الركود في عائدات السلع سيوفر أخيرا زخما للنفقات الاستثمارية وتطوير المشاريع. إذا تم تنفيذ خطة «الكويت الجديدة» بشكل صحيح، فإن الاقتصاد الكويتي سيتم تنويعه وتوسيعه. وفيما يحاول المسؤولون الكويتيون إثبات القدرة على تجنب التأخير، فإن الجمود السياسي لا يزال يمثل الخطر الرئيسي.
أندرو فوغت - إنترناشيونال بوليسي دايجست- ترجمة وتحرير أسامة محمد - الخليج الجديد-