كانت أضواء الكاميرات تومض حين مرّ الرئيس المنتخب «دونالد ترامب» عبر بهو برج ترامب مع رائد الأعمال الملوّن «ماسايوشي سون»، في ديسمبر/كانون الأول.
وقال «ترامب»: «هذا ماسا مؤسس شركة سوفت بنك من اليابان»، قال ذلك قبل أن يتباهى بأنّ سوفت بنك، والتي كانت في عملية جمع صندوق عملاق بـ 100 مليار دولار، قد تعهّدت باستثمار 50 مليار دولار في الولايات المتّحدة وخلق 50 ألف وظيفة هنا.
وتوجّه بالكلام إلى «سون» قائلًا: «هو واحد من أعظم الرجال في تلك الصناعة، لذا أرغب فقط في توجيه الشكر إليك». وكان السيد «سون» من أوائل المستثمرين في ياهو وعلي بابا. وفقط الشهر الماضي، قام بشراء مجموعة فورترس الاستثمارية بوول ستريت مقابل 3 مليارات دولار.
وكان الهدف من التقاط الصور أن تكون جزءًا من حملة «ترامب»، «أمريكا أوّلًا».
لكن ما لم يذكر ذلك اليوم، ولم يتم الإشارة إليه بشكلٍ كبير، أنّ صندوق تمويل سوفت بنك البالغ 100 مليار دولار من المعقول أن يوصف بأنّه واجهة للسعودية وربما لدولٍ أخرى بالشّرق الأوسط.
والسّعودية هي المستثمر صاحب الأغلبية في الصّندوق، مع تعهّدها بـ 45 مليار دولار. وكذلك دخلت شركة مبادلة للتنمية بأبوظبي والمملوكة للدولة في مفاوضات لاستثمار 15 مليار دولار. وقطر كذلك دخلت في محادثات للاستثمار في الصندوق هي الأخرى.
ولا يخفى ذلك على أي أحدٍ ركّز بقليلٍ من الاهتمام حتّى مع الأخبار القليلة التي دارت حول الصندوق.
وفي حين تعهّد السيد «سون» بتوفير ربع قيمة الصندوق بنفسه، لا يكاد يكون هناك أيّ مساهمة من قبل المستثمرين في الولايات المتّحدة، باستثناء 1 مليار دولار من الاستثمارات، شملت استثمار أبل وكوالكوم ولاري إليسون مؤسس أوراكل.
وقد يُنظَر إلى احتفاء «ترامب» بالسيد «سون»، وبالتّالي بالسعودية، للاستحواذ على أكثر شركات وادي السيليكون الواعدة وملكيتها الفكرية، كتناقضٍ مع حديثه عن القومية.
وقد سأله «شون هانيتي» من فوكس نيوز العام الماضي: «هل ستأخذ الأموال من السّعوديين؟»
وأجاب «ترامب» دون تردّد: «لا».
وأثناء الحملة الانتخابية، انتقد «ترامب» منافسته «كلينتون» لعلاقتها بالرّياض. وكتب «ترامب» على فيسبوك: «تقول هيلاري المعوجّة أنّنا يجب أن ندعوا السعودية والبلدان الأخرى لوقف تمويل الكراهية. وأنا أدعوها لإعادة أكثر من 25 مليون دولار فورًا قد حصلت عليها منهم لصالح مؤسسة كلينتونّ».
تمّت هذه الإشارة في سياق السياسة، لكن هل ينبغي أن تمتدّ إلى الأعمال التجارية أيضًا؟
لا أتّخذ في هذا العمود موقفًا حول تجاه السياسة أو أخلاقية الحصول على الأموال من السّعودية. لكنّها محادثة تستحق الحدوث.
وفقط مثلما أرادت الولايات المتّحدة أن تستقل في قطاع الطاقة عن الشرق الأوسط لأسبابٍ اقتصادية وسياسية، قد نكون على وشك اتّخاذ المسار المعاكس فيما يتعلّق بشركاتنا البادئة المبتكرة.
وفي حين يرغب «ترامب» في تحفيز الاستثمار الأجنبي في الولايات المتّحدة، فقد تحدّث بقسوة عن الشّرق الأوسط والإرهاب. ونجد أنّ 15 شخصًا من بين 19 نفّذوا هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، عام 2011، كانوا مواطنين سعوديّين.
وقد أدلى «ترامب» بتصريحاتٍ متناقضة حول السّعودية: «السعودية، أنا وهم كنّا على علاقة طيبة طويلًا. إنّهم يشترون الشّقق منّي. إنّهم ينفقون 40 أو 50 مليون دولار. هل عليّ أن أكرههم؟ أنا أحبّهم كثيرًا».
وتناقض قوانين السعودية العديد من وجهات النظر الأمريكية وحتّى أشدّ وجهات النظر المحافظة لدى «ترامب»، فهم يمنعون المرأة من القيادة، ويعاقب المثليّون بالرجم حتّى الموت، وغير مسموح هناك بحرية ممارسة الدين.
ومن الأمور المثيرة للدّهشة، أنه حين قدِم ولي ولي العهد السعودي الأمير «محمد بن سلمان» إلى كاليفورنيا العام الماضي، اصطفّ الرؤساء التنفيذيون لشركات التكنولوجيا ورأس المال الاستثماري للقاء معه. وشملت الجولة مقابلات مع «تيم كوك» من أبل، وم«ارك زوكربيرغ» من فيسبوك، و«ساتيا ناديلا» من مايكروسوفت، ومستثمرين كبار مثل «مارك آندرسن» و«ريد هوفمان» و«بيتر ثيل».
ربّما يكون الأمر طبيعيًا إذا علمنا أنّ تدفّق الأموال السعودية سيرفع من قيمة كلّ الشّركات بوادي السيليكون. المال هو المال.
ومع ذلك، في العام الماضي، حين استثمرت السعودية 3.5 مليار دولار في أوبر، فإنها نفضت بعض الغبار. قالت مجلة فورتشن أنّ الصفقة «تشكّل نوعًا من المعضلة الأخلاقية في وادي السيليكون، وتجبر الشركات على وزن سجلّ المستثمرين وقوّتهم المالية أمام مبادئهم».
تمتّعت السّعودية بالشّفافية بشأن خططها لتنويع الاقتصاد بعيدًا عن الاعتماد على النفط. وجزء من خطّتها هو شراء أصول في بلادٍ أخرى، مثل شركات التكنولوجيا في الولايات المتّحدة. كما أنّ الأمير «محمّد» يرغب في تخفيف بعض التقييدات الاجتماعية التي تشكّل أزمة للمرأة والآخرين. ويقترح خبراء في السياسة الخارجية أنّ العلاقات الأوثق مثل هذه الاستثمارات قد تسرّع من عملية الإصلاح في السّعودية.
وللإنصاف تجاه «ترامب»، فإنه إذا كان راغبًا في جلب مبالغ ضخمة للاستثمار داخل الولايات المتّحدة، فمن الصّعب ذلك دون إشراك دولٍ لدينا معها علاقاتٍ معقّدة. فبعض أضخم الأموال ترتبط ارتباطًا مباشرًا بصناديق الثروات السيادية.
وعلى الأرجح فإن الـ 50 مليار دولار التي تعهّد بها السيد «سون» لاستثمار داخل الولايات المتّحدة ستكون من صندوق رؤية سوفت بنك الذي تساهم فيه السعودية. كل ما أريد قوله، هل يمكنك تخيّل الرئيس «ترامب» واقفًا في بهو برج «ترامب» مع الأمير «محمد بن سلمان» يحصل على 50 مليار دولار استثمارات للولايات المتّحدة من السّعودية؟
من الصّعب رؤية ذلك، لكن مرّة أخرى، إنّنا نعيش أيّامًا غريبة.
أندرو سوركين - نيويورك تايمز- ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد