حين انهارت أسعار النفط الخام إلى نطاق 20 دولارا في أوائل العام الماضي، كانت معظم الدول المنتجة للنفط تشعر بالرعب. وذلك لأن قلّة من البلدان يمكنها صنع الكثير من المال، إن وجد، عند هذه النقطة السعرية. وأقول ذلك لأنّ هناك حفنة من الدول المنتجة التي كانت لا تزال قادرة على تحقيق ربح كبير عند تلك النقطة السعرية. وكانت المملكة العربية السعودية في مقدّمتها.
ووفقًا لبيانات مؤسسة استشارات صناعة الطاقة «ريستاد إنيرجي»، فقد تكلّفت السّعودية في المتوسط أقلّ من 9 دولارات لإنتاج البرميل الواحد من النفط العام الماضي. وهذا هو الأرخص في العالم، على الرغم من أنّ دولا أخرى في منظمة أوبك مثل إيران والعراق يمكن أن تنتج بتكلفة تقارب 10 دولار للبرميل أيضًا، وهو أقل بكثير من الدول المنافسة:
ونلقي هنا نظرة على الأسباب التي جعلت تكلفة النفط السعودي رخيصة جدًا، ومن هو المنافس الناشئ الذي يعمل للّحاق بالركب.
التنقيب عمّا يجعل النفط السعودي رخيص للغاية
تنظر شركة «ريستاد إنيرجي» إلى أربع نقاط بيانات عند تحديد متوسّط التكلفة النقدية للدولة لإنتاج برميل النّفط، هي الإنفاق الرأسمالي وتكاليف الإنتاج وتكاليف الإدارة والنّقل والضرائب الإجمالية. وفيما يلي تفصيل لهذه التكاليف للبرميل بالنسبة للمملكة:
تحتاج السعودية فقط إلى إنفاق 3.50 دولارا في رأس المال لاستخراج برميل من النفط إلى خارج الأرض. ويشمل هذا المبلغ الأموال المستثمرة في حفر الآبار الجديدة وكذلك المعدّات المرتبطة بها. والسبب في انخفاض تكاليف رأس المال هو أنّ النّفط في البلاد يقع بالقرب من سطح الصحراء ويتجمّع في حقولٍ شاسعة، لذلك لا تحتاج المملكة إلى استثمار الكثير في إخراجه من الأرض. وعلى النقيض من ذلك، في البلدان التي لديها قواعد إنتاج بحرية كبيرة مثل النرويج والمملكة المتّحدة، فإنّها تتكبّد تكاليف أعلى بكثير من النفقات الرأسمالية بـ 13.76 دولار و22.67 دولار على التوالي، وذلك بسبب الحاجة إلى بناء منصّات الإنتاج البحرية الكبيرة.
(الرسم: كم يتكلف إنتاج برميل من النفط السعودي)
وفي الوقت نفسه، فإنّ موقع وحجم حقول النفط السعودية يساعد أيضًا على خفض تكاليف الإنتاج. ففي حين أنّها ليست الأرخص في العالم، حيث أن العديد من الدول لديها تكاليف إنتاج بما يقارب 2 دولارا للبرميل الواحد فقط، فإنّ ذلك لا يزال جزءًا بسيطا مقارنة مع تكاليف الإنتاج من بلدٍ مثل كندا، التي تدفع 11.56 دولار لإنتاج برميل النّفط. وأحد أسباب ارتفاع تكلفة الإنتاج في كندا هو أنّ الرّمال النفطيّة تشكّل الجزء الأكبر من إنتاجها، والتي تنتج النّفط إمّا من خلال عملية حرق الغاز الطبيعي للحصول على البخار أو مع حفّارات التعدين والشاحنات الضخمة للحفر وإخراج الرّمال النفطية من الأرض.
وعلى أساس النسبة المئوية، فإنّ المملكة العربية السعودية لديها واحدٍ من أعلى تكاليف الإدارة والنّقل في العالم بنسبة 27.7٪ من مجموع التكلفة. ومع ذلك، فإنّ هذا فقط لأنّ نفقاتها الأخرى منخفضة جدًا. وعند النّظر إلى تلك التكاليف على أساس البرميل، فهي قريبة من القاع.
وأخيرًا، فإنّ عدم وجود الضرائب يعتبر ميزة تنافسية كبيرة بالنّسبة للمملكة وغيرها من الدول المنتجة منخفضة التكلفة للغاية مثل إيران والعراق. وبالنسبة لهذا العامل، إذا لم يكن على روسيا دفع الضّرائب، فإنّ تكاليفها النقدية للنّفط كانت لتنخفض من 19.21 دولار إلى 10.77 دولار، وهو أكثر تنافسية بكثير مع منافسيها في الشرق الأوسط. ومع ذلك، في حين أنّ دول الشرق الأوسط هذه لا تفرض ضريبة على إنتاج النّفط، فإنّها لا تزال تحصل على تكلفة منخفضة للإنتاج لأنّ الأرباح النّفطية تدعم جزءًا كبيرًا من ميزانياتها الاتّحادية. وفي الواقع، فقد وفّر النّفط 62٪ من عائدات الحكومة السّعودية في العام الماضي، ومن المتوقع أن يوفر 69٪ في عام 2017 بسبب ارتفاع أسعار النّفط.
كيف يدخل الصخر النّفطي في المقارنة؟
لأعوام، كانت السعودية هي الرّائدة عالميًا بلا منازع في سوق النّفط. ومع ذلك، وبفضل التقدّم في تكنولوجيا حفر الصخر الزيتي (النّفطي)، انتعش إنتاج النّفط في الولايات المتّحدة بعد سنواتٍ من التراجع، وفي وقتٍ ما، تفوّقت أمريكا على السّعودية باعتبارها أكبر منتج للنّفط في العالم. وفي الواقع، قام منتجو النّفط الصخري بضخ كميات كبيرة من النّفط بحيث أصبح المخزون العالمي يزداد بشكلٍ كبير، ممّا تسبّب في انهيار الأسعار. ولم يساعد السعوديّون كثيرًا في إصلاح الأمر، واختاروا الاستفادة من انخفاض تكاليف إنتاجهم في ضخّ المزيد من الكميات لدفع العديد من منتجي الصخر الزيتي للخروج من السوق بقدر الإمكان.
غير أنّ هذه الخطوة ارتدّت على المملكة، لأنّها أجبرت منتجي الصخر الزيتي على أن يصبحوا أكثر كفاءة، ممّا أدّى إلى انخفاضٍ كبير في التكاليف. ومع ذلك، فإنّ التكاليف النقديّة للصخر الزيتي في الولايات المتّحدة لا تزال أكثر من ضعف التكاليف في المملكة بسبب ارتفاع النّفقات في جميع المراحل.
(الرسم: كم يتكلف إنتاج برميل من النفك الصخري).
ومع ذلك، فقد انخفضت هذه التكاليف بشكل مطّرد على مر الأعوام، حيث شهد الإنفاق الرأسمالي التحسّن الأكبر. وعلى سبيل المثال، انخفض إنتاج النّفط في العام الماضي في رائدة الإنتاج الصخري إي أوه جي ريسورسز بأقل من 1٪ بسبب الانخفاض الملحوظ في الإنفاق الرأسمالي بنسبة 42٪ مقارنةً بعام 2015. وقد أدّى ارتفاع كفاءة رأس المال إلى انخفاض كبير في تكاليف إي أوه جي بعد تراجع تكاليف الحفر في باكن من 8.8 مليون دولار في عام 2014 إلى 5.1 مليون دولار في العام الماضي، في حين انخفضت التكاليف في حوض ديلاوير من 15.4 مليون دولار إلى 8.5 مليون دولار فقط في نفس الإطار الزمني. وقد استخدمت شركة إي أوه جي العديد من التقنيات لتقليل التكاليف، بما في ذلك استخدام البيانات لتحسين قرارات تحديد الأماكن بشكلٍ جيد، وحفر آبار أطول واستخدام المزيد من الرّمال، وغيرها من الابتكارات.
وبالمثل، انخفضت نفقات الإنتاج بشكلٍ حاد. وفي حالة إي أوه جي ريسورسز، انخفضت تكلفة مكافئ برميل النّفط بنسبة 22٪ منذ عام 2014. وفي الوقت نفسه، انخفضت مصاريف الإنتاج في حوض بيرميان إلى 2.25 دولار للبرميل الواحد، وفقًا لما ذكرته شركة بايونير ناتشورال ريسورسز. ومع ذلك، ليست كل الأحواض بنفس الجودة، بما في ذلك النجوم الساطعة السابقة مثل إيغل فورد وباكن. ومع ذلك، فإنّ الصّخر الزيتي لا يزال في المراحل الأولى، وقد قطع شوطًا طويلًا على مدى العقد الماضي، ممّا يوحي بأنّ الشّركات يمكن أن تستمر في ابتكار طريقها إلى خفض التّكاليف.
الرهان الخاطئ
تحظى السّعودية بأقلّ تكلفة إنتاج في العالم بفضل ميزتين استراتيجيتين، حقول النّفط الوفيرة القريبة من السّطح، وعدم وجود ضرائب على الإنتاج. وبسبب ذلك، يمكنها الحصول على عائدات في أيّ بيئة سعرية غالبًا. ومع ذلك، وقعت السّعودية في خطأٍ بمحاولتها استغلال تكلفتها المنخفضة في قتل ثورة النفط الصخري، فقد دفعت هذه الصناعة لتصبح أقوى.
بيزنس إنسايدر- ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد-