ياسين السليمان - الخليج أونلاين-
بغضون 40 يوماً فقط.. اختفى أثر "سعودي أوجيه"، أكبر شركة في المملكة العربية السعودية، من قطاع الأعمال والمقاولات، لتطوي بذلك تاريخاً حافلاً بالإنجاز والأصول المالية استمرّ 39 عاماً.
وطيلة عملها في المشاريع العملاقة، تُعرف الشركة بين نظيراتها داخل السعودية وخارجها بـ "إمبراطورية سعودي أوجيه".
ومنذ انطلاقتها عام 1978، حتى خفوت نجمها عام 2013، حلّقت الشركة العملاقة خلال فترة الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، وكذلك مطلع القرن الحالي، بين أعلى الشركات دخلاً، إذ تجاوزت إيراداتها عام 2010 الـ 8 مليارات دولار.
ويعمل في الشركة، التي أغلقت أبوابها كلياً، نحو 56 ألف موظف؛ بين مهندس وعامل، تاركين خلفهم 3 مشاريع عملاقة، عجزت الشركة عن الانتهاء منها خلال الفترة الماضية؛ وهي مشروع بناء قصر "خادم الحرمين الشريفين" في طنجة المغربية، ومشروع بناء في مشاعر منى، فضلاً عن عقد تشغيل وصيانة جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية لمدة 15 عاماً، حيث تعاقدت الشركة مع شركات أخرى لتنفيذها.
ومع أن ظاهرة الإفلاس تبدو جديدة على الشركات السعودية، وعادة ما تبرر الجهات الرسمية أسباب ذلك بتراجع أسعار النفط مؤخراً، مع تقليص المشاريع الحكومية وترشيد الاستهلاك، فإن غياب "إمبراطورية" اقتصادية عملت في المقاولات، والعقارات، والاتصالات، والطباعة، وخدمات الكمبيوتر، يبدو لافتاً ومحيراً في ظل انبهار الإعلام السعودي بمشاريع "رؤية 2030".
والسبب الرئيس في الانهيار السريع للشركة العملاقة يعود إلى "إغفال الشركة للشفافية والحوكمة منذ بداية الأزمة"، وانشغال إدارة الشركة بالسياسة، الأمر الذي أنهى عمل 4 عقود من عمل "سعودي أوجيه"، حسبما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن عُمال وموظفين بينهم فرنسيون.
- كيف بدأت "سعودي أوجيه"؟
بدأت الشركة العملاقة العمل في عام 1979، كشركة سعودية متعددة النشاطات، منها المقاولات والأشغال العامة، قبل أن تطور نشاطها ليشمل الاتصالات، والطباعة، والعقارات، وخدمات الكمبيوتر.
وفي أواخر سبعينيات القرن الماضي، نجح مالك الشركة، رئيس وزراء لبنان الراحل، رفيق الحريري، بشراء "شركة أوجيه الفرنسية"، ودمجها في شركته، ليصبح اسمها "سعودي أوجيه"، وأصبحت من أكبر شركات المقاولات في العالم العربي.
واتسع نطاق أعمالها ليشمل شبكة من البنوك والشركات في السعودية ولبنان، إضافة إلى شركات للتأمين والنشر والصناعات الخفيفة، وظلت في رحلة صعود قوي بلغت أوجها سنة 2010.
- إنجازات
في 4 عقود من الزمن، أنجزت سعودي أوجيه مجموعة كبيرة من المشاريع الحكومية وغير الحكومية؛ منها بناء مجلس الشورى في الرياض، والديوان الملكي في جدة، والرياض، والمدينة المنورة، وتولّت بناء مركز الملك عبد العزيز الدولي للمؤتمرات، ومجمع المحاكم الرئيسي في الرياض، ومركز الملك عبد العزيز التاريخي، ومجموعة من المنشآت العسكرية؛ مثل مدينة الملك عبد الله العسكرية في الأحساء، وقاعدة الأمير سلطان الجوية في الخرج، والمرافق العسكرية في معهد تبوك والمدرعة.
وأنشأت الشركة كذلك مجموعة كبيرة من الفنادق الفاخرة العالمية، والمحلية، وقصور الضيافة، والمدارس والجامعات. فأشرفت على بناء جامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا، وجامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن، والعديد من المدارس في الرياض، وطريق الملك عبد الله بجدة، ومركز الملك عبد الله المالي، ومسارات القطار الكهربائي بالرياض، ومجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف في المدينة المنورة.
- بداية الانهيار
بدأت الشركة بالتراجع منذ اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق، رفيق الحريري، عام 2005، وتولى قيادة الشركة سعد الحريري، رئيس الحكومة اللبنانية الحالي، وأخوه أيمن الحريري، حيث واجهت الشركة أزمة حقيقية بدأت ملامحها تطفو أكثر عام 2013؛ تمثّلت في الأزمة المالية التي أطاحت بعملاق المقاولات والإنشاءات في المملكة ومشكلة دفع رواتب موظفيها.
ولكون "سعودي أوجيه" لها مشاريع حكومية عملاقة، تدخلت الحكومة السعودية بشكل قوي أمام تفاقم أزمة الشركة، وحاولت وزارة العمل إيجاد حلول لمسألة العمال والموظفين، وتضمّنت نقل خدمات أو تجديد الإقامات مجاناً، أو تأشيرة خروج نهائي لمغادرة السعودية، إلا أن الشكاوى المرفوعة ضد "سعودي أوجيه" بدأت تتزاحم في صالات المحاكم ومكاتب الجهات الرسمية حول تأخّر تسديد الرواتب بشكل غير مسبوق.
ورغم الدفعات المالية للمشاريع الحكومية التي من المفترض أن تنفذها الشركة طيلة السنوات الماضية، فإن عدد الدعاوى المرفوعة ضد الشركة بلغ 31 ألف دعوى، إذ إن "الموت البطيء" قد خط مساراً واحداً للشركة؛ وهو طريق الإفلاس والانهيار، وأجبر "الإمبراطورية السعودية" على إيقاف كافة مشاريعها الداخلية والخارجية، بحسب صحيفة "عكاظ".
وخلال الأشهر الـ 10 الماضية، حاولت الشركة التخلّص من أعباء 40 ألفاً من موظفيها، وأقدمت على بيع أكثر من 30 مليار ريال من أصولها الثابتة في السعودية، إضافة إلى شركاتها الخارجية في أوروبا ودول الخليج.
وأصدرت محكمة التنفيذ مؤخراً أحكام تنفيذ إجبارية على "سعودي أوجيه" لصرف مستحقات موظفيها، ومنحت المحكمة الشركة مدة محددة للالتزام بالأحكام القضائية بحقها، ثم الحجز على ممتلكاتها وأرصدتها، وإحالة رجال أعمال، وعقاريين، ومديرين تنفيذيين، ورؤساء مجالس إدارة ومصارف وشركات، إلى التحقيق والاستجواب، وتحرير لوائح اتهام بحقهم، وإحالتهم إلى المحاكم الجزائية، ومعاقبتهم وفق القوانين ولوائح الاتهام.
وتدخّل عدد من السفارات في السعودية؛ منها الفرنسية واللبنانية والباكستانية، في الضغط على الشركة لتسديد ما بذمّتها من أموال لموظفيها، لكن دون جدوى.
- شركات مهددة بالانهيار
رئيس لجنة التثمين العقاري في غرفة تجارة وصناعة جدة، عبد الله الأحمري، اعتبر أن "انهيار سعودي أوجيه يضع بعض الشركات الكبيرة والصغيرة في دائرة الخطر".
وأشار في تصريحات صحفية إلى "ارتفاع عدد الشكاوى في كثير من شركات المقاولات والإنشاءات في الآونة الأخيرة من عدم تسلّم رواتبهم وتأخّر مستحقاتهم، مع وجود أرقام تؤكد أن حجم الديون على الشركات السعودية وصل في نهاية عام 2016 إلى أكثر من 300 مليار ريال".
من جانبه، أفاد الاقتصادي سالم باعجاجة، بأن الأزمة التي تواجه شركات المقاولات لن تتوقف عند سعودي أوجيه، وسيكون لها آثار سلبية على عدد آخر من الشركات. ولفت إلى تراجع أعداد العمال في الشركات الكبرى، منها شركة بن لادن، التي كانت تستحوذ على النصيب الأكبر من السوق.
وذكر لصحيفة "عكاظ" أن "انهيار سعودي أوجيه ليس الأول ولن يكون الأخير"، في ظل تهاوي شركات عالمية عملاقة؛ بسبب الأزمات الاقتصادية، ووجود شركات أخرى ما زالت تقاوم، وتحاول الوقوف بوجه العاصفة، كما أن الحكومة السعودية تسعى إلى نقل 600 موظف سعودي من أصل 8000 إلى منشآت أخرى، بحسب الوزارة.
- رسائل سلبية
ويعطي توقّف أو خروج أي شركة أو مؤسسة سعودية بأي قطاع رسائل سلبية للمستثمرين، خصوصاً إذا كان السبب هو عدم الوفاء بالالتزامات المالية، بحسب أسامة بن حسن العفالق، رئيس مجلس إدارة هيئة المقاولين في السعودية.
وتوقع العفالق، بحسب ذات الصحيفة، خروج شركات أخرى؛ مثل شركة "المعجل"، المدرجة في سوق المال، بسبب تأخر صرف المستحقات المالية، وتوقف المشروعات الحكومية خلال العامين الماضيين، التي تمثل نسبة 70% من مجمل المشروعات في المملكة تقريباً.
ولفت إلى أهمية قطاع المقاولات كثاني أكبر القطاعات غير النفطية محلياً، وأكثرها ارتباطاً بمشروعات وبرامج رؤية المملكة 2030، بحكم ارتباط معظم برامج الرؤية بقطاع المقاولات.