وكالات-
لم يعد بإمكان حكومة أبوظبي إخفاء شبح الأزمة الاقتصادية والمالية والإدارية التي تطارد شركتي الطيران في الدولة: الاتحاد (مملوكة لحكومة أبوظبي) والإماراتية (مملوكة لحكومة دبي)؛ إذ سعت منذ انهيار أسواق النفط العالمي عام 2014 إلى إخفاء معالم الأزمة وصرف الأنظار عنها بإعلان مشاريع تنموية.
وقصص النجاح، والنفوذ العالمي الذي حققته الشركتان الإماراتيتان في القرن الحادي والعشرين، وعلى مدار أعوام، بدت للعيان أنه لا يوجد ما يوقفها أو حتى ينافسها، إلا أن اختلاف الأولويات لدى الحكومة أدار دفتها نحو النفوذ السياسي والاقتصادي الخارجي.
أدى اختلاف الأولويات لدى حكومة أبوظبي إلى غض الطرف عن المشاريع التنموية والتعليمية مؤخراً، في حين بدت ملامح أزمة اقتصادية مرتقبة تهدد مستقبل الدولة الاقتصادي، خصوصاً مع توالي إعلان الشركات الأجنبية إفلاسها، ليأتي الدور على شركات خطوط النقل الجوي التي تملكها وتديرها الحكومة.
كثيرة هي طموحات الحكومة الإماراتية بقيادة بن زايد؛ إذ لم تعد الكرة الأرضية تحمل هذه الطموحات، فبدأت حكومة أبوظبي تبحث عن أماكن لمشاريعها العملاقة على كوكب المريخ وإنشاء قرية مصغرة ضمن "مشروع المريخ 2117"، وكذلك إنشاء أبراج معلقة في السماء من دون أن تستند على الأرض كبرج الخور بدبي، أو حتى نقل جبال الجليد من القارة القطبية الجنوبية إلى إمارات جميرة مع عوائل من البطريق، حتى وصفها البعض بأنها تحقيق للنبوءة التي تقول إن منطقة الخليج ستعود مروجاً خضراء.
إلا أن هذا الطموح لم يجد حلاً يمكنه الوقوف بوجه إفلاس الشركات الأجنبية وتدهور شركات الطيران التي آلمتها الخسائر منذ انهيار أسعار النفط عام 2014 لحد الآن، وقد تعلن هي الأخرى إفلاسها في حال لم تنجح خطط الاندماج مع الشركات المحلية.
ورغم تركيز الإعلام المحلي والخارجي الذي تموله أبوظبي لتحسين صورة اقتصادها إقليمياً وعالمياً، فإن الرياح المعاكسة تبدو أقوى وتزداد شدتها يوماً بعد يوم ولم تغطها هذه المرة النشرات الإعلامية "المبهمة"؛ إذ أضحت تصارع كبرى شركات النقل الحكومية وواجهتها نحو العالم من أجل البقاء، بعدما كانت مرجعاً في الخدمة والجودة ونطاق التغطية حول العالم، ونالت لقب "عظماء التوصيل".
- معرض دبي.. محاولة لتلافي خيبة الخسائر
ومع تعهد القائمين على معرض دبي للطيران، الذي انطلقت فعالياته الأحد 12 نوفمبر 2017، بأن تكون هذه الدورة أكبر وأفضل في كل ما يتعلق بالطيران والفضاء والدفاع من سابقتها في عام 2015، إلا أن السياقات الاقتصادية والسياسية والتنافسية التي تتحرك فيها الشركات الإماراتية، تبدو مختلفة بشدة عما كانت عليه قبل عامين.
فقد أثر تراجع أسعار النفط على الأرباح والتجارة في المنطقة وأدى إلى إلغاء الكثير من خطوط الرحلات، وفضلاً عن تواصل تأثير الأزمة الدبلوماسية والتجارية بين حلفاء أبوظبي (الرياض والمنامة) من جانب، وقطر من جانب آخر.
وأثار النمو السريع سنواتٍ طويلة في الناقل الإماراتي مخاوف بشأن الطاقة والحماسة الزائدة، والتي تأتي مع اشتداد المنافسة من شركات الطيران منخفض التكلفة، سواء للرحلات القصيرة أو الطويلة.
ويبدو أن الحكومة لم تحسب له حساباً، ليأتي خبر إلغاء "طيران الإمارات" صفقة شراء 36 طائرة من طراز (A380) العملاقة من رائد النقل الجوي "إيرباص" قبل توقيع الاتفاق بدقائق، في جناح "إيرباص" بمعرض دبي للطيران، ليؤكد عمق الأزمة المالية والإدارية التي تعانيها شركات الطيران الإماراتية، بحسب ما ذكرته وكالة "رويترز".
وما يزيد الطين بلة، أن المنطقة تعاني مع زيادة الضرائب والرسوم على البنية التحتية وازدحام الحركة الجوية؛ ما يؤثر في عمليات الشحن التي كانت صاعدة بقوة في السابق، بحسب تقرير اتحاد النقل الجوي الدولي (إياتا) السنوي، الذي سلط الضوء على متاعب شركة طيران الإمارات وانهيار حجم أرباحها إلى 82% على أساس سنوي، حيث وصف تيم كلارك، رئيس الشركة، هذا التراجع، في مايو الماضي، بأنه "أكثر الأعوام تحدياً حتى اليوم".
ويتوقع تقرير "إياتا" أن تحقق شركات الطيران في المنطقة مجتمعةً أرباحاً بقيمة 400 مليون دولار في عام 2017، نزولاً من 1.1 مليار دولار في عام 2016، بعد تراجع أوضاع التجارة بشدة وتعرّض بعض النماذج لضغوط خلال أول 6 أشهر من العام الجاري.
ولجأت "طيران الإمارات"، خلال الأشهر الماضية، إلى تخفيض طاقتها التشغيلية مع فرق سعر الصرف مقابل الدولار؛ لرفع صافي أرباحها نصف السنوية إلى 1.7 مليار درهم، لكن المعاملات التجارية ما زالت صعبة، بعد أن مرت شركات الطيران بالشرق الأوسط في سبتمبر الماضي بأبطأ وتيرة للنمو الدولي الشهري منذ ثمانية أعوام؛ إذ ارتفع الطلب بنسبة 3.7% فقط.
ويقول ديفيد أوكسلي، الخبير في "إياتا"، إن الرحلات بين الشرق الأوسط والولايات المتحدة "هي السوق العالمية الوحيدة التي لم تنمُ على أسس سنوية خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2017". والوضع أسوأ بالنسبة لشركة الاتحاد للطيران، مقرها أبوظبي، بحسب ما ذكرته هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي".
ويؤكد المحلل سيث كابلن، وهو شريك إداري بمجلة "افياشن ويكلي" -مقرها الولايات المتحدة- أن "(طيران الإمارات) تعاني في ضوء تاريخها الخاص، لكنها ما زالت قادرة على تصريف شؤونها. لكن (الاتحاد) من الواضح أنها غارقة في المشاكل" المالية والإدارية.
وجاء عام 2017 ليذوب بريق شركات الطيران الإماراتية تحت وطأة وقساوة الخسائر مع تراجع الأرباح السنوية؛ إذ أعلنت شركة "الاتحاد للطيران" في 10 أغسطس 2017، أن قيمة خسائرها عن عام 2016 قد بلغت 1.87 مليار دولار؛ نظراً إلى تراجع قيمة أصولها وضعف عائدات استثماراتها في شركتي "أليطاليا" و"إيربرلين".
وشملت الخسائر شطباً بقيمة 800 مليون دولار لقيمة استثماراتها في شركات الطيران الأخرى.
ويبدو أن "الاتحاد للطيران" كانت تعتقد أنها ما زالت تعيش "سنوات العز"؛ إذ أنفقت مئات الملايين من الدولارات لشراء حصص في شركات طيران عالمية، منها "فيرجن أستراليا"، و"طيران صربيا"، و"طيران جيت".
وكان أحد مبررات هذا الاستثمار هو المساعدة في توجيه المزيد من الرحلات عبر أبوظبي، إلا أن شدة الرياح العكسية بعثرت خطط شركات الطيران الإماراتي وضربت بها عرض الحائط.
لم يتوقف تكرار الضربات الموجعة التي تعرضت لها استراتيجية الطيران الإماراتي داخل الدولة فقط؛ بل أحدث صدىً واسعاً في أوروبا؛ إذ أشهرت شركتا "أليطاليا" و"إير برلين" إفلاسهما، بعدما قررت شركة "الاتحاد للطيران" ألا تستثمر في الشركتين المتعثرتين.
- تحالف واندماج
ويعود تلاشي بريق الطيران الإماراتي إلى إضعاف شركات الطيران منخفض التكلفة منافسيها الأكبر على نحو تدريجي، مثل طيران "إنديجو" و"سكوت" للطيران التي تتخذ من سنغافورة مقراً لها، و"آير" النرويجية، التي تنمو بسرعة، حيث عرضت مؤخراً "آير" النرويجية رحلات من أمستردام إلى دبي بأسعار تقل عن أسعار "طيران الإمارات" بأكثر من النصف، الأمر الذي يشكل تحدياً كبيراً أمام شركات الطيران الإماراتية.
وفي ظل الوضع الراهن، يتوجب على الناقلات الإماراتية حالياً وضع خطط لمنافسة الطيران منخفض التكاليف بعد أن كانت تنافس الطيران الأوروبي والأمريكي والآسيوي؛ إذ تعتبر سوق الرحلات الطويلة منخفضة التكلفة هي الأسرع نمواً حالياً بين شركات الطيران العالمية.
وبهذا، تبتعد الشركات الإماراتية تدريجياً عن اللعب مع الكبار أو حتى التفكير في منافستها على المستوى البعيد أو حتى المتوسط مرة أخرى، منها الخطوط الجوية القطرية التي تسير بخطى واثقة نحو الآفاق.
شدة المنافسة الدولية لحجز مسار الرحلات الجوية وضمور شركات الطيران الإماراتية العملاقة، أديا إلى إعادة خطط شركات الطيران الإماراتي بتحالفها مع الشركات المحلية الأخرى، منها بالإضافة إلى "الإماراتية"، شركة "فلاي دبي" للطيران منخفض التكلفة، الذي أُعلن لأول مرة في يوليو الماضي، وتقوم الشركتان بموجب هذا التحالف بالتنسيق بينهما في الجداول والتسويق والمزايا المتبادلة الممنوحة للمسافرين الدائمين. وفي النهاية، تقليل الطاقة والتكاليف بشكل كبير؛ نظراً إلى قربهما.
لكن مثل هذا التحالف أيضاً سيكون محفوفاً بالعراقيل السياسية، وليس التجارية فقط، حسبما يرى محلل مجلة "افياشن ويكلي" سيث كابلن.
وفيما يتعلق بالتعاون مع "طيران الإمارات"، قالت "الاتحاد للطيران" إنها ستبحث أي فرص تبدو عقلانية من الناحية التجارية. إلا أنه حتى إبرام اتفاق محدود على القيام بعمليات شراء أو صيانة مشتركة، سيكون أمراً معقداً، وذلك مع محاولة جميع الأطراف إجراء مفاوضات بشأن المعايير المشتركة وتوزيع حصص الأعمال وحماية قواعد المطارات الكبيرة الخاصة بهما، فضلاً عن تغيير الشركات الإماراتية الثلاث قواعد وعمليات خفض التكاليف وإعادة الهيكلة بالكامل.
- عجز أمام صعود "القطرية"
ومن بين الشركات الخليجية الثلاث؛ "الإماراتية" و"الاتحاد" من جهة، والناقل القطري من جهة أخرى، ما زالت الخطوط الجوية القطرية صامدةً بوجه العاصفة، حيث ارتفع صافي أرباح الشركة عام 2016، بنسبة 22% إلى 1.97 مليار ريال.
كما أن الشركة أقدمت على استثمارات أكثر ذكاء من "الاتحاد"، وزادت حصتها في الشركة الأم للخطوط الجوية البريطانية إلى 20%، واشترت 10% من خطوط "لاتام" في أمريكا الجنوبية، واستحوذت مؤخراً على 9.61% من خطوط "كاثي باسيفيك" الجوية المحدودة، التابعة لحكومة هونغ كونغ، وبلغت قيمة الصفقة 661 مليون دولار، بحسب وكالة "رويترز".
وطالما اشتكت شركات طيران أمريكية من أن نجاح شركات الطيران في الشرق الأوسط، المدعومة بمساعدات حكومية، وتعتبره الدول الغربية والولايات المتحدة انتهاكاً لاتفاقية السماوات المفتوحة التي أتاحت لشركات الطيران الخليجية الوصول إلى أمريكا.
والضغوطات المالية والاقتصادية التي تمر بها شركات الطيران الإماراتية، تضع الناقل القطري أمام فرصة لا يحسد عليها، حيث لا تزال منطقة الخليج تحتفظ بمزايا كبيرة في المدى البعيد؛ لكونها تقع على بُعد نحو 8 ساعات من ثلثي دول العالم، الأمر الذي يبقيها منطقة طيران فعّالة من حيث الوقود والوقت.
يضاف إلى ذلك، رغبة المنطقة في بناء صناعة السياحة وتنويع الاقتصاد بعيداً عن الاعتماد على النفط، وكذلك استمرار دعم شركات الطيران المحلية، وغياب اتحادات العمال المثير للقلاقل وجماعات الضغط التي تشكو من ضوضاء الرحلات الجوية يجعل من منطقة الخليج مكاناً مميزاً جداً لشركات الطيران.