اقتصاد » احصاءات

السعودية تراهن على الخصخصة.. والعجز يهدد "رؤية 2030"

في 2017/12/18

ياسين السليمان - الخليج أونلاين-

تتجه أنظار المسؤولين في السعودية إلى خصخصة شركة أرامكو النفطية، كأكبر مصدر لمواجهة عجز الموازنة؛ بسبب انخفاض أسعار النفط العالمية منذ عام 2014.

فمع تراجع نمو القطاع الاقتصادي غير النفطي إلى الصفر تقريباً، بالتزامن مع إجراءات تقشفية، أثقلت كاهل الاقتصاد بشدة، اقتنعت المملكة بأن الخصخصة هي الرهان الأفضل لإنقاذ "رؤية 2030".

وتريد الحكومة بيع حصة 5% من أصول الشركة المقيَّمة بتريليوني دولار بما قد يدرُّ 100 مليار دولار، لكن الخطوة قد لا تكبح جهود الرياض لسد عجز في الموازنة ناتج عن انخفاض أسعار النفط، وتباطؤ الاقتصاد خلال السنوات الأخيرة، وفقاً لتقرير نشرته وكالة "رويترز" في 19 أكتوبر 2017.

- انعكاسات خطة 2020

في ديسمبر الماضي، أعلنت الرياض خطة لإنهاء العجز بحلول عام 2020، وخفضه إلى نحو 12.3% من الناتج المحلي الإجمالي في 2016، وذلك عن طريق رفع أسعار الطاقة المحلية، وزيادة الضرائب، وفرض مزيد من الإجراءات التقشفية، بالإضافة إلى توفير 450 ألف وظيفة في القطاعات غير الحكومية، وخفض الإنفاق العام بنسبة 40%.

ورغم أن الخطة أسهمت في تهدئة مخاوف المستثمرين بشأن الاستقرار المالي للسعودية، فإن واقع الإحصاءات الرسمية المنشورة خلال الأشهر الماضية يُظهر بوضوحٍ أن أهداف خطة 2020 كان مغرقة في التفاؤل، بحسب خبراء واقتصاديين.

إذ دفعت إجراءات التقشف الاقتصاد إلى الركود في ظل انكماش الناتج المحلي الإجمالي للربع الثاني على التوالي، خلال عام 2017، في الفترة من أبريل إلى يونيو الماضي.

ويهدد التباطؤ الإصلاحات الاقتصادية الطموحة التي أعلنها ولي العهد محمد بن سلمان، الذي يريد من خلالها تعزيز نمو القطاع الخاص وتطوير الصناعات غير النفطية.

ولذا، أرجأت الحكومة اتخاذ المزيد من إجراءات التقشف التي قد تضر بالشركات أو المستهلكين، كما تعيد الرياض النظر في سرعة فرض التقشف لتفادي دفع البطالة للارتفاع، بحسب تقرير صندوق النقد الدولي المنشور في شهر أكتوبر الماضي.

مونيكا مالك، كبيرة الاقتصاديين لدى بنك أبوظبي التجاري، توقعت أن "يستمر العجز فترة طويلة بعد 2020 إذا ظل النفط عند 50 إلى 60 دولاراً للبرميل".

وقالت في تصريحات صحفية: "إن لإجراءات التقشف أثراً تراكمياً على الزخم الاقتصادي، وكل مرحلة تصبح أشد صعوبة"، مشيرة إلى "صعوبة تدبير الحكومة المزيد من الأموال للإنفاق، عندما يكون النمو منخفضاً؛ إذ تحتاج إلى المزيد من الإنفاق لتعزيز النمو".

- الصين "منقذ".. ولكن!

نقلت وكالة "رويترز" عن مصادر سعودية، لم تذكرها، منتصف أكتوبر الماضي، أن الصين عرضت شراء نحو 5% في "أرامكو" مباشرة.

وقالت مجموعة "أوراسيا الاستشارية" إن الرياض ستجد أنه من المغري قبول مثل هذا العرض، قبل إجراء طرح عام وإدراج عالمي لأسهم "أرامكو" قد يحدث أواخر 2018 أو في 2019، معتبرة أن "ضخ السيولة، بشكل فوري، عن طريق طرح خاص، قد يكون أشد إغراء من أن يُقابَل بالرفض".

وعلى أساس تقييم المسؤولين السعوديين لـ"أرامكو" البالغ تريليوني دولار، فإن بيع حصة 5% قد يدرُّ 100 مليار دولار، رغم أن معظم المحللين المستقلين يتوقعون تقييماً أقل بكثير، لكن الحكومة قد تجني رغم ذلك 50 مليار دولار أو أكثر.

ويقول مسؤولون سعوديون إن مبيعات الأصول الحكومية غير النفطية، من المستشفيات والمرافق التعليمية إلى المطارات وخدمة البريد، قد تجلب في نهاية المطاف 200 مليار دولار، لكن العقبات القانونية والبيروقراطية تقف حائلاً أمام عملية بيع تلك الأصول؛ ولهذا ستكون أرامكو "كبش الفداء".

المديرة العالمية لاستراتيجية السلع الأولية لدى "آر بي سي" لأسواق المال، حليمة كروفت، أكدت أنه "فيما عدا زيادة ديونها الأجنبية، وهو تصوُّر غير مريح لمسؤولين سعوديين كثيرين، فليس أمام الرياض خيارات كثيرة لتدبير المزيد من الأموال".

وتضيف كروفت قائلةً في تصريحات لها: "الخيارات المتاحة عدا المزيد من الاقتراض، تشمل إجراءات تقشف إضافية ونهجاً أنشط لرفع أسعار النفط. الخيار الأول غير شعبي لدى شرائح واسعة من السكان، والثاني من الصعب المحافظة عليه؛ بسبب دورة منتجي النفط الأمريكيين القصيرة".

- تجارب سابقة

وعكس تجارب الماضي، فإن عواقب فشل عملية التحول الكبير في السعودية ستكون باهظة، كما أن إمكانية إنقاذ أسعار النفط للاقتصاد "المأزوم" تبدو ضئيلة.

إذ تهدد أزمات المنطقة، منها سوريا والعراق، وتدخل السعودية في حرب اليمن ومحاصرتها دولة قطر، تحقيق التنمية في المملكة وتعرقل عملية التحول، بحسب تقرير لوكالة بلومبيرغ نُشر في 3 أكتوبر 2017.

ونقلت "بلومبيرغ" عن رجل الأعمال السعودي تركي الرشيد، قوله: "منذ عامين من بدء حملة الإصلاح، يواجه المسؤولون السعوديون مسائل شائكة في كيفية توفير الأموال، وتسريع التغيير الاجتماعي دون شل الاقتصاد والاشتباك مع المؤسسة الدينية المحافظة".

واقترضت الحكومة السعودية، في يوليو الماضي، 51 مليار ريال (13.6 مليار دولار)، من السوق المحلية من خلال إصدار صكوك حكومية، تُطرح لأول مرة بالريال السعودي؛ وذلك لتغطية عجز الموازنة.

ورجح تقرير "بلومبيرغ" أن المسؤولين السعوديين الذين يقودون جهود نقل المملكة لعصر ما بعد النفط؛ قد لا يولون اهتماماً كبيراً لأسباب ركود أداء الاقتصاد المحلي ربعين متتالين، ولأول مرة منذ عام 2009.

وأظهرت أحدث البيانات الرسمية السعودية أن الشركات والمستهلكين السعوديين، لا يزالون يكافحون من أجل مواجهة تداعيات سياسات التقشف الحكومية.

فإلى جانب ركود الاقتصاد السعودي، فقد انكمش نمو قطاع البناء والتشييد، في الربع الثاني بنسبة 1.6% بعد انكماش بنسبة 3% في الربع الأول.

- مراجعة رؤية 2030

وفي غضون ذلك، توقعت تقارير اقتصادية، نشرتها صحف ومواقع عالمية، منها موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، مؤخراً، و"فايننشيال تايمز"، فشل "رؤية السعودية 2030"، الهادفة إلى تنويع مصادر الدخل السعودي.

وأشارت التقارير إلى عدد من الأسباب؛ منها صعوبة توقُّف اعتماد المملكة على النفط، فضلاً عن المشاكل التي تواجه بيع الممتلكات الضخمة لتمويل المشاريع الاستثمارية، الأمر الذي دعا الحكومة السعودية، في سبتمبر الماضي، إلى تعديل خطط التحول الوطني ورؤية 2030.

كما تنبأت العديد من التحليلات والتقارير الدولية، بعد إصدار الرؤية، بعدم ملاءمتها لأوضاع المملكة، سواء على مستوى الاقتصاد الوطني أو حتى على مستوى المواطن السعودي.

وأشار إلى ذلك الكاتب البريطاني روبرت فيسك، بمقال له نُشر في أبريل عام 2017، معتبراً أن الرؤية "مغامرة جديدة" للأمير الشاب محمد بن سلمان، لا تقلُّ خطورة عن مغامرته السابقة في اليمن، بحسب تعبيره.

وقال فيسك: إن "الإحصائيات التي تحدثت عن أن الاحتياطي النفطي لدى المملكة 716 مليار برميل أسطورية"، مؤكداً أن "الإصلاحات الاقتصادية التي أعلنها ولي العهد السعودي في الرؤية السعودية، سيُطاح بها جميعاً قبل وقت طويل من الموعد النهائي للرؤية في 2030"، على حد قوله.

ولا توحي التعديلات الجديدة بأن بن سلمان قد تخلى عن فكرة خصخصة شركة "أرامكو"، درة تاج القطاع النفطي السعودي، رغم التحذيرات من خطورة هذه الخطوة بالنسبة للنفوذ النفطي السعودي، وحتى بالنسبة للمواطن العادي الذي اعتاد أسعاراً بخسة للطاقة.

ونقلت "فايننشيال تايمز" عن مستشارين في الحكومة السعودية، قولهم إن هذه الخطوة المفاجئة تُشكِّل اعترافاً، لا لبس فيه، بأن الكثير من الأهداف الواردة بالرؤية "مندفعة بشكل مفرط"، وأنه قد يكون لها تأثير سلبي كبير للغاية على أداء الاقتصاد المحلي والمستهلك.

- تراجع اقتصادي

وفي غضون ذلك، يؤكد خبراء دوليون رصد مؤشرات عديدة حول تراجع الاقتصاد السعودي، منها تراجع نسبة النمو، الذي انخفض بنحو 1.4%، مسجلاً تراجعاً كبيراً مقارنةً بنسبة نمو بلغت 4.1% في 2015، ومنها أيضاً تراجع الاحتياطات الأجنبية.

حيث تراجعت الأصول الاحتياطية الأجنبية السعودية، نهاية العام الماضي، بنسبة 13% إلى 2.011 تريليون ريال (536.4 مليار دولار)، هبوطاً من 2.312 تريليون ريال (616.4 مليار دولار) نهاية 2015، لتفقد 80 مليار دولار خلال العام الماضي، كثاني تراجع سنوي بعد 2015.

كما ارتفع معدل أسعار المستهلك (التضخم أو الغلاء) في السعودية على أساس سنوي بنسبة 2.3% خلال الأشهر القليلة الماضية، نتيجة الارتفاعات التي شهدها التبغ والنقل والسكن والمياه والكهرباء والغاز وأنواع الوقود الأخرى والصحة.

ولعل ما يؤكد تراجع الاقتصاد السعودي، بشكل كبير، تراجع قيمة عقود المشاريع الحكومية، حيث بلغت قيمة عقود المشاريع الحكومية التي تم ترسيتها، نحو 20 مليار دولار مقارنة مع 35.5 مليار دولار في 2015.

كما تُظهر بيانات البنك المركزي أن القروض المصرفية، القائمة على القطاع الخاص في المملكة، قد تراجعت في أغسطس الماضي بنسبة 1% عن مستواها قبل عام، وهو مؤشر على ضعف الاقتصاد.

وفي الوقت الذي يُتَوَقَّع فيه تحسُّن الاقتصاد بفضل إعلان الرؤية الجديدة، تراجع ترتيب المملكة في عدة مؤشرات دولية.

فتنافسية الاستثمارات تراجعت، من المركز الـ18 عام 2013 من أصل 44 دولة، إلى المركز الـ20 في 2014، والـ24 في 2015، والـ25 في 2016، في حين تراجعت في سنةِ عرض رؤية المملكة إلى المركز الـ29، بحسب تقرير الهيئة العامة للاستثمار.

وأبدى البعض دهشته من إلغاء مستثمر من بين كل 8 مستثمرين تراخيصه داخل المملكة، في حين تساءل البعض عما إذا كان السبب يعود إلى البيئة الاستثمارية أم المستثمر نفسه.