اقتصاد » احصاءات

علامات استفهام حول عجز الموازنة السعودية

في 2017/12/21

مصطفى عبد السلام- العربي الجديد-

قدرت الحكومة السعودية، اليوم الثلاثاء، حجم عجز موازنة العام القادم بنحو 52 مليار دولار، وهو تقريبا نفس عجز موازنة العام الجاري 2017.

وهذا الأمر أثار استغراب الكثيرين الذين توقعوا، ليس تحقيق فائض بالموازنة، لكن على الأقل تراجع عجز موازنة العام 2018 خاصة مع المليارات المتدفقة على خزانة الدولة في العام الجديد، سواء من الرسوم والضرائب التي يتم فرضها لأول مرة، أو من الارتفاع الأخير في أسعار النفط والذي دفع به لمستوى تجاوز 60 دولارا للبرميل، أو من حصيلة الأموال الضخمة التي سيتم جمعها من الأمراء ورجال الأعمال الموقوفين على ذمة قضايا فساد والمقدرة بمليارات الدولارات.

وإذا كان عجز الموازنة السعودية الجديدة قد بقي مرتفعاً وعلى ما هو عليه في العام 2017، فإن السؤال هنا "ما الداعي لكل هذه الإجراءات التقشفية العنيفة التي ستفرضها المملكة على المواطن في العام الجديد، والتي ربما تصيب الاقتصاد والشركات في مقتل أو على الأقل بحالة ركود شديدة؟ وما المبرر لهذه الخطوات الصعبة ومنها:

1. رفع أسعار الوقود بنسبة 80% بداية شهر يناير/كانون الثاني القادم، أي بعد أيام، ورفع أسعار وقود الطائرات إلى مستوى الأسعار العالمية مباشرة الشهر المقبل دون أي تدرج، وكذا زيادة أسعار وقود السيارات (البنزين) والديزل والكيروسين وزيت الوقود، علما بأن هذه الزيادة تأتي، كما تقول الحكومة، ضمن خطة تدريجية للوصول بأسعار الوقود بالسوق المحلية إلى مستوى الأسعار العالمية بحلول عام 2023 إلى عام 2025، أي أن المواطن سيتحمل في غضون سنوات التكلفة الفعلية لأسعار المشتقات البترولية على الرغم من أن المملكة هي أكبر منتج للنفط في العالم.

2. زيادة الرسوم على العمالة الوافدة في العام الجديد، مع العلم بأن السعودية طبقت رسوماً على مرافقي العمالة العربية والأجنبية، اعتباراً من مطلع شهر يوليو/تموز الماضي، بمبلغ 100 ريال شهرياً (26.6 دولاراً) عن كل مرافق يرتفع حتى 400 ريال (106.7 دولارات) شهرياً بحلول عام 2020، كما شرعت الحكومة في رفع رسوم تجديد الإقامات التي سترتفع بواقع أربعة أضعاف بحلول 2020، فضلا عن زيادة رسوم الخروج والعودة الآخذة في الارتفاع هي الأخرى، علما بأن هذه الرسوم باتت تمثل موردا مهما للموازنة العامة، إذ إنه من المخطط تحصيل  الحكومة 24 مليار ريال (6.4 مليارات دولار) من رسوم الوافدين في موازنة العام 2018، وفق التقديرات الرسمية، لتزيد إلى 44 مليار ريال (11.7 مليار دولار) في عام 2019، ولتقفز إلى 65 مليار ريال (17.3 مليار دولار) في عام 2020، وهذه المبالغ كان من المتوقع ان تنعكس إيجابا على الموازنة العامة وتقلل من العجز الضخم، لكن لم نر لها أثرا على العجز الثابت.

3-  بدء تحصيل الحكومة مقابلاً ماليّاً على العمالة الوافدة يتراوح بين 300 و400 ريال شهريا (80 إلى 106.7 دولارات)، حسب أعداد العمالة الأجنبية في الشركات السعودية مقابل العمالة الوطنية، اعتباراً من مطلع العام 2018.

4- تعتزم السعودية تطبيق ضريبة القيمة المضافة بداية من شهر يناير/كانون الثاني 2018، وهي ضريبة تُفرض على السلع والخدمات التي يجري بيعها وشراؤها. وتفرض الضريبة في كل مرحلة من مراحل سلسلة الإمداد، ابتداءً من الإنتاج ومروراً بالتوزيع وحتى مرحلة البيع النهائي للسلعة أو الخدمة، وهذه الضريبة سينجم عن تطبيقها ارتفاع في الأسعار.

5- تعتزم الحكومة الاقتراض من المواطنين في العام المقبل عبر طرح صكوك، في خطوة لجمع أكبر قدر من السيولة المالية التي ستوجه لتغطية جزء من عجز الموازنة العامة.

إذن، فلنتخيل حجم العجز في الموازنة السعودية الجديدة لعام 2018 ما لم يتم فرض كل هذه الرسوم والضرائب على المواطنين والوافدين والشركات، حيث تستهدف الحكومة جمع مليارات الدولارات من الوافدين ابتداء من العام المقبل 2018، لتصل إلى نحو 17.3 مليار دولار في 2020.

لنتخيل أيضاً حجم عجز الموازنة الجديدة في حال عدم فرض الحكومة السعودية، ولأول مرة في تاريخها، ضريبة القيمة المضافة على السلع والخدمات والبالغة 5%، وقبلها فرض الضريبة الانتقائية على التبغ ومشتقاته، ومشروبات الطاقة والمشروبات الغازية في يونيو/حزيران الماضي، وذلك لأول مرة كذلك في تاريخ البلاد، علماً بأن الحكومة توقعت أن تبلغ إيرادات الضريبة على السلع الانتقائية ما بين 5 و7 مليارات ريال حتى نهاية العام الجاري، أي خلال ستة أشهر، وهو ما يعني أن حصيلة هذه الضريبة ستبلغ نحو 14 مليار ريال في عام 2018.

كذلك، فلنتخيل موازنة بلا حصيلة الأموال التي سيتم جمعها من قضايا الفساد، والتي قدرها مسؤول في غرفة التجارة والصناعة بالرياض بنحو 800 مليار دولار، وإذا حاولت اللجنة أن تستعيد كل الإيرادات التي أهدرت بسبب الفساد من الرشى إلى مصادرة الأراضي بشكل غير مشروع، علما بأن الأمير متعب بن عبد الله دفع لوحده أكثر من مليار دولار مقابل إطلاق سراحه.

وبالاضافة للايرادات السابقة، يأتي المورد الأهم وهو ايرادات النفط ، حيث تعد المملكة أكبر منتج للنفط في العالم، كما قلت.

السؤال: لماذا كل هذا العجز الكبير في موازنة العام الجديد رغم كل هذه الإيرادات العامة المتدفقة على خزانة الدولة، والحصيلة المتوقعة من بيع الشركات الحكومية وفي مقدمتها 5% من عملاق النفط العالمي، شركة أرامكو؟

هل يكمن السر في التكاليف العالية للحرب المفتوحة في اليمن؟

أم في سداد تكاليف صفقات السلاح التي تم إبرامها مع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في مايو/أيار الماضي؟ أم في الإنفاق على المشروعات الاستثمارية وبرامج الحماية الاجتماعية؟