اقتصاد » احصاءات

الإمارات والقيمة المضافة.. معاناة وتضخم وهروب للشركات

في 2017/12/21

الخليج اونلاين-

لا يزال المواطن الإماراتي ورجال الأعمال والمقيمون والشركات العاملة هناك، تدفع ثمن التحولات الاقتصادية التي تواجه دول الخليج عموماً وأبوظبي خصوصاً، وخطط البحث عن موارد جديدة بعيدة عن النفط، وفرْض مزيد من الضرائب، منها "القيمة المضافة"، على السلع والخدمات والتي أصبحت مصدر إزعاج وتهديد لحياة السكان هناك.

وأقرت الإمارات، مطلع أكتوبر 2017، تطبيق أول ضريبة في تاريخها على سلع انتقائية توصف بأنها ضارة بالصحة، مثل التبغ ومشتقاته ومشروبات الطاقة والغازية والشركات. وقررت تطبيقها بواقع 5% على جميع السلع والخدمات في البلاد، ومن ضمنها خدمات القطاع المالي والمصرفي وقطاع التأمين، عدا التعليم والصحة، اعتباراً من يناير عام 2018؛ وتتوقع الدولة جني من 10 إلى 12 مليار درهم (2.7 و3.2 مليار دولار) عائدات في عامها الأول.

- آثار سلبية وتحديات

توقع خبراء ماليون أن ترفع ضريبة القيمة المضافة مستويات التضخم، وتؤثر سلباً على القوة الاستهلاكية في الدولة، والذي قد يتضح من 12 إلى 18 شهراً من بداية تطبيق الضريبة المقرر 1 يناير 2018، بحسب صحيفة "البيان" الإماراتية.

ومع إقرار الدولة بتحمُّل الشركات الجزء الأكبر من الآثار السلبية للضريبة، حثَّ الخبراء خلال "منتدى دول الخليج لضريبة القيمة المضافة"، الذي أقيم في شهر أغسطس من عام 2016 بدبي، على ضرورة تطبيق الشركات الضريبة في الإمارات بشكل جدّي، والإسراع بوضع خطط تتوافق مع النظام الضريبي الجديد والامتثال له، علماً أن الشركات قد تحتاج إلى 9 أشهر للتوافق مع النظام الجديد، وقد تطول مع ازدياد حجم التعاملات التجارية للشركة.

ويتمثل أحد أهم التحديات التي ستواجه الشركات في الموازنة بين السعر النهائي للسلعة بعد فرض الضريبة من جهة، ومدى تأثر مبيعات تلك الشركات وهوامش أرباحها بالنتيجة من جهة أخرى، بحسب المدير التنفيذي المسؤول للضرائب غير المباشرة في شركة "ديلويت" الشرق الأوسط، جاستين وايتهاوس.

ويؤكد وايتهاوس أن الشركات ستواجه تحدياً كبيراً في آليات تحديد السعر المناسب للقدرة الشرائية للمستهلكين، ولا تستطيع جميع الشركات رفع أسعار سلعها بنسبة 5%، وخصوصاً أن تجاوب المستهلكين في العادة مع رفع الأسعار لا يكون آنياً، ويتزامن ذلك مع ارتفاع التضخم في البلاد.

وفي ظل تلك المعطيات، يقول وايتهاوس لصحيفة "البيان" الاقتصادية: "قد يتجنب المستهلك شراء سلع سعرها مرتفع جداً، مقابل دفع الشركات نسبة 5% للسلطات المالية، وليس أقل".

وتشير تقارير صحفية واقتصادية إلى خروج أكثر من 180 شركة متوسطة وصغيرة من السوق الإماراتية منذ بداية عام 2017؛ بسبب التبعات والخسائر المتوقعة بعد فرض ضريبة القيمة المضافة في الدولة بداية عام 2018.

وأكد وكيل وزارة المالية الإماراتية، يونس حاجي الخوري، أن الشركات الكبيرة لن تتأثر بعد فرض الضريبة، لكن "التأثير المباشر سيكون على الشركات الصغيرة والمتوسطة؛ إذ إنها تحتاج إلى تطوير نظمها المحاسبية والتقنية وفق متطلبات القانون الجديد"، نافياً استثناء أي قطاع منها، حسبما ذكرت صحيفة "الإمارات اليوم" (12 ديسمبر 2017).

- مكاسب بعيدة

ومع إقرار الدولة بالآثار السلبية للضريبة على المديَين المتوسط والقريب، وتضرُّر الحالة المعيشية للسكان والشركات، يقول خبراء إن المكاسب طويلة الأمد التي ستوفرها الضريبة للاقتصادات قد تعوِّض آثارها السلبية قصيرة الأمد، بحسب صحيفة "الاتحاد" الإماراتية، التي دعت المقيمين في الدولة إلى "التعايش" مع الضريبة المقترحة واعتيادها، خصوصاً أنهم يسددون ضرائب بنسب أعلى في أثناء السفر إلى خارج البلاد.

وتسعى الإمارات، من خلال تطبيق الضريبة على جميع الخدمات التي تقدمها الحكومة للسكان باستثناء التعليم والصحة، إلى تعويض خسائر متوقعة بسبب تراجع أسعار النفط، وضخ مزيد من الأموال في خزينة الدولة خلال عام 2018، وتعزيز اقتصادها ومواردها غير النفطية، رغم انعكاسها على تكلفة المعيشة في البلاد.

ويلزم القانون السياح أيضاً بدفع ضريبة القيمة المضافة في نقاط البيع؛ إذ تعتبر الإمارات السياحة أهم مصدر دخل في البلاد.

في المقابل، يقول خالد البستاني، المدير العام للهيئة الاتحادية للضرائب، خلال مؤتمر صحفي عُقد في أبوظبي، 16 أغسطس 2017، بحسب صحيفة "الخليج" الإماراتية، إن وزارة المالية تقر بوجود آثار للضريبة على الجانبين الاقتصادي والاجتماعي في الدولة، لكن النظام الجديد من شأنه أن يعزز موارد الميزانية العامة، ويحفز على الاستثمار، ويعزز ويضبط سلوك الاستهلاك الرشيد والاستهلاك التفاخري، ورفع معدل التضخم كذلك إلى 1.4% على الأقل.

- قطاع التأمين والبنوك يستغيث

جمعية الإمارات للتأمين (مستقلة)، طالبت بعدم تطبيق ضريبة القيمة المضافة بأثر رجعي على وثائق التأمين الصادرة قبل 1 يناير 2018؛ بدعوى أن شركات التأمين لن تستطيع استيفاء قيمة الضريبة المضافة على الوثائق الصادرة في 2017، لا سيما أن هناك الملايين من العملاء لا يمكن الرجوع إليهم لتحصيل فروقات الضريبة، وخاصة فيما يتعلق بتأمين المركبات والتأمين الصحي.

وقالت إن تحميل شركات التأمين هذه الفروقات، في حال تطبيق الضريبة بأثر رجعي، سيكون له آثار سلبية على تلك الشركات وعلى مساهميها وعلى نتائجها المالية. لكن البستاني أنهى الجدل في الموضوع، واعتبر أن الضريبة ستطبق على وثائق التأمين سارية المفعول ومن دون استثناء.

وفي غضون ذلك، دعا عبد العزيز الغرير، رئيس اتحاد مصارف الإمارات، إلى ضرورة تأجيل تطبيق الضريبة على الأقل 6 أشهر بعد إصدار اللائحة التنفيذية. وأشار إلى أن القطاعات الاقتصادية في الدولة، لا سيما المصارف والتأمين، غير مؤهلة للتطبيق حالياً.

لكن الوزارة ردَّت على المطالبات بتأكيد تطبيق ضريبة القيمة المضافة بموعدها المحدد في يناير 2018. وقالت إنه يتعين على قطاعات الأعمال إتمام استعداداتها لتكون قادرة على الوفاء بالتزاماتها الضريبية وتجنُّب الغرامات الإدارية التي تُفرض على مخالفة القوانين الضريبية في الدولة.

- ارتفاع التضخم

أكدت كبيرة المحللين الاقتصاديين في مجموعة "إندوسويس" السويسرية لإدارة الثروات، ماري أوينز ثومسن، أن اعتماد دول الخليج سلسلة سياسات اقتصادية جديدة، مثل تخفيض الدعم عن السلع الأساسية، وفرض الضرائب لمواجهة تراجع الإيرادات النفطية، يؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم.

وقالت إن زيادة معدل التضخم في دول "مجلس التعاون الخليجي"، في حال تطبيق ضريبة القيمة المضافة، تؤدي إلى تزايد الضغوط على الأسعار. ورغم أن معدلات تضخم اقتصادات دول الخليج لا تزال تحت السيطرة، فإن هناك سقفاً زمنياً لاستمرار هذه الحالة؛ إذ إنه كلما طالت مدة بقاء أسعار النفط عند مستويات منخفضة للغاية، ازدادت المخاطر والصعوبات التي تواجه اقتصادات دول المنطقة، بحسب ثومسن.

وتقول "إندوسويس" إن مداخيل حكومات دول الخليج تتعرض لضغوط كبيرة نتيجة انخفاض أسعار النفط، ويزداد إلحاح حاجتها لتعزيز سياسات تنويع مواردها الاقتصادية ومعدلات نمو قطاعاتها الاقتصادية غير النفطية. وبالإضافة إلى هبوط النفط، تواجه دول الخليج مشكلة وقوعها في منطقة ذات مخاطر جيوسياسية كبيرة؛ ومن ثم تحتاج إلى تعزيز جاذبيتها لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة أكثر من غيرها.

- أزمة الرواتب

مقابل فرض ضريبة القيمة المضافة وجني الدولة مبالغ كبيرة للمساهمة في تنويع مواردها، طالب عضو المجلس الوطني الاتحادي حمد أحمد الرحومي، برفع رواتب أصحاب المعاشات، حسب نسب التضخم وزيادات الأسعار التي حدثت خلال السنوات الأخيرة، واحتساب نسب التضخم سنوياً، وربطها بالرواتب، وزيادة المعاشات التقاعدية التي تقل عن 30 ألف درهم.

ورغم إجراء وزارة المالية الإماراتية العديد من الدراسات وورش العمل؛ للحد من التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية لتطبيق ضريبة القيمة المضافة في الدولة منذ عام 2008، قالت إن فرض الضريبة يؤثر على السلع التي لها علاقة مباشرة بالمعيشة، وإن التضخم والأسعار سيرتفعان بنسبة تتراوح بين 1 و2%، مع بدء تطبيق الضريبة.

وأكد وزير الدولة الإماراتي للشؤون المالية، عبيد حميد الطاير، الثلاثاء 19 ديسمبر 2017، أن بلاده لن ترفع رواتب الموظفين لمواجهة التضخم المتوقع عن تطبيق ضريبة القيمة المضافة، مطلع العام القادم؛ إذ إن الميزانية الاتحادية للإمارات عن العام القادم (2018) تم إقرارها، ولن تشهد أية تعديلات في بند الرواتب.

- معدلات الإنفاق

من تطبيق الإمارات ضريبة القيمة المضافة في أول يناير 2018، فإن متوسط إنفاق الأسرة الإماراتية، التي تشمل الإيجارات المقدرة للمساكن المملوكة إضافة الى التحويلات، هو 35.930 درهماً شهرياً، في حين أن متوسط الإنفاق الشهري للفرد الإماراتي بلغ 5.419 دراهم. في المقابل، يبلغ متوسط دخل الفرد الإماراتي 10 آلاف و900 درهم شهرياً.

في حين بلغ المتوسط الشهري لإنفاق الأسرة غير الإماراتية 16.910 دراهم شهرياً، ومتوسط الإنفاق الشهري للفرد غير الإماراتي بلغ 4.747 دراهم، بحسب أرقام مركز دبي للإحصاء لمسح إنفاق ودخل الأسرة.

ومن الطبيعي أن ينعكس تطبيق ضريبة القيمة المُضافة على حجم الإنفاق الاستهلاكي وعادات المستهلكين الشرائية، بحسب ما يذكره المستشار المالي والمصرفي فضل البوعينين، لقناة "العربية"، والذي يؤكد أن تطبيق الضريبة بنسبة 5% في 2018، يعني نظرياً ارتفاع الأسعار بالنسبة نفسها، ما قد يؤثر سلباً على الطلب؛ ومن ثم حجم المبيعات.

كما أن تدني نسبة الضريبة قد لا يجعلها ظاهرة في كثير من السلع الرخيصة، ولكنها ستكون مؤثرة بالنسبة للسلع مرتفعة السعر، ما يجعل علاقة التأثير مختلفة باختلاف سعر المنتَج، بحيث يقل الطلب على السلع مرتفعة السعر وتمضي السلع الرخيصة في مستوياتها الحاليّة.