وكالات-
أثارت الموازنة التي أقرّتها المملكة العربية السعودية للعام 2018، والتي وُصفت بأنها الأضخم في تاريخها، موجة تساؤلات تعلّقت في مجملها بقيمة النفقات والإيرادات العامة التي زادت بشكل كبير عن موازنة العام الجاري.
والثلاثاء 19 ديسمبر 2017، أعلن العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، موازنة موسّعة للعام 2018، بإجمالي نفقات عامة بلغ 978 مليار ريال (260.8 مليار دولار)، مع تسجيل عجز بقيمة 195 مليار ريال (52 مليار دولار).
ووصف العاهل السعودي موازنة العام المقبل بأنها "الأكبر في تاريخ المملكة"، وقال: إنها "تضمن استمرار نموّ الاقتصاد عبر تنويع القاعدة الاقتصادية".
وجاء الإعلان خلال مؤتمر إعلان الموازنة الذي أعقب جلسة الحكومة في الرياض.
وأظهر تقرير الموازنة تحقيق إيرادات في العام 2017، بلغت قيمتها 692 مليار ريال (184.5 مليار دولار)، في الوقت الذي قدّرت فيه وزارة المالية إيرادات البلاد خلال العام المقبل بـ 783 مليار ريال (208.8 مليارات دولار).
وتمثّل الإيرادات المتوقعة للعام المقبل زيادة قدرها 13%، مقارنة بتقديرات العام الجاري، أي ما يعادل 91 مليار ريال (24.27 مليار دولار).
ويشير تقرير الموازنة الجديدة إلى أن الإيرادات غير النفطية المتوقعة تتوزع مصادرها على ضرائب على السلع والخدمات بنسبة 29%، وضرائب على التجارة والمعاملات الدولية نسبتها 8%.
وتشمل الزيادة ضرائب أخرى قيمتها 6%، وضرائب على الدخل والأرباح والمكاسب الرأسمالية نسبتها 5%، إضافة إلى 51% إيرادات من موارد أخرى لم يوضّحها التقرير.
وتأتي توقعات الإيرادات غير النفطية في تقرير الموازنة الجديدة مخالفة تماماً، وبفجوة كبيرة للغاية، لتوقعات خبراء اقتصاد ومؤسسات مالية واقتصادية دولية.
وبحسب تقرير لوكالة "بلومبيرغ" الأمريكية الاقتصادية، فإن نمو الاقتصاد غير النفطي في السعودية لم يتخطَّ أكثر من 0.6%، وهو رقم ضئيل جداً مع خطط الحكومة الطموحة.
واستدلّ التقرير، الذي نُشر في أكتوبر الماضي، على عدم نجاح خطط التحوّل للاقتصاد غير النفطي بانكماش اقتصاد السعودية بمعدل سنوي قدره 1.03%، في الربع الثاني من 2017.
كما أكد التقرير فشل جهود المملكة لتنويع اقتصادها، والابتعاد عن الإيرادات النفطية كمصدر وحيد لتعزيز وضع المالية العامة.
وقال إن الأرقام والبيانات الاقتصادية هذا العام "جاءت مخيّبة لآمال صناع القرار، وإنها ليست متماشية مع خطط السعودية لتنويع الاقتصاد".
وعزا التقرير ضعف نمو الاقتصاد غير النفطي إلى انخفاض الإنفاق الحكومي وانخفاض الطلب الاستهلاكي.
ونقل التقرير ذاته عن الخبير الاقتصادي لدى "بلومبيرغ"، زياد داوُد، قوله: إن "معدل التوسّع في تنويع الاقتصاد غير النفطي في السعودية غير كافٍ لتعويض تأثير انخفاض إنتاج النفط".
أما محمد الحاج، الخبير الاستراتيجي في المجموعة المالية "هيرميس"، فقال: إن "هناك القليل جداً من الإنفاق الرأسمالي في السعودية في الوقت الراهن، وهو ما يعني أن نمو الاقتصاد غير النفطي أمرٌ صعب".
ولكن من زاوية أخرى غير مرئية يمكن العثور على مصدر جديد لتلك الزيادة الكبيرة في حجم الإيرادات السعودية المتوقعة للعام المقبل، فالمملكة تطمح إلى استرداد مبلغ لا يقل عن 100 مليار دولار من اتفاقات التسوية مع المشتبه بهم المحتجزين في حملة مكافحة الفساد من أمراء بارزين ومسؤولين، ومليارديرات.
وكان وزير الخارجية، عادل الجبير، قد قال في تصريحات، الشهر الماضي، إن المملكة تتوقع استرداد نحو 100 مليار دولار من "الأموال المنهوبة التي حرمت الحكومة والشعب السعودي من تحسين المعيشة للمواطن".
وتأتي الموازنة الكبرى للمملكة بعد سابقة لم يشهدها تاريخ السعودية؛ حيث ألقت السلطات، في 4 نوفمبر الماضي، القبض على أكثر من 200 فرد؛ منهم 11 أميراً و4 وزراء حاليين، وعشرات سابقون، ورجال أعمال، بتهم فساد.
ولاحقاً، أطلقت السلطات سراح العديد من هؤلاء بعد تسويات مالية، وهو ما قد يكون أبرز ما رفع الموازنة.
والشهر الماضي، نقلت وكالة بلومبيرغ عن مصادر مطّلعة، أن الأمراء ورجال الأعمال السعوديين الموقوفين على خلفيّة اتهامات بالفساد بدؤوا فعلاً بدفع مبالغ التسوية التي طُلب منهم سدادها مقابل إطلاق سراحهم.
وذكرت أن بعض رجال الأعمال والمسؤولين المحتجزين بفندق "ريتز كارلتون" في الرياض، وقّعوا اتفاقات مع السلطات لنقل أجزاء من ممتلكاتهم وحساباتهم إلى حسابات حكومية تجنّباً للمحاكمة.
ورجّح مصدر سعودي مسؤول أن تتراوح المبالغ المستردّة في تلك الصفقات ما بين خمسين ومئة مليار دولار.
وفي تغريدة له، الأربعاء 20 ديسمبر 2017، كشف الكاتب السعودي، جمال خاشقجي، عن صفقة تسوية ضخمة لإطلاق سراح أمير ورجل أعمال معتقل في فندق "الريتز كارلتون" على خلفيّة تهم متعلّقة بالفساد.
وقال خاشقجي، عبر تويتر: إن "أميراً ورجل أعمال اقترب من إتمام تسوية في الريتز مع الدولة، يدفع بموجبها 6-7 مليارات دولار".
وأشار الكاتب السعودي إلى أن الأمير المعتقل يصرّ على أن تكون التسوية متمثلة في حصة بشركته، إلا أن الدولة ترفض وتريد المبلغ نقداً.
وحول ذلك، قال المختص الاقتصادي محمد الشهري: إن "الموازنة الضخمة التي أقرّتها السعودية للعام 2018 قلّصت العجز المالي بنسبة 15% عن السنة الجارية، ورفعت توقعات إيراداتها المالية بنسبة 11.6%".
وأضاف الشهري لـ "الخليج أونلاين": "هذه الأرقام لم تخرج من فراغ؛ فالمملكة في الفترة الحالية لا تتمتّع بانتعاش اقتصادي، بل تواجه تحديات كبيرة، خاصة في ظل ارتفاع ديونها الداخلية والخارجية، التي وصلت إلى نحو 113.4 مليار دولار".
ولفت الشهري أيضاً إلى "انخفاض الإيرادات النفطية للمملكة، إضافة لهبوط احتياطي النقد الأجنبي لأقل من 500 مليار دولار، علاوة على التكاليف الباهظة التي تفرضها عليها مشاركتها بحرب اليمن".
وتابع: "موازنة السعودية للعام المقبل ارتكزت إلى مصدر مهم وجديد للإيرادات؛ وهو الإصلاحات المالية وحملة مكافحة الفساد، فالمسؤولون في المملكة تحدّثوا خلال الأسابيع الماضية عن توقعات باسترداد 100 مليار دولار من رجال الأعمال والوزراء والأمراء المتهمين بالفساد، وهذا رقم هائل لا يمكن تجاوزه".
وأوضح أن الحكومة السعودية تتوقع بقوة أن تحصل على مبلغ الـ 100 مليار دولار من حملة مكافحة الفساد، خلال الفترة المقبلة، وهذا ما دفعها لإعداد هذه الموازنة التي وُصفت بأنها الكبرى في تاريخ المملكة.
ورأى الشهري أن حجم الإيرادات النفطية وغير النفطية المعتاد لا يمكن أن يحقق إجمالي توقعات الإيرادات (783 مليار ريال) الوارد في موازنة 2018.
وأشار المختص الاقتصادي إلى أن العديد من التقارير الدولية التي سلّطت الضوء على الاقتصاد السعودي، خلال الأسابيع والأشهر الماضية، توقعت انكماشاً في اقتصاد المملكة، وهذا ما لم ينعكس على حجم الإنفاق الكبير في موازنة 2018.
وختم بتأكيد أن "ما سيتم تحصيله من حملة مكافحة الفساد سيكون مصدراً رئيسياً للإنفاق".