ستراتفور- ترجمة- شادي خليفة -
وضعت المملكة العربية السعودية أكبر خطة إنفاق في تاريخ المملكة من حيث القيمة المطلقة عندما نشرت الحكومة ميزانية عام 2018 أواخر ديسمبر/كانون الأول. وبعد عامين من تدابير التقشف وعجز الميزانية عقب انهيار أسعار النفط عام 2014، قد يبدو المبلغ الكبير من النفقات المقررة لهذا العام أمرا غير متوقع. ومع ذلك يتناسب حجم الإنفاق المخطط له مع نقطة التحول الحالية للاقتصاد السعودي، الذي يحتل المرتبة العشرين عالميا من حيث الناتج المحلي الإجمالي، وينسجم مع الخطط التي وضعها ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان» للتحول الاقتصادي طويل الأجل مستقبلا. ولكن الميزانية تقدم أيضا الدعم الحكومي للمواطنين السعوديين، على الرغم من أن فطام المواطنين من اعتمادهم على الدعم يعد هدفا للإصلاح طويل الأجل. وعلاوة على ذلك، تعول الحكومة على مصادر دخل جديدة لم تختبر - بما في ذلك الضرائب الجديدة - لدعم خطة الإنفاق.
استراتيجية مألوفة
وتتبع ميزانية عام 2018 أنماطا مألوفة للتنمية المدعومة من قبل الدولة، والتي كانت سمة النمو الاقتصادي في المملكة منذ الخمسينات. وكما كان الحال في الماضي، ترفع خطة 2018 النفقات الحكومية مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي، حيث يبلغ إجمالي النفقات المتوقعة 978 مليار ريال (261 مليار دولار). ويكشف التوزيع الرئيسي للإنفاق المتوقع عن نمط كان يمكن توقعه أيضا في العقود السابقة. وفي عام 1970، نشرت المملكة لأول مرة خطة تنمية اقتصادية مدتها 5 أعوام، وبدأت في اتخاذ نهج استراتيجي لميزانياتها، وأنفقت أكثر على الاستثمارات في الدفاع والمرافق العامة والتعليم والنقل. وبالمثل، يمثل الإنفاق الدفاعي - الذي يمثل 21% من مجموع النفقات - أكبر شريحة للإنفاق في خطة عام 2018. وبالإضافة إلى ذلك، تزيد المملكة من الإنفاق على البنية التحتية بنسبة 86%، وتعزز المبلغ المخصص للخدمات البلدية. وحتى في خضم الإصلاح الاقتصادي العدواني، تنفق السعودية بشكل هائل.
وتواصل الحكومة في الرياض النظر إلى إنفاقها كجسر ضروري للحفاظ على تحرك الاقتصاد وتحفيز النمو، حتى تتمكن من الاعتماد أكثر على القطاع الخاص. وفي حين قد يكون التوسع في الميزانية مكلفا اليوم، فإن الدولة تعتبره استثمارا منطقيا في تطوير القطاعات غير النفطية، بهدف إزالة العجز في الميزانية بحلول عام 2023. وتعتمد خطة الإنفاق على افتراض أن تبقى أسعار النفط مستقرة بما فيه الكفاية حتى عام 2018، لتمكين الحكومة من تحويل الإيرادات النفطية وغير النفطية إلى صناعات نامية، مثل الصناعات التحويلية والتعدين والسياحة والتمويل والتكنولوجيا. ويشمل هدفها أيضا دعم الشركات المدعومة من الدولة، مثل خدمات البريد والمطارات وشركات المرافق، مع التركيز على الدفع باتجاه الخصخصة ابتداء من العام المقبل.
ويعطي الاستعداد للإنفاق إشارات تفاؤل كبيرة تجاه جهودها الإصلاحية الاقتصادية حتى الآن. وقد تمكنت المملكة من تقليص العجز في ميزانيتها في عام 2017 إلى 230 مليار ريال (8.9% من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2017) من عجز عام 2016 البالغ 297 مليار ريال، الذي مثل 12.8% من الناتج المحلي الإجمالي لذلك العام. وسيمثل العجز المتوقع للعام الجديد 195 مليون ريال، وهو انخفاض آخر. ويساعد تقليص العجز على منح هدف القضاء على عجز الميزانية بحلول عام 2023 مصداقية وواقعية أكبر، على الرغم من أن هذا سيعتمد بالطبع على سعر النفط. وقد ساعدت الزيادات في أسعار النفط على مدى العام الماضي - والاستقرار الذي وفره اتفاق خفض إنتاج الأوبك - في رفع إيرادات النفط السعودية إلى 440 مليار ريال في عام 2017، وهو اتجاه تثق المملكة في أنه سيستمر. وعلى الرغم من أن الهدف من خطة الإصلاح الاقتصادي هو تقليل اعتماد المملكة على صناعة النفط، فإن عائدات النفط ستظل عنصرا رئيسيا في الاقتصاد السعودي لأعوام عديدة قادمة.
الحد من العجز
وبالمثل، تساعد إنجازات عام 2017 - فيما يتعلق بالإيرادات غير النفطية - على جعل أهداف عام 2018 تبدو أكثر واقعية. ومع تحقيق إيرادات بلغت 256 مليار ريال عام 2017، تجاوزت المملكة هدفها من الدخل غير النفطي بنسبة 30% تقريبا. ومن المتوقع أن يستمر النمو في هذا المجال في العام 2018، مع إيرادات غير نفطية متوقعة تبلغ 291 مليار ريال. وحتى لو لم تصل إلى هذا المستوى، فإن النمو المستمر في القطاعات غير النفطية سيكون حاسما بالنسبة للمملكة لتكون قادرة على خفض معدل الإنفاق من احتياطيات النقد الأجنبي. وسيكون الطرح العام الأولي لشركة أرامكو السعودية - المتوقع في وقت لاحق من هذا العام أو في عام 2019 - وسيلة أخرى تأمل المملكة في أن تساعد على زيادة الإيرادات غير النفطية. وتهدف عائدات البيع إلى التعزيز المالي لأحد صناديق الثروة السيادية في البلاد، وهو صندوق الاستثمار العام، مما يمكن الرياض في نهاية المطاف من تحقيق المزيد من العائدات غير النفطية. لكن العوائد الكبيرة على الاستثمارات غير النفطية المنتظرة من الصندوق قد تستغرق أعواما.
وتعد إحدى الطرق الرئيسية التي تأمل في أن تساهم في إنفاقها الكبير، هي الحفاظ على ثقة السكان في الحكومة وتعميقها. وتشمل البرامج التي تعود بالفائدة على المواطنين السعوديين - في عام 2018 - برنامج تحويل نقدي بقيمة 32 مليار ريال، يهدف إلى تعويض تكلفة الضرائب الجديدة للأسر ذات الدخل المنخفض والمتوسط، وزيادة قدرها 169% في الإنفاق على الموارد الاقتصادية والبرامج العامة. وستتواصل المملكة بعناية مع مواطنيها، لأجل التوافق حول إجراءات التقشف التي ستلتزم بها والتي سيتم إلغاؤها أو تعديلها، وهو جانب آخر مألوف من الميزانية السعودية. واستنادا إلى ردود الفعل السابقة، يشعر المسؤولون الحكوميون بالقلق إزاء الاضطرابات الاجتماعية التي قد تنجم عن تخفيض برامج الرعاية الاجتماعية بسرعة كبيرة، على الرغم من تكلفتها الحادة.
والقادة السعوديون حساسون أيضا تجاه تصور الجمهور لأولويات الإنفاق الحكومي، خاصة وأن المبلغ الذي خصصته للدفاع بالمقارنة مع ما تنوي إنفاقه على الاحتياجات المحلية الأخرى - مثل التعليم - يزعج السعوديين. ومن غير المعروف إجمالي فاتورة التدخل العسكري بقيادة السعودية في اليمن، ولكنه جزء من السبب في استمرار المملكة في تحويل ما لا يقل عن خمس إجمالي الإنفاق الحكومي إلى الجيش. وفي الوقت الذي يزداد فيه الصراع اليمني بشكل غير شعبي، تقل احتمالات أن يجد المواطنون السعوديون طرقا لضبط خطط إنفاق حكومتهم.
تدابير جديدة خطرة
ويمثل الاعتماد المتزايد على الإيرادات الضريبية مجالا تتخطى فيه السلطات السعودية معيار الميزانية، مما يعرضها للخطر إذا تحركت بسرعة كبيرة لتحقيق أهدافها. وستسعى الدولة إلى مضاعفة حجم الإيرادات غير النفطية من الضرائب، من 97 مليار ريال اليوم إلى 189 مليار ريال بحلول عام 2020. ومع ذلك، تعد مسألة الضرائب حساسة جدا في المملكة؛ حيث سبق وأن وعدت وزارة المالية بأنه لا ضرائب جديدة خلال ما تبقى من عام 2018 غير تلك التي أعلنت عنها بالفعل. وفي حين أن ضريبة الدخل ليست جزءا من الخطة، فإن ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5%، والضرائب الجديدة المفروضة، تعد سارية المفعول اعتبارا من يناير/كانون الثاني. وينبع نهج الحكومة الدقيق تجاه هذه القضية جزئيا من أن إدخال أي تحولات ضريبية جديدة يؤثر على توقعات المواطنين من حكومتهم، مع السعي لتطبيق مساءلة الحكومة بطريقة لم يكن القادة السعوديون يتعاملون بها من قبل.
وسيأتي مصدر آخر للإيرادات الجديدة غير النفطية من ضريبة جديدة تفرض على الشركات السعودية التي توظف عمال من بلدان أخرى. ويعد تيار هذا الدخل ركيزة لما تعنيه الحكومة السعودية بـ«تعظيم الإيرادات الحكومية». وتأتي الضريبة في صورة ضريبة شهرية على الشركات تزيد سنويا. وسوف تختلف المعدلات التي ستتحملها الشركات تبعا لنسبة العمالة الوافدة إلى السعوديين، وتهدف الضريبة إلى جلب عشرات الملايين من الريالات في العام الأول، وتزداد إلى مئات الملايين في الأعوام المقبلة. وبالإضافة إلى الإيرادات، تمثل الضريبة جهدا لزيادة توظيف السعوديين وتخفيض معدلات البطالة في البلاد، من 12.6% حاليا إلى 10.6% بحلول عام 2020. وتمتد الجهود الرامية إلى مكافحة تدابير التقشف إلى المواطنين السعوديين وليس للمغتربين. ومن الواضح أن الحكومة لا تريد أن تحمل مواطنيها بأعباء مالية كبيرة جدا، رغم أنها ترغب في الضغط على المغتربين مقابل المال، لعلمها أن لديهم نفوذا أقل للمطالبة بأي شيء في المقابل من الحكومة. وقد تؤدي الضريبة الجديدة إلى نتائج عكسية، إذا ما خفضت بسرعة رغبة الشركات السعودية في توظيف الوافدين أو استقطاب المغتربين إلى المملكة. وما لم يمتلك المواطنون السعوديون المهارات الوظيفية ليحلوا محل العمال الأجانب الذين يغادرون الشركات الخاصة، فإن إنتاجية القطاع الخاص قد تنخفض في الشركات التي تكافح من أجل تحقيق التوازن بين نسب العمالة.
وهناك جانب آخر جديد محفوف بالمخاطر في ميزانية هذا العام، وهو تركيزها على الشراكات بين القطاعين العام والخاص. وتهدف المملكة إلى زيادة مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة، من المستويات الحالية التي تبلغ حوالي 40% إلى 65% بحلول عام 2030. ويتطلب هذا تعاونا كبيرا بين مؤسسات القطاع الخاص والحكومة. ومن غير المعروف مدى مشاركة هذه الشركات في خطة الحكومة والثقة بما تقوم به، لكن الحوافز النقدية التي وعدت بها الرياض ستساعد بالتأكيد على إقناعها بالتعاون. بيد أن الحكومة فشلت في إصدار لوائح أو تعليمات أو توجيهات واضحة بشأن الطريقة التي يتوقع من القطاع الخاص أن يستخدم بها النقد. ولم تتناول بالضبط كيف يمكن للمستثمرين الدوليين المشاركة كذلك. وهنا يظهر الخطر في عدم اليقين، لأن شركات القطاع الخاص لا تعرف كيفية المضي قدما، ومن المرجح أن تتعطل خطط الخصخصة فيما تكافح الشركات للتكيف.
وتظهر أرقام الإنفاق المنصوص عليها في ميزانية عام 2018، أنه على الرغم من أن السعودية تحرز تقدما نحو تحويل عبء اقتصادها على القطاع الخاص، إلا أن الدولة لا تزال هي المحرك الأساسي للنمو، وسوف تظل كذلك لفترة طويلة قادمة.