مبارك الفقيه خاص راصد الخليج-
وأخيراً بدأت تباشير الحلم بالتحقّق، وأصبح بإمكان السعوديين وأجيال المستقبل، أن يتفاءلوا بقرب الانتقال إلى عهد التطوّر وزمن الحضارة الجديدة التي بشّر بها ولي العهد محمد بن سلمان، وباكورة هذا الطريق خمسة قصور ستشهد مدينة الحلم "نيوم" بناءها بقيمة 15 مليار ريال فضلاً عن بعض البنى التحتية الأخرى.
ليس هذا الخبر مجرد توقع أو تمنِّ بل هو حقيقة أعلنت عنها مجلة "ميد"، التي تصدرها شركة "ميدل إيست إيكونوميك دايجست" المتخصصة في البيانات الاقتصادية، التي تحدثت عن موقع المدينة الستراتيجي الذي يمتد إلى أراضٍ من المملكة والأردن ومصر، بما يمكنها من أن تلعب دور حلقة الوصل بين أوروبا وأفريقيا وآسيا، ويمكن لـ70% من سكان العالم الوصول إليها خلال 8 ساعات كحد أقصى.
والأهم في الموضوع أن شركاتنا المحلية ستشارك في هذه المشاريع مستفيدة من خبرات الشركات الأجنبية الحليفة، فتتحوّل الصحراء إلى قطعة من الجنة الخضراء تعجّ فيها المؤسسات الاقتصادية والتجارية والمنشآت الرياضية والسياحية والترفيهية، ليشهد مع مطلع شباط / فبراير 2018 بداية إنشاء "نيو سعودية" الموعودة.
ثماني سنوات فقط تفصلنا عن إنجاز الحلم، حيث تشير التوقعات إلى أن الافتتاح الرسمي للمدينة سيكون في عام 2025، والمليارات الـ 500 من الدولارات الأمريكية التي يتطلبها المشروع ستوفرها السعودية بإشراف ابن سلمان، ولن تذهب هذا الأموال سدىً حيث سيدرّ مشروع "نيوم" على المملكة أكثر منها بأضعاف، ولن يعود النفط المحور الأساسي الذي تعتمد عليه السعودية في بناء اقتصادها، فستكون "نيوم" قبلة الاستثمارات الأجنبية من كل أنحاء العالم، ولا يجدر الخوف من إمكانية تأمين هذه المبالغ الطائلة نظراً لاقتصاد المملكة الذي يتراجع يوماً بعد يوم، فها هو القسم الأول من المبلغ قد تأمن من جيوب السارقين من الأمراء والوزراء والمتنفذين الذين كانوا يأكلون لقمة الشعب.
كان ولي العهد واعياً لما كان يحاك في المملكة على مدى عشرات السنوات، وهو يرمق مستقبل البلاد بعين باصرة، فما إن أعلن عن مشروع "نيوم" حتى بادر إلى إطلاق حملة مكافحة الفساد، والنتيجة أسفرت حتى الآن عن توفير ما يقدر بنحو 400 مليار ريال سعودي (106.7 مليار دولار) كان الفاسدون قد نهبوها من أموال الدولة، وهذه الحملة ستستمر حتى تأمين القسم الأكبر من تمويل المشروع الحلم، وسيكون على الأغلب مقسّماً إلى مراحل ممنهجة، وسيطال كل من سوّلت له نفسه مد يده إلى ثروات البلاد، ولن يقف عند الأمراء والوزراء والمتنفذين، بل إن أي صاحب مشروع مهما كبر أو صغر سيكون عرضة للمساءلة والاعتقال، فإن جرائم الفساد لا تقل أهمية عن جرائم الإرهاب والإتجار بالبشر والمخدرات وغسل الأموال.
انتهت المرحلة الأساسية من حملة قمع الفساد باسترجاع مال الدولة، وما عدنا نحتاج إلى مدة أطول من الاعتقال بعدما أقر الفاسدون بجرائمهم وتم تسوية الوضع معهم، وستستكمل مع من هم الآن قيد الاعتقال وستليها مرحلة ثانية تطال أموال ما يسمون أنفسهم الدعاة واصحاب المشاريع ورجال الأعمال، فلا أحد من أصحاب الثروات في المملكة سيفلت من المحاسبة، حتى يستتب قانون مساواة الغني بالفقير، والأهم في هذا المجال هو بناء المستقبل وليس تكديس الأموال أو تهريبها إلى الخارج.
إن الأولى أن نستقطب الخارج إلينا بدل توريد أموالنا إليه، وهذا ما سيحققه مشروع نيوم الذي تتسابق إليه شركات الاستثمارات في العالم، وليس الكلام عن نية ولي العهد بيع السعودية للدول الكبرى سوى ذر للرماد في العيون، والتهويل من تحويل السعودية إلى ضواحي بؤس تحيط بجنة "نيوم" هو محط افتراء ومغاير للواقع، فستبقى مكة والمدينة مقصد الحجاج، وستبقى جدة والرياض من مدن المملكة الأساسية، وعلى الرغم من أن "نيوم" ستصبح قبل المملكة إلا أن أبوابها ستكون مفتوحة أمام الجميع، وللسعودي الذي يؤمن بدعم ثروة بلده الحق أيضاً في دخولها ليضع ماله فيها ويستثمره، أما من سيكون عالة علينا فلا حاجة لنا به، لأنه سيكون كهؤلاء الفاسدين الذين يعيشون كطفيليين لا منفعة منهم ولا داعٍ.