سي إن بي سي- ترجمة زياد محمد -
بدت اتفاقية إنتاج النفط التي أبرمتها السعودية مع روسيا انتهازية في البداية، لكنها الآن أساس لعلاقة أوسع لديها القدرة على الحد من نفوذ الولايات المتحدة المنحسر بالفعل في الشرق الأوسط.
يشير الخبراء إلى أن روسيا لديها علاقات مع العديد من القوى في الشرق الأوسط، وهي الوحيدة التي لديها القدرة على التعامل مع الجميع، بما في ذلك (إسرائيل) وإيران وسوريا وحتى حماس وحزب الله، أما على الناحية الأخرى فإن الولايات المتحدة على خلاف مع سوريا كما تزداد علاقاتها الباردة مع إيران.
ومن المفارقات أن الولايات المتحدة، كانت هي التي دفعت روسيا والسعودية للتقارب في المقام الأول ، مع الارتفاع المفاجئ لقطاع النفط الأمريكي الذي ينتج الآن كميات مرتفعة بشكل قياسي، لم نشهدها منذ عام 1970.
«بوتين» يستغل الفرصة
ومع انخفاض الإنتاج السعودي، فإن إنتاج الولايات المتحدة ما يزال ينمو ويقدر بـ10 مليون برميل في اليوم، متخطيا السعودية، وتكاد تلحق بالمنتجة الأولى في العالم، روسيا.
وحتى مع هذه الزيادة، ما تزال الولايات المتحدة معتمدة على حوالي 8 مليون برميل في اليوم من الواردات التي يأتي بعضها من السعودية.
وقالت «حليمة كروفت»، التي تشغل منصب الرئيس العالمي لاستراتيجية السلع الأساسية في شركة «آر بي سي لأسواق رأس المال» أنها تعتقد أن هذا كان ذكاء من «بوتين»، فقد كان هناك إمكانية فورية لأن يتم هذا عبر الإنتاج الأمريكي، لكنه فهم أن الفرصة موجودة لروسيا كي تقوم بدور مع أوبك، واستغل ذلك لتوسيع النفوذ الإقليمي لروسيا.
أما «آنجيلا ستنت» التي تعمل في جامعة جورجتاون، فقالت إن السعودية تعتقد أن روسيا قد تساعدها بشأن إيران – التي تخاف أن تطور أسلحة نووية – والتي تقف على الجانب الآخر من حرب السعودية بالوكالة في اليمن.
وأضافت «آنجيلا»: «أعتقد أن السعوديين يشاركون في هذا لأسباب جيوسياسية، وعلى الرغم من أن ترامب ذهب للسعودية ومن المفترض أن علاقتهما عظيمة، إلا إن السعوديين ينظرون حولهم ويدركون أن روسيا تقوم بالعمل الذي لا تقوم به الولايات المتحدة في الشرق الأوسط».
روسيا تملأ الفراغ
وقالت «حليمة كروفت» إن الولايات المتحدة تركت فراغا مع سياساتها المتغيرة في الشرق الأوسط، فقد شرحت قائلة: «أعتقد أن سياستنا بخصوص إيران وما حدث في سوريا، لم تعطهم الانطباع بأن أمريكا يمكن الاعتماد عليها، كما أن لديك الروس الذين أبدوا استعداداً أكبر للتعامل معهم».
وأضافت أنها تعتقد أن علاقة روسيا والسعودية بدأت تصبح «أثخن من النفط» وفق تعبيرها، فبالنسبة للسعوديين تعتقد «كروفت»، أنهم يحاولون أن يظهروا لروسيا أنهم يمكن أن يكونوا صديقاً أفضل في الشرق الأوسط من إيران.
وفي الوقت نفسه، تشهد العلاقات الروسية السعودية تقدما، في ظل تقارير تفيد بقيام شركة أرامكو التي تمتلكها السعودية، باستثمارات في مشروع الغاز الطبيعي المسال في القطب الشمالي الروسي، كما يتوقع أن يستثمر صندوق الاستثمار الروسي في الاكتتاب العام لشركة أرامكو السعودية.
وقال «جون سفاكياناكيس»، مدير الأبحاث الاقتصادية في مركز الخليج للأبحاث، إنه يعتقد «أن هذا تحالف استراتيجي، عندما يتعلق الأمر بالطاقة لكنه قد يمتد إلى أمور أخرى، فقد تناقشوا في المسائل العسكرية السابقة وشراء السلع العسكرية، كما تحدثوا عن الاستثمار في روسيا. هذه أكثر من علاقة طاقة محضة، إنها علاقة استراتيجية سياسية بدأت كإصلاح في الطاقة».
من المتوقع أن يجري الاتفاق بين أوبيك وروسيا والمنتجين الآخرين عام 2019، ولكن قد تجري مناقشته في يونيو/حزيران المقبل عند اجتماع أوبك، وقال الوزير السعودي «خالد الفالح»، إن الصفقة سيتم مراجعتها العام المقبل لإجراء أي تغييرات محتملة، لكن الشركات الروسية تتوق لزيادة الإنتاج.
وقال «سفاكياناكيس»: «هذه التسوية يجب أن تتم، ويجب أن تبقى لفترة بعض الوقت حتى تبقى أسعار النفط في نطاق الستين دولارا لبعض الوقت، هذا يناسب الجميع، خاصة الدول المنتجة، وسعر الستين أفضل من نطاق الثلاثين الذي كان لدينا منذ سنتين، هذا يساعد الجميع، إنها تبقي ميزان المدفوعات في حالة جيدة، وسوف تكون هذه التسوية لبقية العام وبعدها سنرى ما الذي سيفعلونه».
لحظة استراتيجية للسعودية
تأتي هذه الاتفاقية في لحظة استراتيجية للسعودية، التي تحاول تحويل نفسها إلى دولة ذات اقتصاد أكثر تنوعا، وإذا أصبح سعر النفط أقوى فهذا يساعدها.
ويقود ولي العهد السعودي «محمد بن سلمان» بلاده حاليا نحو ما يسمى بـ«رؤية 2030» وهي حركة إصلاحية تهدف لتحديث السعودية وتطوير فرص عمل جديدة في صناعات مثل التكنولوجيا والترفيه والسياحة وبيع أسهم في أرامكو السعودية في الاكتتاب العام هو حجر الزاوية في هذه الاستراتيجية، كما أنه سيتيح للصندوق السعودي السيادي تنويع ممتلكات المملكة.
يُذكر أن علاقات الولايات المتحدة بروسيا قد تراجعت إلى منحدر جديد، مع تحقيقات المدعي الخاص الذي يدعي أن الروس تدخلوا في عملية الانتخابات الأمريكية، كما أن روسيا ما تزال تحت العقوبات بسبب توغلها في أوكرانيا، ولم تكن العلاقات منحدرة لهذا الحد منذ أن وصل غورباتشوف إلى السلطة.
وفي الوقت ذاته، كانت السعودية حليفة قديمة للولايات المتحدة وما تزال مقرّبة، ومن المقرر أن يزور «محمد بن سلمان» – الذي يتوقع أن يصبح الملك بعد أبيه – الولايات المتحدة في وقت لاحق هذا الشهر.
وقالت «آنجيلا»، مشيرة إلى الرحلة التي تزامنت مع الإعلان عن صفقة أسلحة كبيرة، إن «أول رحلة خارجية لترامب كانت إلى السعودية، وأشار ذلك إلى علاقة قوية مع السعودية، يتعلق معظمها بالمال».
وتعتقد «ستينت» أن الولايات المتحدة إذا كانت تريد أن تصبح لاعبا أقوى في المنطقة، فعليها أن تتحدث مع إيران.
وأضافت أنها ترى أن السعودية تحوّط رهاناتها حاليا، وسوف يُختبر ذلك عندما يرون ما إن كانت روسيا ستنجح بكبح إيران أم لا، لكن، ما هي النقطة التي سيقررون فيها إن هذا غير ممكن؟ الإسرائيليون متخوفون بشأن إنشاء الإيرانيين لقواعد جوية عسكرية في سوريا، لكن السعودية أكثر تخوفا.