بلومبيرغ- ترجمة زياد محمد -
إذا كنت تبحث عن علامات تضخم، فما يحدث في السعودية الآن من رفع أهداف أسعار النفط، هو أوضح مثال على ذلك.
فبعد أقل من أسبوع من إعلان «بلومبيرغ نيوز» أن مسؤولين سعوديين يضغطون لكي يرفعوا أسعار النفط إلى 80 دولاراً للبرميل، يتكلم البعض الآن عن سعر 100 دولار. وهذا مجرد كلام بالطبع، عادة ما يتم صياغته في إطار تشجيع الاستقرار والاستثمار وغيره.
ويبدو أن السعودية ليست في عجلة من أمرها لإلغاء تخفيضات إمدادات النفط من أوبك، على الرغم من أن وفرة مخزونات النفط العالمية، قد استنزفت إلى حد كبير.
إغراء رفع السعر
لكن المخزونات هي مجرد بديل عمّا يهم الدول النفطية حقاً: الإيرادات. وفوق هذا، فإن الرياض لديها برنامج إصلاح طموح تريد تمويله (إلى جانب حرب اليمن)، بالإضافة إلى الاكتتاب العام الذي تريد إنجازه، لشركة النفط الوطنية السعودية أرامكو.
والحقيقة أن ارتفاع الأسعار سيحقق ذلك في بعض النواحي، فارتفاع الأسعار يعني مزيدا من الأرباح المسبقة حتى عند بيع براميل أقل، على سبيل المثال، تضاعفت إيرادات الشركة بين النصف الأول من عام 2016 والنصف الأول من عام 2017، وفقاً لملخص البيانات المالية لشركة أرامكو.
واﻧﺧﻔض إﻧﺗﺎج اﻟﻧﻔط اﻟﺧﺎم ﻓﻲ اﻟﺳﻌودﯾﺔ ﺑﻧﺳﺑﺔ 3.5%، ﻟﮐن ﻣﺗوﺳط أﺳﻌﺎر نفط خام برنت قفزت ﺑﻧﺳﺑﺔ 28%، وذﻟك ﺟزﺋﯾا ﺑﺳﺑب ﺧﻔض اﻟﻌرض اﻟذي أﻋﻟن ﻓﻲ أواﺧر 2016.
هذا بدوره ينبغي أن يعزز تقييم أرامكو، ويقدّر موقع «بلومبيرغ» أن الشركة قد تبلغ قيمتها أكثر من 1.5 تريليون دولار إذا افترضنا سعرًا للنفط قدره 100 دولارًا للبرميل. ورغم أن هذا لا يساوي رقم الـ 2 تريليون دولارًا التي تقول السعودية إنها تريدها، لكنه يقترب منه.
ولكن، من هنا تبدأ المشكلة.
إن افتراض سعر النفط البالغ 100 دولار في هذا التقييم هو افتراض طويل الأجل، وإذا أطلقت اكتتاب عام أولي رئيسي للنفط وسط سعر للبرميل من ثلاثة أرقام، فإن بعض المستثمرين قد يبنون قراراتهم المالية في ظروف عدم اليقين. لكن التقييم الجدي سيشمل أخذ نظرة على الأسعار ليس فقط اليوم، بل سنوات في المستقبل، لا سيما وهذه الشركة النفطية العملاقة تستند إلى ستة عقود من الاحتياطيات المؤكدة.
حقائق قاسية
يشير التاريخ الحديث إلى أن سعر 100 دولار لبرميل النفط لا يدوم كثيرا، وحتى الآن، بلغ متوسط سعر نفط خام برنت حوالي 100 دولار، لخمس سنوات فقط، في 2008 وأربع أعوام أخرى قبل أن ينحدر ثمنه حاليا.
ووضعت قفزة في عام 2008 ختم الركود في الاقتصاد الأمريكي وسرعت انحدارا في استهلاك البنزين المحلي، كان قد بدأ العام السابق.
وفي هذه الأثناء، فإن النوبة الثانية من الأسعار المكونة من ثلاثة أرقام، والتي نتجت جزئياً عن اضطراب الربيع العربي، غذت الطفرة في إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة التي كانت شرارة الانهيار اللاحق.
فكِّر فيما استغرقه الأمر للوصول إلى مستوى اليوم الذي يبلغ 70 دولارًا تقريبًا، فقد اضطرت السعودية إلى التودد إلى روسيا (التي تحالفت حاليًا مع إيران؛ العدو اللدود للرياض في سوريا)، ويبدو أن الاتفاق النووي الإيراني ينتظر تنفيذ حكم الإعدام ؛ كما أدى الانهيار الاقتصادي إلى قيام فنزويلا «بشكل لا إرادي» بتخفيض مزيد من الإمدادات عمّا وافقت على تخفيضه.
في هذه الأثناء، أثار نفط الـ70 دولارا انتعاشا في الإمدادات من خارج أوبك، وخاصة إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة، وسيزيد سعر النفط ثلاثي الأرقام من هذه الأخيرة من هذه الطفرة، مما قد يرفع التكلفة طويلة الأمد التي تدفعها ادول البترولية من حيث الحصة السوقية.
تهديد بعيد الأمد
الجانب الآخر من المعادلة هو الطلب، وقوي حالياً بفضل النمو الاقتصادي وأسعار الطاقة المنخفضة في السنوات الأخيرة.
الآن فكر فيما قد يعنيه 100 دولار للنفط بالنسبة لهذا، مع العلم بأن الطلب على البنزين في الولايات المتحدة لم يستعد أخيراً ذروته التي كانت موجودة في 2007 ، إلا في أواخر عام 2016، بفضل انخفاض الأسعار.
وأصبح الطلب على البنزين ثابتا في الغالب منذ خريف 2016، بعد أن زادت الأسعار ثانية.
ومن شأن أسعار النفط والغازولين في هذه البيئة أن توفر ربحًا سريعًا على المدى القصير، لكن في النهاية سيحد هذا من الطلب (ليس فقط في الولايات المتحدة) - وعلى عكس ما حدث منذ عقد من الزمان - تواجه محركات الاحتراق الداخلي تهديدًا تنافسيًا مقنعاً وموسّعًا من السيارات الكهربائية والهجينة.
وبقدر ما هو مغري أن تسعى السعودية إلى تحقيق المزيد من المكاسب، فإنها تخاطر بتكرار أخطاء الماضي، مما يقوّض الطلب ويعني التخلي عن حصة السوق للمنافسين.
ربما تكون لعنة الدول البترولية أنه حتى عندما يتحدثون بلغة الاستقرار والتخطيط طويل الأجل، فإن الشهوات الفورية تكون هي الأولوية على الإطلاق.