أحمد شوقي- خاص راصد الخليج-
المقاربة الثابتة للاستبداد والاستكبار على مر التاريخ، هي النظر تحت الأقدام وممارسة كل ما من شأنه الانتفاع الوقتي، دون النظر لما سيترتب عليه الفعل من عواقب على المدى المتوسط والقصير.
ولأن الاستكبار يعتمد على لغة القوة والغلبة فقط، فإن تبدلات موازين القوى وكذلك تفاعلات الأوضاع الناشئة عنه وتراكماتها وتطوراتها، تغيب عن فكر المستبد والمستكبر والذي لا يتميز بحكمة أو بعد نظر.
وكمثال ومصداق لذلك، يمكن النظر لممارسات المملكة السعودية النفطية وتلاعبها بأسعار النفط وخدمة المشروع الاستعماري، دون النظر لعواقب سياساتها على مصالحها الخاصة، ناهيك عن مصالح الشعوب والتداعيات الانسانية لهذه السياسات.
تقول التقارير الاقتصادية الدولية أن السعودية تريد أن تجعل أسعار النفط تقترب من 80 دولارا للبرميل لدفع أجور الحكومة السياسية المزدحمة ودعم تقييم عملاق الطاقة الحكومي أرامكو قبل طرح عام أولي.
وفي المحادثات مع مندوبي أوبك والمشاركين في سوق النفط ، كان المسؤولون السعوديون حريصين على تجنب تحديد هدف السعر المحدد. لكن الناس الذين تحدثوا إليهم قالوا إن النتيجة التي لا مفر منها من المحادثات كانت أن الرياض تهدف إلى 80 دولارًا.
وفي مقابلة مع مجلة التايم منذ أسابيع قليلة ، أدلى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بأول بيان عام يربط توقعه بارتفاع أسعار النفط مع توقيت الطرح العام الأولي لأرامكو السعودية .
وقال للمجلة في اشارة الى الاكتتاب العام "نعتقد أن أسعار النفط ستزيد في هذا العام وتزيد أيضا في 2019 لذا فنحن نحاول اختيار الوقت المناسب، وقال:" الرياض ، التي استهدفت في البداية النصف الثاني من عام 2018 للإدراج ، تهدف الآن للسنة المقبلة.
كما أدلى وزير النفط السعودي خالد الفالح بتصريح اكثر علانية وصراحة، مشيرا إلى أن أوبك يجب أن تستمر في تشديد سوق النفط حتى من خلال الاتحاد يقترب من تحقيق هدفه في خفض مخزونات الخام في الدول الصناعية إلى متوسطها خمس سنوات.
وفي مقابلة أجريت معه في نيويورك في بدايات العام الجاري، قال إن سعر اليوم بالقرب من 70 دولار للبرميل لم يكن كافيا لتحفيز الاستثمار في الصناعة، والذي لا يزال أقل بكثير من المستويات التي شهدناها قبل انهيار أسعار 2014.
ويقول محللو بلومبيرج:
(إن أسعار النفط والبنزين في هذه البيئة من شأنها أن توفر ربحًا سريعًا على المدى القصير ، لكن في نهاية المطاف ستحد من الطلب، ومن المغري أن تسعى المملكة العربية السعودية إلى تحقيق المزيد من المكاسب ، ولكنها تخاطر بتكرار أخطاء الماضي ، مما يقوض الطلب ويتخلى عن حصة السوق في المنافسين. ربما يكون لعنة الدول البترولية أنه حتى عندما يتحدثون بلغة الاستقرار والتخطيط طويل الأجل ، فإن الشهوات الفورية هي الأولوية على الإطلاق.).
ونشرت الفاينانشال تايمز تقريرا، جاء به تحليل كتبه أندي كريتشلو يرى فيه أن رغبة المملكة العربية السعودية في أن تصل أسعار النفط إلى 100 دولار للبرميل تثير خطر حدوث مضاربة في الأسواق العالمية.
ويقول الكاتب إن السعودية تحتاج إلى مثل هذا السعر المرتفع لتغطية نفقات اصلاحاتها الاقتصادية والحرب التي تخوضها في اليمن، بيد أن "استراتيجيتها تلك تجلب أخطارا كبيرة على الأسواق التي تجهزها".
في تشرين الثاني من عام 2006، كتب نوّاف عبيد أحد المستشارين الأمنيين، والمرتبط بالأمير تركي الفيصل، والذي شغل بعدها منصب السفير السعودي في واشنطن، افتتاحية في واشنطن بوست، مشيراً فيها إلى أنه :" فيما لو أرادت المملكة العربية السعودية رفع إنتاج النفط، وخفض الأسعار إلى النصف..فإن هذا سيتسبب بالإحباط لإيران، وستحدّ من مقدرة إيران على إنفاق هذه العائدات لتمويل (الميليشيات الشيعية) في العراق وأمكنة أخرى سنوياٍ":
وفي أوج الأزمة الاقتصادية العالمية ، تصرّف السعوديون على طريقتهم: قاموا بإغراق الأسواق، وفي ظرف ستة أشهر، انهارت أسعار النفط، من الرقم القياسي المسجّل وهو 147 دولار أمريكي للبرميل، إلى 33 دولار أمريكي للبرميل، ولاحت بوادر فيضان جديد تظهر للعيان، في بدايات شهر حزيران عام 2011، حين قال الأمير تركي في حديث موجّه لجمهوره المؤلف من مجموعة من كبار الشخصيات الأمريكية والبريطانية الرسمية السابقة، في واحدة من القواعد العسكرية لحلف الناتو، محذّراً فيه إيران من انتهاز فرصة الاضطرابات الإقليمية، الناجمة عن الربيع العربي، حيث أشارت صحيفة الغارديان إلى مضمون هذا الخطاب، من خلال القول بأنه من الممكن استنزاف الاقتصاد الإيراني، من خلال "تخفيض عائداتها من النفط، وهي مسألة يستطيع السعوديون إدارتها بكفاءة".
فهم السعوديون أيضاً، أن أفضل توقيت لتحطيم أسواق النفط، حين تكون الأسعار سريعة التأثر، وتكون متطلبات الزبون هي تخفيض الأسعار.
ويقول المراقبون أن انخفاض وانهيار اسعار النفط في العقد الماضي كان بسبب السياسات السعودية ولدوافع سياسية، و أن آمال الرياض الحقيقية تركزت في أنّ زيادة حجم الإنتاج، سترغم حكومة روحاني على السير في إجراءات ميزانية تقشفية، والتي ستؤدّي بشكلٍ أساسي إلى قلقلة الوضع الاجتماعي، وتدفع بالناس من جديد إلى التظاهر في الشوارع. فيما لو حدث ذلك، صحيح أنها قد لا تؤدي إلى حدث بحجم ضياع السلطة من يد الشاه، ولكنها ستعزز ثقة السعوديين بالنفط، كسلاح فعّال في معركة الهيمنة على الشرق الأوسط. وبدوره سيستكمل "إغراق السوق بالنفط" دوره المتكرّر، والأكثر خطورة، في كلا الاتجاهين..أسواق النفط، وسياسات المنطقة.
والان وبعد أن تأثر الاقتصاد السعودي الريعي بهذه الأسعار، وبعد لجوءه لبيع درة التاج "ارامكو"، يعود للتلاعب ويرفع اسعار النفط كي تزداد قيمة اسهم ارامكو، دون النظر لتداعيات ذلك على الاسواق العالمية، وعلى اقتصاده مستقبلا بعد بيع ارامكو!
انه ابتلاء المال الذي فشلت فيه السعودية والتي على اعتاب الخروج من نعيمها النفطي وانهيار اقتصادها الريعي وما سيعقب ذلك من تداعيات اجتماعية، نرجو الا تكون شاملة لكل شعوب الخليج والتييجب ان تستفيق وترفض هذه القيادة السعودية التي لا تعي ما تفعل وتسير لحتفها بخطى ثابتة!