اقتصاد » احصاءات

لماذا ستفشل رؤية 2030 السعودية؟

في 2018/07/07

الخليج أونلاين-

بعد عامين من إطلاق ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، رؤية 2030 الخاصة بتحديث اقتصاد المملكة وإيقاف اعتماده على النفط كموردٍ رئيسي، تتزاحم المؤشرات التي تقود بجميع احتمالاتها إلى فشل تطبيق الرؤية، واتجاه أقوى اقتصاد عربي مدمنٍ على العائدات النفطية نحو السقوط التدريجي.

وتتعلّق هذه المؤشرات بالواقع السيئ الذي يعيشه الاقتصاد السعودي بكافة أركانه؛ بسبب الفجوة الواسعة بين سياسات ولي العهد الاقتصادية وبين ما ورد في رؤيته، التي طالما وصفتها تقارير اقتصادية دولية بأنها "غير واقعية ولا تتماشى مع القدرات الاقتصادية والبيئة الاجتماعية للمملكة"، وحذّرت من تداعيات الفشل في تطبيقها.

وفي أبريل 2016، أعلن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عن رؤية 2030، كتعبير عن طموح قوي لإعادة هيكلة الاقتصاد السعودي وإخراجه من الاعتماد شبه الكلي على مداخيل قطاع النفط خلال مدة زمنية تبلغ 15 عاماً.

- مؤشرات سلبية

وقبل استعراض التوقّعات والتحليلات الدولية التي تتحدّث عن فشل رؤية 2030، لا بد من رصد معمّق لواقع وحقيقة مؤشرات الاقتصاد السعودي.

فمن خلال الرصد يتبيَّن أن الاقتصاد الأقوى عربياً يواجه تحدّيات قاسية؛ بدأت بتراجع أسعار النفط عالمياً منذ العام 2014، والتكلفة الباهظة التي فرضتها مشاركة الرياض في التحالف الدولي ضد تنظيم "داعش"، علاوة على قيادتها للحرب ضد مليشيا الحوثيين في اليمن، المتّهمة بتلقّي دعم من إيران.

وإضافة للتكلفة المالية للحروب والعمليات العسكرية فإن الصواريخ الباليستية التي يطلقها عناصر الحوثي باتجاه أراضي المملكة، خاصة العاصمة الرياض، تسبّبت بتراجع تدفّق الاستثمارات الأجنبية وبهروب المستثمرين من البلاد.

عاملا انخفاض أسعار النفط والحروب، إضافة لسياسات ولي العهد الجديد، أوصلت مؤشّرات اقتصاد المملكة إلى نقطة ما قبل السقوط.

وفي العام الماضي، حقّق الاقتصاد السعودي نمواً يقترب من الصفر؛ عند 0.2%، بحسب بيانات البنك الدولي، الذي توقّع في تقرير حديث له تحسّناً متواضعاً لاقتصاد المملكة، نهاية العام الجاري، عند 1.7%.

وسيكون هذا النموّ مدعوماً بزيادة إنتاج البلاد من النفط وارتفاع أسعاره، ولن يكون هناك أي زيادة حقيقية في عائدات الاقتصاد غير النفطي.

وبحسب تقرير لوكالة "بلومبيرغ" الأمريكية الاقتصادية، فإن نموّ الاقتصاد غير النفطي في السعودية لم يتخطَّ أكثر من 0.6%، وهو رقم ضئيل جداً بالنسبة إلى خطط الحكومة الطموحة.

ذلك التدهور الاقتصادي تسبّبت به عدة أزمات؛ يتصدّرها الدين العام، فهو يرتفع سنوياً بشكل متسارع، وقد كشفت أرقام الموازنة العامة للسعودية للعام 2018، أن قيمة الدين العام للبلاد وصلت مع نهاية العام 2017 إلى 438 مليار ريال (116.8 مليار دولار)، مقابل 316 مليار ريال (84.4 مليار دولار) بنهاية العام 2016.

ويُشكّل الدين السعودي نحو 17.3% من الناتج المحلي للبلاد في 2017، في حين كان 13.1% بـ2016، و1.6% في 2014.

يأتي ذلك في حين أن الدين العام لم يتجاوز نحو 11.8 مليار دولار في نهاية 2014، وفق بيانات سابقة لوزارة المالية السعودية.

وتوقّعت وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني، في تقريرٍ لها بمايو الماضي، استمرار ارتفاع مستويات الدين العام بالسعودية من مستوياته البالغة 17.3% في 2017، لكنها قالت إنه سيبقى دون الـ30% من الناتج المحلي للبلاد، خلال السنوات الخمس المقبلة.

وإضافة إلى الدين فإن عجز الموازنات السعودية بات طقساً سنوياً منذ العام 2014؛ بسبب تراجع إيرادات النفط.

وقد سجّلت المملكة عجزاً في موازنتها العامة في 2014 قُدّر بـ14.40 مليار دولار،  وفي 2015 بلغ العجز 89 مليار دولار، وتبعه عجز في 2016 بقيمة 79.2 ملياراً، قبل أن ينخفض في 2017 لنحو 61.33 ملياراً، و52 مليار دولار في 2018، وفق بيانات الموازنات العامة المنشورة على موقع وزارة المالية السعودية.

وضمن سلسلة من الأزمات، شهدت احتياطيات السعودية من النقد الأجنبي تراجعاً حادّاً، في فبراير 2018، بلغت قيمته 27.2 مليار ريال (ما يعادل 7.25 مليارات دولار). ويعدّ هذا التراجع هو الأكبر  الذي شهده الاحتياطي السعودي في الأشهر الأخيرة.

وبحسب الأرقام الصادرة عن مؤسّسة النقد العربي السعودي، انخفضت موجودات المؤسّسة، خلال فبراير الماضي، لتصل إلى نحو 1877.2 مليار ريال (ما يعادل 500.58 مليار دولار)، بانخفاض 27.2 مليار ريال، مقارنة بشهر يناير الماضي.

ومنذ العام 2014 فقد احتياطي النقد الأجنبي السعودي نحو 36% من قيمته، حيث كان يبلغ 737 مليار دولار، قبل أن ينخفض إلى 500.58 مليار دولار، في فبراير الماضي.

وساهم انهيار أسعار النفط وزيادة الإنفاق العسكري والأمني في المملكة بسبب الحرب اليمنية، وعجز الموازنة العامة، في الضغط على الاحتياطي النقدي ولجوء الحكومة للسحب منه لتغطية زيادة نفقاتها العامة.

وإضافة إلى السحب من الاحتياطي النقدي لتغطية عجز الإنفاق عملت الحكومة السعودية منذ بداية العام الجاري على رفع أسعار الوقود وفرض ضرائب جديدة ساهمت في مزيد من الانتكاس بالأوضاع الاقتصادية للمواطنين.

وفي الأول من يناير الماضي، قرّرت السلطات السعودية رفع أسعار البنزين بنسب تراوحت بين 82 و126%.

وبالتزامن مع رفع أسعار الوقود بدأت المملكة، مطلع يناير الماضي، تطبيق ضريبة القيمة المضافة بواقع 5% على مجموعة كبيرة من السلع والخدمات.

وسبق ذلك إقرار الحكومة، في أبريل من عام 2017، ضريبة بنسبة 2.5% على الأراضي التجارية والسكنية التي لم يتم تطويرها بعد.

البطالة أيضاً أحد أهم المؤشرات التي قد تُنذر بفشل رؤية 2030، التي تعهّدت بخفض نسبة البطالة إلى 7% في العام 2030.

وأظهر تقرير نشرته هيئة الإحصاء العامة في السعودية، في نوفمبر الماضي، ارتفاع العاطلين عن العمل بنسبة 19%.

- توقعات دولية بالفشل

واستناداً إلى هذه المؤشرات توقّع العديد من التقارير الصادرة عن مؤسّسات اقتصادية دولية فشل السعودية في تطبيق رؤية 2030.

أبرز هذه التوقّعات كانت في تقرير نشره موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، قال فيه: إن "رؤية السعودية 2030 التي تهدف إلى تنويع مصادر الدخل السعودي ستفشل".

وأضاف: إن "اقتصاد السعودية أحاديّ المصدر منذ اكتشاف النفط عام 1938، وقد أدخلت الحكومات المتعاقبة 10 خطط إنمائية على الاقتصاد، أوّلها عام 1970 وآخرها عام 2015، جميعها حملت هدفاً استراتيجياً واحداً؛ وهو تحقيق اقتصاد متنوّع لا يعتمد كلياً على النفط".

وتابع: "لقد فشلت الخطط التسع الأولى فشلاً ذريعاً في تحقيق هذا الهدف؛ إذ لم تتمكّن السعودية من إحراز أي تقدّم واضح يتعلّق بالبنية التحتيّة الصناعية التي لم تتجاوز وجود بعض مصانع البلاستيك والبتروكيماويات والأغذية الأساسية".

وبحسب رؤية 2030، من المفترض أن تحقّق الحكومة هدفها من خلال بيع الأصول العامة وإعادة استثمار الأموال، وزيادة الإيرادات من خلال قنوات جديدة بخلاف النفط، ولكن هذا ليس صحيحاً؛ بحسب الموقع البريطاني، لأن قيمة تلك الأصول لا تزال مستمدّة من الاقتصاد الذي يعتمد على عائدات البترول.

وأرجع الموقع سبب توقّعه فشل رؤية 2030 إلى أن "الحكومة السعودية تفتقر لمقوّمات القيادة في عصر ما بعد النفط؛ بسبب اعتمادها على المال السهل والسريع من مبيعات البترول".

وذكر أن "الاستثمار الحقيقي الذي لا يعتمد على النفط يحتاج إلى وقتٍ لكسب المال، والسعودية لديها سجلّ حافل بعدم الانضباط في مجال الاستثمار، ففي أوقات ازدهار الأسعار تستثمر الرياض فوائضها النقدية، وعند انهيار الأسعار تسارع بتصفية أصولها".

وفي تقرير آخر لوكالة "بلومبيرغ" الاقتصادية الأمريكية، جاء فيه أن "الرؤية القائمة على تنوّع الاقتصاد السعودي لا تزال بعيدةً عن التجاوب؛ بفعل تباطؤ نمو الاقتصاد غير النفطي في المملكة".

وأضافت: إن "جهود الرياض لتنويع اقتصادها والابتعاد عن الإيرادات النفطية كمصدر وحيد لتعزيز وضع المالية العامة فشلت حتى الآن".

ورأت الوكالة أن "التغيير الذي يقوم به ولي العهد السعودي لن يتماشى مع القدرات الاقتصادية والبيئة الاجتماعية في المملكة".

وأكّدت أن رغبات بن سلمان وطموحاته في شتى المجالات لإحداث تغيير في السعودية "لا يمكن أن تنجح".

ولفت التقرير إلى أن الخطط الاقتصادية، وعلى رأسها رؤية 2030، وإعلان إنشاء مدينة نيوم النموذجية، ستصطدم بلا شكّ بواقع معقّد تراكمت معالمه على مدار السنوات الماضية، لا يمكن من خلاله تنفيذ هذه الطموحات.

ويرى التقرير أن غياب التوازن والدقة في إطلاق السعودية للمشاريع العملاقة سيؤدّي إلى فشل هذه المشاريع. ووصفت بلومبيرغ "رؤية 2030" بأنها كانت مثل "الصبي الطموح".

تقرير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد)، الصادر في 7 يونيو الماضي، كان أحدث التقارير التي أشارت بوضوح إلى أن واقع الاقتصاد السعودي لا يمكن أن يتوافق مع متطلبات تنفيذ رؤية 2030.

وأوضح التقرير أن الاستثمار الأجنبي المباشر في المملكة قُدّر في 2017 بـ1.4 مليار دولار، انخفاضاً من 7.5 مليار دولار عام 2016، ومن 12.2 مليار دولار في عام 2012.

وفي تعليقه على هذه البيانات قال الكاتب الاقتصادي في مجلة "فوربس"، دومينيك دادلي: إنها "ستكون مقلقة لصانعي السياسة في الرياض، إذ إن ولي العهد محمد بن سلمان، قد جعل من مسألة اجتذاب المستثمرين الأجانب أحد عناصر خطته الطموحة للإصلاح الاقتصادي".

وأضاف دادلي: إن "كل أفكار بن سلمان؛ من إنشاء مدن جديدة، وفتح أسواق للسياحة والترفيه، وتخفيف قيود الملكية الأجنبية للشركات المدرجة بالبورصة السعودية، تعتمد على إقناع المستثمرين الأجانب بجلب أموالهم إلى المملكة، لكن النزعة الاستبدادية للنظام السعودي قوَّضت ثقة المستثمرين الحاليين والمحتملين".