معهد الشرق الأوسط-
يعد إنتاج الطاقة وصادراتها هما شريان الحياة لجميع الدول العربية في الخليج، ورغم أن الأزمة الحالية بين قطر من جهة والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر من جهة أخرى لم يكن لها تأثير كبير على اقتصاد النفط والغاز، سواء على الصعيد الدولي أو داخل المنطقة، فإن لدى الدول المعنية الكثير لتكسبه من حل الصراع، خاصة إذا أدى ذلك إلى تكامل أكبر في سوق الطاقة.
وتعد قطر أكبر منتج ومصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم. كما أنها تصدر حصة كبيرة، نحو 750 ألف برميل في اليوم، من سوائل الغاز الطبيعي ذات القيمة العالية، مثل البروبان والبيوتان، فضلا عن كمية صغيرة (600 ألف برميل في اليوم) من النفط الخام. وعلى النقيض من ذلك، لا تنتج المملكة العربية السعودية أي غاز طبيعي مسال، بل تصدر نحو 9.07 مليون برميل في اليوم من النفط الخام والمنتجات النفطية المكررة وسوائل الغاز الطبيعي.
ولأن الإنتاج والصادرات في البلدين مختلفان إلى حد كبير، فإن قطر والسعودية لا تتنافسان في الأسواق ذاتها؛ وكانت روابط تجارة الطاقة لدول الخليج تدور دائما بين المنتجين الخليجيين وبين المستوردين في آسيا وأوروبا والأمريكتين، ولا يوجد تبادل للنفط والغاز بين قطر والسعودية أو البحرين. وبالتالي، فإن التوترات السياسية بين هذه الدول كان لها تأثير محدود على سياسات الطاقة الخاصة بها.
ولدى الإمارات وقطر من جانبهما علاقات طاقة طويلة الأمد. وقد قاما ببناء وامتلاك وتشغيل خط أنابيب مشترك للغاز الطبيعي يسمى مشروع «دولفين» للغاز، ينقل نحو 2 مليار قدم مكعبة يوميا من الغاز الطبيعي المسال، من حقل «الشمال» في قطر، إلى دولة الإمارات، للتوزيع في الإمارات وعمان. ولم تؤثر أزمة مجلس التعاون الخليجي على مبيعات الغاز هذه، والتي لا تزال ذات أهمية لكل من دولة الإمارات وقطر.
ويبدو فيما يتعلق بإنتاج الطاقة وصادراتها، فإن قطر لم تتأثر على الإطلاق بالحظر المفروض من جيرانها العرب. ويتم نقل الصادرات الخليجية من الغاز والنفط عن طريق السفن، والممرات البحرية من وإلى قطر مفتوحة باستمرار. ويمكن لدولة قطر أن تكون واثقة من أن هذه المسارات لن تغلق أبدا مع الحظر. وفي الواقع، إذا قرر السعوديون أو الإماراتيون منع الممرات إلى الموانئ القطرية، فإن المشترين الآسيويين والأوروبيين للغاز والنفط القطريين سيعارضون ذلك بشدة، وبالتالي قد يقاطعون المنتجات السعودية. وعلاوة على ذلك، يمكن الاعتماد على الولايات المتحدة للحفاظ على حق الملاحة للمنتجات القطرية، تماما كما ستبقي البحرية الأمريكية مضيق هرمز مفتوحا في حالة التدخل الإيراني. ومن غير المرجح أن تختبر السعودية والإمارات هذه الفرضية.
سياسات الغاز
وعلى الرغم من أن التوترات الحالية لم تؤثر على إنتاج الطاقة أو الصادرات في المنطقة، فإن تخفيف حدة التوتر يمكن أن يفيد كلا من طرفي الأزمة. وتعد البحرين والكويت والإمارات في حاجة ماسة للغاز الطبيعي. وتقوم البحرين الآن ببناء محطة استقبال للغاز الطبيعي المسال، ولدى الكويت ودبي بالفعل محطة لكل منهما. ومن السخف تماما أن تقوم هذه الدول باستيراد الغاز الطبيعي المسال، الذي يكلف الكثير لإنتاجه ونقله وإعادة تدويره، بينما يمكن الحصول على الغاز الرخيص مباشرة من خطوط الأنابيب القصيرة من قطر.
وتنفق السعودية، التي تحتاج إلى المزيد من الغاز لتغذية التوسع الاقتصادي لديها، مبالغ كبيرة لزيادة الإنتاج من التشكيلات الغازية الضيقة، بينما يمكنها الحصول على غاز أرخص بكثير على بعد بضعة كيلومترات، ويمكن لدولة الإمارات توسيع خط أنابيب «دولفين» وتوفير الغاز منخفض التكلفة لجميع الإمارات، بدلا من استثمار عشرات المليارات في مصانع الغاز الطبيعي المسال الجديدة.
ويمكن للكويت أيضا الاستفادة بشكل كبير من ارتباط الغاز الطبيعي المسال مع قطر. وحاولت الكويت الحصول على تمويل لخط أنابيب قطر الكويت في أوائل العقد الأول من القرن الجاري، لكن خط الأنابيب قد تم إيقافه من قبل السعودية، التي كانت تخشى بالفعل نفوذ قطر على المنطقة. ولدى الكويت القليل جدا من الغاز، وليس من المرجح أن تحصل على كميات كبيرة من إيران أو العراق، التي لديها الغاز ولكن ليس لديها القدرة على تصديره بكميات كبيرة إلى الكويت. ويمكن تخفيف حدة التوتر بإعادة النظر في نزاع خط أنابيب قطر الكويت مع السعودية.
وقد أصبحت مصر، في مرحلة ما مصدرا صافيا للغاز الطبيعي المسال، لكنها أصبحت في الأعوام الخمسة الماضية مستوردا صافيا له. ومع ذلك، تقوم شركة النفط والغاز الإيطالية «إيني» الآن بتطوير حقل غاز «ظهر» في المياه المصرية شمال الأسكندرية، ومن المقرر أن توقف مصر جميع واردات الغاز الطبيعي، على الرغم من أنه لن يوفر سوى القليل من الصادرات، ولا تؤثر أزمة قطر على احتياجات الطاقة في مصر، لكن الدوحة يمكن أن تتحول إلى مورد محتمل للغاز إلى مصر حال تم حل القضايا السياسية العالقة بين البلدين.