ذا إيكونوميست- ترجمة شادي خليفة-
تدير شركة «موانئ دبي العالمية»، وهي واحدة من أكبر الشركات البحرية في العالم، من مكتبها الذي يطل على ميناء «جبل علي» الصاخب في دبي، العمليات الآن في 40 دولة، معظمها في مراكز الشحن المزدحمة مثل لندن وروتردام.
وفي تسعينات القرن الماضي، وبالتحديد قبل 20 عاما، بدأت الشركة في ضخ استثمارات ضخمة بشكل مفاجئ في القرن الأفريقي، فيما بدا، آنذاك، قرارا غير عقلاني.
إذ بنت ميناء كبيرا في جيبوتي، وتعمل الآن على ميناء آخر في أرض الصومال.
ويعد الناتج المحلي الإجمالي للكيانين الأفريقيين (جيبوتي وأرض الصومال) أصغر من الناتج المحلي لـ«مولدوفا» (دولة أوروبية صغيرة)، ومع ذلك ترى الشركة في المنطقة أرضا للفرص.
وكذلك يفعل حكام الإمارات، التي تمتلك إحدى إماراتها، وهي دبي، حصة أغلبية في «موانئ دبي العالمية».
وهي واحدة من عدة دول خليجية تحاول الحصول على موطئ قدم استراتيجي في شرق أفريقيا عبر السيطرة على الموانئ، من خلال عرض المزايا التجارية والعسكرية، وما يصاحب ذلك من المخاطر التي تؤدي إلى تفاقم التوترات في المنطقة.
ويجادل المديرون التنفيذيون في «موانئ دبي العالمية» بأن أفريقيا بحاجة إلى المزيد من الموانئ، خاصة في القرن الأفريقي؛ حيث الصراع الخانق على التجارة.
وفقدت إثيوبيا، وهي دولة مكتظة بالسكان وسريعة النمو، سواحلها، عندما انفصلت عنها إريتريا عام 1991.
ويعتمد سكانها البالغ عددهم 105 ملايين نسمة على جيبوتي، حيث تسهل 95% من تجارتها.
أما في الداخل البعيد، فإن دولا مثل جنوب السودان وأوغندا ورواندا تكافح للوصول إلى الأسواق.
وتعتقد «موانئ دبي العالمية» أن المنطقة من السودان إلى الصومال تحتاج إلى ما بين 10 إلى 12 ميناءً. ولديها الآن فقط نصف ذلك العدد. وحسب أحد المسؤولين في الشركة الإماراتية، تفتقر منطقة القرن الأفريقي بأكملها إلى الموانئ.
وكانت أول مغامرة للشركة على ساحل جيبوتي.
وعندما فازت «موانئ دبي العالمية» بأول مناقصة لها في التسعينيات، كان الإماراتيون من بين المستثمرين القلائل المهتمين بالمستعمرة الفرنسية السابقة الصغيرة والفقيرة.
وقامت «موانئ دبي العالمية» ببناء وتشغيل محطة حاويات جديدة، وهي «دوراليه»، وساعدت في تمويل الطرق والبنى التحتية الأخرى.
وتعتبر «دوراليه» الآن أكبر جهة توظيف في البلاد، وأكبر مصدر للعائدات في الحكومة.
وهي تعمل بكامل طاقتها تقريبا؛ حيث تتعامل مع 800 ألف حاوية سنويا. ويسافر جزء كبير من حمولتها على طول سكة حديد صينية الصنع من أديس أبابا، عاصمة إثيوبيا.
وتعززت صورة جيبوتي بعد الهجمات الإرهابية على أمريكا في 11 سبتمبر/أيلول 2001، عندما فتحت أمريكا قاعدة عسكرية لها هناك.
ولدى فرنسا والصين قواعد بحرية أخرى هناك تقوم بدوريات قبالة سواحلها لردع القراصنة الصوماليين.
لكن عندما أراد الإماراتيون فتح قاعدة بحرية خاصة بهم، تم رفض ذلك، ويرجع ذلك جزئيا إلى علاقاتهم الوثيقة مع منافس جيبوتي، إريتريا؛ حيث هناك صراع بين الدولتين ونزاع دموي على الحدود منذ 2008.
وفي عام 2015، بدأت الإمارات بناء قاعدة بحرية في «عصب»، جنوب إريتريا.
واستخدمت القاعدة في الحرب التي قادتها السعودية ضد المتمردين الحوثيين في اليمن.
وكانت نقطة انطلاق للهجوم البري على «الحديدة»، الميناء الرئيسي لليمن، الذي بات الآن محورا لقتال عنيف.
كما ساعدت الإمارات في التوسط في اتفاق إريتريا للسلام مع إثيوبيا، الذي تم توقيعه في 9 يوليو/تموز الجاري، منهيا عقودا من الحرب الساخنة والباردة.
وإذا تم التمسك بهذا الاتفاق، يمكن أن يفتح ذلك الباب أمام إنهاء عقوبات الأمم المتحدة على إريتريا وفتح أبواب الاستثمارات أمام تلك الدولة، ويمكن التوسع في ميناء «عصب» وبناء ميناء آخر في «مصوع».
وفي عام 2016، فازت «موانئ دبي العالمية» بامتياز مدته 30 عاما لتشغيل ميناء «بربرة» في أرض الصومال، التي أعلنت استقلالها عام 1991، على الرغم من عدم اعتراف أي حكومة أجنبية بذلك.
وقال منتقدون إن الاتفاق سيعجل بتفكك الصومال، وكانت جيبوتي مستاءة لأسباب مختلفة.
فبطاقة استيعابية تبلغ 1.25 مليون حاوية، فإن «بربرة» سينهي احتكار جيبوتي للبضائع الإثيوبية.
وفي الواقع، حصلت إثيوبيا على حصة 19% في الميناء في وقت سابق من هذا العام، وكل هذا قد يكلف جيبوتي مئات الملايين من رسوم النقل السنوية.
غزو إماراتي
لكن ذلك كله سيعزز مكانة الإمارات في منطقة استراتيجية.
فهي تنفرد بشكل فريد بين الدول العربية في محاولتها إبراز القوة العسكرية خارج حدودها.
وتقع جميع الموانئ في القرن الأفريقي بالقرب من مضيق باب المندب، وهو نقطة اختناق حيوية عند مصب البحر الأحمر، مر بها 4.8 ملايين برميل نفط يوميا في عام 2016.
لكن المنافسة أصبحت أكثر شراسة؛ حيث تقوم قطر وحليفتها، تركيا، ببناء موانئ في السودان.
وتجري السعودية محادثات لإنشاء قاعدة بحرية في جيبوتي، وتحاول جميع دول الخليج الثلاث اقتناص الأراضي الزراعية في شرق أفريقيا، كجزء من جهد أوسع نطاقا لتأمين الإمدادات الغذائية لبلدانهم القاحلة.
ويمكن للموانئ الإماراتية أن تقوم في يوم من الأيام بتصدير المحاصيل من المزارع المملوكة للإماراتيين.
ومع دخول دول الخليج على الخط، فإنها تجلب صراعاتها الخاصة إلى منطقة مضطربة في الأساس.
وساعدت قطر على إنهاء الاشتباكات بين جيبوتي وإريتريا، وظلت قوات حفظ السلام هناك لمدة تقرب من العقد.
ثم جاء إعلان انسحاب قواتها من هناك عام 2017، عندما فرضت أربع دول عربية، بما فيها الإمارات، حظرا على قطر؛ حيث انحازت كل من جيبوتي وإريتريا إلى جانب الدول المحاصرة.
وسحبت قطر قواتها، وسرعان ما استولت إريتريا على الأراضي المتنازع عليها من جيبوتي.
وقد تجد دول الخليج نفسها في منافسة مع الصين.
وتأمل الإمارات أن تكون جزءا من مبادرة «حزام واحد طريق واحد» الصينية، وهي خطة لاستثمار مئات المليارات من الدولارات في البنية التحتية مثل الطرق والموانئ.
ويعد «جبل علي» الميناء الأكثر ازدحاما في آسيا، ويعمل بالفعل كمركز للتجارة مع أفريقيا، لكن الصين قد لا ترغب في وسيط.
وفي عام 2014، حاولت جيبوتي طرد «موانئ دبي العالمية». واتهمت الشركة بدفع رشاوى لتأمين امتياز «دوراليه».
وفي فبراير/شباط، أسقطت جيبوتي التفاصيل القانونية، واستولت على الميناء.
وتقول الحكومة إن «موانئ دبي العالمية» فشلت في توسيع الميناء بالسرعة الموعودة، ويعتقد البعض أن للصين دخل في هذا الأمر.
وفي يوليو/تموز الجاري، افتتحت جيبوتي المرحلة الأولى من منطقة تجارة حرة جديدة بقيمة 3.5 مليارات دولار، والتي من المقرر أن تكون الأكبر في أفريقيا عندما تنتهي.
وقد بنيت في الغالب من قبل الشركات الصينية المملوكة للدولة، وتقع بجانب «دوراليه».
وتقول «موانئ دبي العالمية» إن المشروع ينتهك شروط العقد وتهدد برفع دعوى دولية.
ومن المفارقات أن الإمارات هي التي ساعدت على وضع جيبوتي على الخريطة، والآن، قد تجد نفسها مطرودة خارجها.