عبدالحافظ الصاوي-
يشير الوضع المالي لمملكة البحرين إلى استمرار أزمتها المالية لسنوات قادمة في ضوء أسعار النفط الحالية، وتظهر بيانات وزارة المالية أن سعر التعادل لميزانية 2018 يستلزم وصول سعر برميل النفط إلى 118 دولار، وهو رقم خيالي مقارنة بالأسعار الحالية التي تقدر بنحو 77 دولار لخام برنت ونحو 74 للخام الامريكي.
وتأجلت آمال وأحلام رفع أسعار النفط في السوق الدولية بعد أن دخلت الحرب التجارية حيز التنفيذ بفرض رسوم جمركية متبادلة بين أمريكا والصين مؤخراً، وكذلك بين أمريكا وبعض الدول الأخرى، ما يعني أن الطلب على النفط سوف يتراجع إلى حد ما، وهو ما يساعد على عدم ارتفاع أسعار النفط، إن لم يكن سبباً في انخفاضها.
كما أن سلوك السعودية من خلال إعلانها بأنها ستعوض السوق العالمي بما ينقص من المعروض النفطي نتيجة العقوبات الاقتصادية على إيران، سيساعد كذلك على استقرار أسعار النفط على ما هي عليه حالياً. وفي ظل سيناريو بقاء أسعار النفط على ما هي عليه حالياً أو تعرضها للانخفاض، فإن آمال البحرين المتعلقة بإمكانية الاستفادة من الاحتياطيات المحتملة من اكتشافاتها الخاصة بالنفط والغاز الصخريين، سوف تتبخر، بسبب عدم جدوها اقتصادياً، حيث يستلزم هذا النوع من الآبار تكاليف عالية، قد لا تسمح بها أسعار الطاقة الحالية بالسوق الدولية.
وكان لارتفاع معدلات الدين العام للبحرين دلالاته على تقويمات وضعها المالي، فحسب بيانات وزارة المالية البحرينية، فإن الدين العام وصل نهاية 2018 إلى 10.5 مليار دينار بحريني ما يعادل 27.9 مليار دولار- مقارنة بنحو 14.2 مليار دولار في عام 2014، وهو ما يعني أن الدين العام للبحرين تضاعف تقريباً نتيجة أزمة انهيار أسعار النفط في السوق العالمية.
ويمثل الدين العام في البحرين بنهاية 2017، نسبة 80.3% من الناتج المحلي الإجمالي البالغ 35.3 مليار دولار، وخطورة الدين العام في البحرين عن هذه النسبة، نابع من هشاشة باقي المؤشرات الاقتصادية والمالية، وبخاصة أن الدين العام أتى في معظمه لسد العجز بالميزانية خلال السنوات الماضية. ولا يبشر الأداء الاقتصادي للبحرين بوقف الاتجاه التصاعدي للدين العام، وهو ما يعني استمرار تدهور الوضع المالي، وقد تدخل البحرين في إجراءات اقتصادية ذات طابع تقشفي، خلال الفترة القادمة، عملًا بنصيحة خبراء صندوق النقد الدولي.
ووفق بيانات الحساب الختامي لعام 2017، المنشور على موقع وزارة المالية بالبحرين، نجد أن الإيردات العامة تقدر بنحو 2.2 مليار دينار 5.8 مليار دولار، تمثل الإيرادات النفطية منها 1.6 مليار دينار، وبما يعادل 75%. في حين كانت الإيرادات النفطية تمثل 88% في عام 2013 من إجمالي الإيرادات العامة. ولا يرجع انخفاض مساهمة الإيرادات النفطية في الإيرادات العامة لتحسن الإيرادات غير النفطية، ولكن يرجع لانخفاض أسعار النفط في السوق الدولية.
وعلى جانب المصروفات نجد أنها بلغت كذلك بالحساب الختامي لعام 2017 نحو 3.18 مليار دينار-8.4 مليار دولار وبذلك بلغ العجز خلال هذا العام نحو 3.5 مليار دولار، وهو ما يعادل نسبة 10% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي للبحرين، والمقدر بنحو 35.3 مليار دولار. ولذلك تلجأ البحرين لسد الفجوة التمويلية عبر الاستدانة محلياً وخارجياً. وبالاطلاع على هيكل المصروفات وجد أن أكبر بند هو ما يخص الأجور والمرتبات حيث بلغ في عام 2017 نحو 1.4 مليار دينار، وبما يمثل 44.6%. وهي نسبة لا تختلف من حيث تضخمها عن باقي الأداء في الميزانيات الخليجية.
خلل هيكلي
الاقتصاد البحريني شأنه شأن باقي اقتصاديات دول الخليج، وإن كان أقلهم حظاً في حصة إنتاج وتصدير النفط. وبالتالي، اعتماد اقتصاد البحرين قائم على النفط بشكل رئيس، وحسب بيانات ميزان المدفوعات لعام 2017، نجد أن الميزان الجاري حقق عجزًا بنحو 601 مليون دينار، بعد أن كان يحقق فائضاً بنحو 572 مليون دينار في 2014.
وعلى صعيد الصادرات السلعية، فقد تراجعت قيمتها في 2017 إلى 5.7 مليار دينار، مقارنة بنحو 8.8 مليار دينار في 2014، كما أن الواردات تراجعت لطبيعة النشاط الاقتصادي السلبي، فوصلت إلى 6 مليارات دينار، بعد أن كانت 7.4 مليار دينار في 2014.
أما ما يتعلق باحتياطيات النقد الأجنبي فقد تراجعت في مايو 2018 إلى 1.7 مليار دولار، بعد أن كانت بحدود 6.2 مليار دولار في 2014، وهو ما يعني أن الموارد الدولارية للبحرين غير كافية لتعاملاته الخارجية، وإن كانت بيانات ميزان المدفوعات تشير إلى أداء إيجابي لقطاع الخدمات، حيث حقق فائضاً بنحو 1.3 مليار دينار في نهاية 2017، وكان لقطاعي السياحة والتأمين النصيب الأكبر في تحقيق هذا الفائض، فحقق قطاع السياحة 695 مليون دينار، وقطاع التأمين 453 مليون دينار.
ولا تظهر بيانات ميزان المدفوعات، أو هيكل الناتج المحلي الإجمالي وجود إنشطة إنتاجية حقيقية يمكن أن يعتمد عليها اقتصاد البحرين، كما تغيب مساهمة التكنولوجيا، أو وجود قيمة مضافة ملموسة في قطاع الخدمات.
انقاذ خليجي غير كاف
مع إعلان مؤسسات التأمين رفع تكلفة التأمين على سندات البحرين الدولية، تراجعت قيمة الدينار أمام الدولار، وذلك بسبب السياسة التوسعية للبحرين في الاستدانة، واضطرابات الوضع المالي، ولكن إعلان دول خليجية (السعودية، والإمارات، والكويت) بتكفلهم بتقديم الدعم المالي اللازم للبحرين، أعاد الأمور إلى ما كانت عليه من حيث تكلفة الـتأمين على الديون البحرينية، وكذلك سعر صرف الدينار أمام الدولار، سعر صرف الدولار يعادل 0.376 دينار.
وإذا نظرنا إلى العجز المقدر بميزانية 2018 في البحرين نجد أنه بحدود 3.5 مليار دولار، وهو مبلغ شديد التواضع مقارنة بالإمكانيات المادية للدول الخليجية التي أعلنت عن دعمها للبحرين، ولكن حتى يستقيم الأمر بالبحرين، فإن الدعم المالي لن يتوقف على تحمل قيمة العجز السنوي بالميزانية، ولكنه يحتاج كذلك لسداد جزء من الديون، وبخاصة الخارجية منها.
والسؤال الآن حول هذا الدعم الخليجي للبحرين، هو: إلى أي مدى ستلتزم هذه الدول بتقديم الدعم؟ وبخاصة أنه لا يلوح في الأفق تحسن بالوضع الاقتصادي بالبحرين في الأجل القصير والمتوسط. وهل سيؤول الأمر إلى نوع من الصيغ التكاملية بين البحرين والسعودية مثلًا؟ لتتحمل السعودية كامل العجز المالي للبحرين، أم سيظل الوضع على ما هو عليه، لتقديم الدعم وفق الوضع والواقع السياسي في المنطقة.
وكانت وكالة التصنيف الائتماني “موديز” قد أشارت إلى تصنيفB1 عالي المخاطر بالنسبة للبحرين، مع نظرة مستقبلية سالبة. ولكن يلاحظ إن الدعم الخليجي للبحرين، وإن كان قد أنقذها من مزيد من الانهيار، إلا أنه قاصر على مجرد تقديم الدعم المالي، ولا يتجاوز ذلك إلى دعم لتطوير قطاعات إنتاجية أو تكنولوجية، لافتقاد الدول الداعمة لهذا النوع من الدعم.
والدعم الخليجي للبحرين مرتبط بأدائها السياسي الداعم للتوجهات السعودية والإماراتية، ووجودها ضمن دول الحصار لقطر، وكذلك دعمها للتحالف الخليجي في اليمن، كما أنها تمثل أحد البؤر الساخنة للصراع الطائفي السني الشيعي المكتوم، والذي تغذيه كل من السعودية وإيران، وإن كانت السعودية أكثر تأثيراً وتسيراً للأوضاع في البحرين عبر التعامل مع السلطة هناك من أعلى هرمها.