صباح نعوش- البيت الخليجي-
يعاني النظام الضريبي الكويتي من عدة مشاكل في مقدمتها ضعف مساهمته في تمويل الإنفاق العام. كما لا تستخدم الضرائب في التنمية الاقتصادية والاجتماعية إلا في نطاق ضيق. ناهيك عن عدم الاهتمام بالتوزيع العادل للأعباء العامة. أضف إلى ذلك العوامل السياسية التي تلعب دوراً بارزاً في تعقيد هذه المشاكل.
في عام 2017-2018 قدرت حصيلة جميع الضرائب المباشرة وغير المباشرة بمبلغ 495 مليون دينار أي 25.6% من الإيرادات غير النفطية و3.7% من الإيرادات الكلية. وتحتل الرسوم الجمركية المرتبة الأولى تليها ضرائب الدخل والأرباح.
معارضة الضريبة على القيمة المضافة
أبرم القادة الخليجيون الاتفاقية الموحدة لضريبة القيمة المضافة وقرروا تطبيقها في مطلع عام 2018. ويتوقع أن تصل حصيلتها في الكويت إلى 560 مليون دينار سنوياً. أي أكثر من الحجم الكلي لجميع الضرائب الحالية. ويمثل هذا المبلغ 8.5% من حجم العجز المالي التقديري لعام 2017-2018.
لكن هذه الضريبة لم تطبق في مطلع العام الجاري وذلك على غرار قطر والبحرين وعمان وعلى خلاف السعودية والإمارات. وذكرت عدة أسباب لتبرير هذا التخلي المؤقت على الأقل. قالوا أن الإدارة غير جاهزة من الناحية الفنية لتطبيقها. فلا بد من آليات لربطها وتحصيلها.
يبدو أن هذا التبرير غير منطقي. وإلا كيف يمكن تفسير تطبيقها في السعودية والإمارات؟ والواقع هنالك عامل اقتصادي وآخر سياسي يحولان دونها. برنامج الإصلاح الاقتصادي والمالي (أعد في عام 2016 من قبل لجنة الشؤون الاقتصادية بمجلس الوزراء ويتناول عدة جوانب من بينها الإصلاح الضريبي) يقترح مصادر تمويلية جديدة بسبب اتجاه أسعار النفط في فترة إعداده نحو التدهور المستمر. في الوقت الحاضر حدث العكس. لذلك لم تعد هنالك حاجة ماسة لضريبة القيمة المضافة.
والسبب السياسي يرتبط بالمعارضة البرلمانية الشديدة ضد مشروع هذه الضريبة. استندت المعارضة إلى العامل الاقتصادي لتفسير موقفها من هذا الإجراء غير الشعبي الذي يقود في حالة إقراره إلى عدم انتخاب البرلمانيين لدورة قادمة. وهكذا يفضل مجلس الأمة الاستدانة من الداخل والخارج لتمويل عجز الميزانية العامة بدلاً من فرض ضرائب جديدة.
لا يرغب الكويتيون إذن بتطبيق هذه الضريبة. لكنهم ملزمون بقرارات القادة الخليجيين. لذلك تشير البيانات إلى تطبيقها في عام 2021. عندئذ لكل حادث حديث.
وبالمقابل هنالك استعدادات جدية لتبني الضريبة الانتقائية المفروضة على السلع المضرة بالصحة. وتسري بسعر 50% على المشروبات الغازية و100% على مشروبات الطاقة والتبغ. ويتوقع دخولها حيز التنفيذ في مطلع العام القادم 2019.
تأجيل الضريبة على أرباح الأعمال
ينص برنامج الإصلاح حرفياً على ما يلي: “استحداث ضريبة أرباح الأعمال بمعدل ثابت عند 10% بعد تقييم أثرها على المستهلك وتنافسية قطاع الأعمال”. لتوضيح تداعيات هذه الضريبة المقترحة لابد من التفرقة بين الشركات والأفراد. ينبغي أن نفرق أيضاً بين الشركات الكويتية والشركات الأجنبية.
في الوقت الحاضر هنالك أربع ضرائب: ضريبة على دخل الشركات الأجنبية بسعر 15%. وثلاث ضرائب تسري على الشركات الكويتية. وهي ضريبة دعم العمالة الوطنية بسعر 2.5% والزكاة بسعر 1% وضريبة مؤسسة الكويت للتقدم العلمي بسعر 1%.
بموجب وثيقة رسمية حققت الشركات الكويتية ربحاً قدره مليار و950 مليون دينار في عام 2017. وحققت الشركات الأجنبية ربحاً قدره 903 مليون دينار. دفعت الشركات الكويتية ضرائب مبلغها 80 مليون دينار. في حين دفعت الشركات الأجنبية ضريبة مبلغها 135 مليون دينار (الحساب الختامي للسنة المالية). بمعنى أن الشركات الكويتية تحصل على ثلثي الأرباح وتدفع ثلث مبلغ الضريبة. في حين تحصل الشركات الأجنبية على ثلث الأرباح وتدفع ثلثي مبلغ الضريبة. وعند النظر من زاوية أخرى لهذا الحساب يتضح بأن الشركة الأجنبية تتحمل عبئاً ضريبياً قدره 15% (علاقة الأرباح بمبلغ الضريبة). في حين تتحمل الشركة الكويتية عبئاً ضريبياً قدره 4.1% فقط. العبء الضريبي للشركة الأجنبية يعادل إذن 3.6 أضعاف العبء الضريبي للشركة الكويتية. أنه توزيع غير عادل للأعباء الضريبية لم يعد يواكب التنظيم الحديث للمالية العامة وتشجيع الاستثمارات.
لذلك يقترح البرنامج إلغاء هذه الضرائب الأربع والاستعاضة عنها بضريبة ذات سعر موحد قدره 10% يسري على جميع الشركات كويتية كانت أم أجنبية. كما قدمت وزارة المالية مسودة حول الضريبة على أرباح الأعمال. تضمنت هذا الاقتراح..
البرنامج يحابي الشركات الأجنبية لأن سعر الضريبة ينخفض. قد تكون هذه المحاباة غير مجانية لأن البرنامج سيلغي الإعفاءات الضريبية المؤقتة التي تقدمها حالياً الدولة لهذه الشركات عند البدء بنشاطها في الكويت بغية تشجيع الاستثمارات. عندئذ فإن خسارة الدولة جراء تخفيض السعر الضريبي يقابلها ربح جراء إلغاء أو تقليص الإعفاءات المؤقتة. ويرحب صندوق النقد الدولي ترحيباً حاراً بهذا الاتجاه.
أما الشركات الكويتية فسوف يتضاعف عبؤها الضريبي. ويمكن تبرير هذا الارتفاع بالاستفادة من الدعم الحكومي. فهي تحصل على ثلثي الدعم الموجه للمنتجات النفطية والكهرباء والغاز الطبيعي (الثلث الثالث للأفراد). يقلل هذا الدعم كلفة الإنتاج فيزيد أرباحها. وبالتالي يتعين عليها المساهمة بصورة أكبر في الأعباء العامة.
أما بخصوص الأفراد فعلى غرار دول مجلس التعاون وعلى عكس الدول العربية الأخرى لا تفرض الكويت ضريبة على دخولهم. في حين تقترح مسودة وزارة المالية ضريبة بسعر 10% على الأرباح التجارية والعقارية والمرتبات وغيرها.
نلاحظ عدم اهتمام المسودة بالأعباء الشخصية للمكلف. وهذا يتناقض مع أبسط قواعد العدالة الضريبية المعروفة في التشريعات الضريبية التي تمنح إعفاءات للزوج والأطفال. لا تنظر المسودة الكويتية إلى المكلف بل إلى ما يحصل عليه. في حين تأخذ التشريعات الحديثة بنظر الاعتبار حالة المكلف الشخصية والمالية.
أما سعر الضريبة فهو نسبي. في حين أن الأسعار التصاعدية مطبقة على دخول الأفراد في الغالبية العظمى من الدول. وهذا أمر يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالعدالة والحصيلة.
وتقترح المسودة منح إعفاء لكل مكلف. وهذه بديهية في التنظيم الرشيد للضرائب المباشرة. إذ لابد من إعفاء الحد الأدنى الضروري للمعيشة. لكن المسودة تضع حجماً مرتفعاً جداً لهذا الحد وقدره خمسين ألف دينار في السنة (165 ألف دولار). إن مثل هذا الإعفاء السخي غير موجود حتى في الدول الصناعية. ففي بريطانيا يبلغ الحد غير الخاضع للضريبة 14.5 آلاف دولار. ويهبط في فرنسا إلى 11.5 ألف دولار وفي ألمانيا إلى 7.4 آلاف دولار. بمعنى أن الضريبة الكويتية سوف لن تفرض إلا على عدد قليل من الأفراد.
يتوقع أن تتراوح حصيلة الضريبة على الأرباح بين 500 و 800 مليون دينار سنوياً أي ما يعادل أربعة أضعاف حصيلة الضرائب الحالية. هذا المبلغ كفيل بتغطية 7.6% إلى 12.2% من العجز التقديري للسنة المالية 2017-2018. هذا التوقع قائم على عدة شروط يصعب تحقيقها. وهي خضوع جميع أشكال الأرباح للضريبة ومعالجة التهرب والقصور الإداري.
لكن الحصيلة تفترض بطبيعة الحال تطبيق الضريبة. وهذا لم يحدث لحد الآن. فلا تزال هنالك معارضة برلمانية شديدة أمام زيادة العبء الضريبي على الشركات الكويتية وأمام المساواة بين هذه الشركات والشركات الأجنبية. وتزداد حدة هذه المعارضة عندما يتعلق الأمر بفرض ضرائب على دخول الأفراد.
أهمية الرسوم الجمركية
لهذه الرسوم مكانة مرموقة في المالية الكويتية. لغاية السبعينيات من القرن المنصرم كانت هذه الرسوم المصدر غير النفطي الوحيد في ميزانية الدولة. ففي عام 1978-1979 بلغت حصيلتها 249 مليون دينار أي 7.6% من الإيرادات العامة. ومنذ الثمانينيات استحدثت ضرائب أخرى. لكن الرسوم الجمركية بقيت لحد الآن أهم مصدر للإيرادات العامة غير النفطية. ففي عام 2017-2018 قدرت حصيلتها بمبلغ 335 مليون دينار. بيد أن أهميتها النسبية تراجعت حتى وصلت إلى 2.5% فقط من الإيرادات العامة.
تتسم هذه الرسوم بكونها خليجية. أي تطبق الكويت تعريفة جمركية ناجمة عن الاتحاد الجمركي الخليجي. وبذلك فأن السعر العام وفق الاتفاقية المشتركة 5%.
ومن زاوية أخرى تتمتع الكويت كغيرها من بلدان مجلس التعاون بعضوية منظمة التجارة العالمية. وبالتالي لابد من احترام الاتفاقات المتعددة الأطراف لهذه المنظمة من جهة والالتزامات التي تعهدت بها الدولة في المنظمة من جهة أخرى. ويقضي المبدأ العام بعدم جواز زيادة الرسوم الجمركية على الواردات إلا في حدود تلك الاتفاقات والالتزامات. وعلى هذا الأساس يمكن زيادة أسعار هذه الرسوم إذا تعرضت السلع المحلية لمنافسة غير مشروعة من قبل السلع الأجنبية المماثلة عن طريق الإغراق.
وهكذا قررت الكويت في بداية مارس المنصرم زيادة الرسوم الجمركية على استيراد الحديد من 5% إلى 10%. يستند هذا القرار إلى توصية الأمانة العامة لدول المجلس التي تؤكد على وجود الإغراق. وبالتالي يحق للكويت ولدول الخليج الأخرى زيادة الرسوم الجمركية.
والجدير بالذكر أن الجزء الأكبر من الحديد المستخدم في البناء الذي تستورده الكويت تركي المنشأ. ويؤكد المسؤولون الأتراك على عدم وجود حالة الإغراق في تجارتهم الخارجية. ويقولون أن كلفة إنتاج الحديد في تركيا أقل من كلفتها في الكويت. كما يرون أن هامش الربح في تركيا اقل بكثير من هامش الربح في الكويت. لذلك يصبح السعر النهائي للسلعة التركية أقل من السعر النهائي للسلعة الكويتية.
تحاول الكويت الدفاع عن منتجاتها المحلية وكذلك المنتجات الخليجية من منافسة البضائع الأجنبية. لذلك رفعت الرسوم الجمركية على الحديد المستورد تحت عنوان الإغراق. علماً بأن الإغراق في التنظيم الدولي للتجارة العالمية الذي تشرف عليه منظمة التجارة العالمية يعني فقط بيع السلعة المخصصة للتصدير بسعر يقل عن سعر نفس السلعة المخصصة للاستهلاك المحلي. فلا علاقة للإغراق إذن برخص السلعة الأجنبية مقابل السلعة الوطنية. بل بالفرق بين سعر التصدير وسعر الاستهلاك المحلي. على الكويت أن تثبت وجود الإغراق وإلا لا يحق لها رفع الرسوم الجمركية. لكنها فعلت ذلك بدوافع حمائية وبتشجيع من السياسة الأمريكية التي اتخذت مؤخراً موقفاً مماثلاً وبأسعار جمركية مرتفعة تسري على واردات الحديد خاصة من الصين.
تسعى الضرائب إلى تحقيق ثلاثة أهداف: الحصول على اكبر قدر ممكن من الإيرادات والعدالة في توزيع الأعباء العامة والتنمية الاقتصادية. السياسات الضريبية الناجعة هي التي تحاول وبصورة مستمرة أن توفق بين هذه الأهداف المتناقضة أحياناً. لكن النظام الضريبي الكويتي لا يزال بعيداً عن هذا التوفيق بل لا يستطيع حتى أن يحقق هدفاً واحداً منها. يتعين إذن على برنامج الإصلاح المالي والاقتصادي مراعاة هذه الاعتبارات بما ينسجم مع خصوصيات البلد.