يسرا بخاخ- البيت الخليجي-
في الخامس من يونيو عام 2017 قطعت کل من السعودية، الإمارات، البحرين ومصر علاقاتها مع قطر، وذلك بعد أسبوعين من اختراق وكالة الأنباء القطرية ونشر تصريحات منسوبة إلى أمير قطر علی موقع الوکالة ما أدی الی اشتعال الأزمة بین الدول موضوع الصراع.
بعد مرور عام ونيف من هذه الأزمة لم تظهر حتی الآن مؤشرات تشير بإنتهائها. حاولت العديد من الدول حل الأزمة الخليجية القطریة وإنهاء هذه الخلافات، وحتى الآن؛ لم تنجح أي من هذه الجهود. وفي حزمة من المطالب، طالبت كل من الرياض وأبوظبي والمنامة من الدوحة قطع العلاقات الدبلوماسیة مع إیران، ولئن كان هذا الطلب ليس الأهم في حزمة الشروط المقدمة فإنه دون شك من أهم المطالب. یجب أن لا ننسی بأن الأزمة الخليجية القطرية هي شأن داخلي عربي ویبدو إنها تنبع من سعي السعودية لفرض هيبتها وسیاساتها الخارجیة علی باقي الدول في مجلس التعاون الخلیجي. وفي ظل التوتر الذي یسود العلاقات الإیرانیة السعودیة، يبدو وجود علاقات جیدة وفاعلة بین أي من دول مجلس التعاون وطهران أمراً یغضب السعودية وحليفتها الإمارات.
من خلال دراسة وتتبع مسار العلاقات الإیرانیة القطریة یمكن القول إن العلاقات بين طهران والدوحة ليست علاقة استثنائية، لكن البلدين لديهما ارضیة جیدة لبناء علاقات استراتیجیة. بعد الأزمة القطریة والانقسام في البیت الخلیجي، اتیحت فرصة استثنائية لنقل العلاقات الإیرانیة القطریة إلى مستوى آخر؛ حيث وفرت إيران، إلى جانب تركيا، جزءاً كبيراً من احتياجات الأسواق القطرية في أعقاب العقوبات والحصار الذي فرض علی قطر.
وعلى الرغم من أن هذه الأزمة کانت فرصة مواتية للإیرانیین لتعزیز التعاون التجاري مع قطر إلا أن رئیس الغرفة التجاریة المشتركة بین إیران وقطر عدنان موسی بور يشير الى أن حجم التجارة بین البلدین لیست في المستوی المطلوب. یری موسی بور أن “البدایة جیدة، ولكن لا ينبغي نسيان أنه وبالمقارنة مع شركاء قطر الآخرين تبدو نسبة التجارة المشترکة بین البلدین غير مرضية”.
على المستوى السياسي منذ بدایة الأزمة، زاد التنسیق بین إيران وقطر لكن لا ينبغي التوقع أن إيران سوف تملئ فراغ دول الخليج بالنسبة للدوحة. تدرك طهران جیداً ان الدوحة سوف تبقی دولة في المنظومة الخليجية العربیة رغم الخلافات الموجودة في مجلس التعاون الخلیجي. قد يأتي قرار الدوحة تعیین سفیر “فوق العادة” في طهران في مسار تعزیز العلاقات مع إيران، لا سيما من الناحية الاقتصادية. ویری الخبراء في الشأن الإیراني أنه وبعد الأزمة القطریة، أصبحت خطوط التواصل بين الدوحة وطهران أكبر وأن الحدیث مع إيران أصبح مختلفاً في العقلية القطریة، لیس بالضرورة أن نتحدث عن تعاون وتنسیق عالٍ في کل القضایا لأن العلاقات الثنائیة بین البلدین لم تصل إلی هذه المرحلة بعد.
یبدو قرار قطر لتعزیز العلاقات الثنائیة مع إيران وتبني سیاسات مختلفة تجاه إيران عن سیاسات باقي دول الخليج العربية لم يكن قراراً ارتجالياً. ویبدو أيضاً، أنه لیس قرارا مؤقتاً إذ تسعى قطر إلی خلق التوازن في علاقاتها مع إيران من جهة والولایات المتحدة من جهة أخرى. وبما أن الصراع الإیراني -الإمریكي في أشده خلال الاشهر الماضیة لن يكون مستبعداً أن نری قطر تلعب دوراً في اخماد هذا الصراع أو الحد من التوتر بین البلدین.
في ما یخص الوضع الاقلیمي لا یبدو أن هناك في هذه المرحلة على الأقل نضوج للحدیث عن الملفين السوري أو الیمني. علی سبیل المثال، هناك خلافات في وجهات النظر بین إيران وقطر في الملف السوري وهذا الخلاف واضح لكن الطرفین یؤکدان معاً علی أهمیة الحل السیاسي، يدور الخلاف الآن حول آلیات الحل السیاسي، ولا یبدو أن الأزمة القطریة غیرت موقف قطر من الأزمات في المنطقة.
یری خبراء أن الملف الیمني ملف معقد إذ یشكل خاصرة الأمن السعودي ويمكن أن نقول أن هناك تواصل للحدیث حول هذا الملف بین الدوحة وطهران. وبما ان قطر کانت یوماً من الایام جزءاً من التحالف الذي تقوده السعودیة، فبطبیعة الحال يبدو الحدیث عن تنسیق عالٍ بین إیران وقطر في الملف الیمني مستبعداً. من جهة ثانیة وبعد الأزمة القطریة، خرجت الدوحة من التحالف لكنها لم تغیر من خياراتها وعقلیتها ورؤيتها السیاسیة في الملف الیمني.
یجب أن نسلط الضوء علی مسألة مهمة، وهي أنه وفي حین أن بعض الدول الكبرى مثل الولایات المتحدة تتحدث عن رؤیة تقوم علی الصدام مع إیران، بات واضحاً أن قطر تنادي بحل الخلافات العربیة الإیرانیة بالحوار. إیران هي الأخرى وعلی لسان وزیر خارجیتها محمد جواد ظریف تنادي بمجمع سیاسي أمني یضم کل دول المنطقة للحدیث في القضایا وملفات المنطقة بشكل صریح.
العلاقات الثنائیة بین طهران والدوحة أصبحت مرتبة بشكل أفضل، وتنظر إیران إلی قطر علی أنها جار مستقل في سیاساتها ولا تدور فی فلك المملكة العربیة السعودیة وهذه نقطة مهمة في الرؤیة الاستراتیجیة بین البلدین. قطر أیضاً؛ تنظر إلی إیران علی أنها جار وانها کانت أحد الأسباب في افشال الحصار المفروض علی الدوحة. وبالتالي؛ تنضم قطر الی الكتلة الخليجية العربیة المشكلة من الكويت وسلطنة عمان في الرؤیة التي تدعم الحوار مع إیران على النقيض من رؤیة البحرین، الامارات والسعودية.
دون شك؛ حصار قطر والأزمة الخلیجیة وموقف إیران الداعم لقطر في هذه الأزمة هي عوامل غيرت من عقلیة وفهم البلدین تجاه العلاقات الثنائیة بينهما. لم تعد إيران تنظر الی قطر کدولة تابعة للسعودیة والعلاقات الثنائیة بین البلدین بعد الحصار لیست مثل العلاقات الثنائیة قبله. لكن العلاقات الإیرانیة القطریة عرضة للتأثر بمجموعة من العوامل، من أهمها العلاقات الإیرانیة الأمريكية والعلاقات العربیة الإیرانیة، والسیاسیة الخارجیة الایرانیة وسلوکها مع الدول العربیة. ومهما کانت هذه العوامل سلبیة أو ايجابية ستلقي بظلالها على العلاقات بين البلدين.