فؤاد السحيباني- خاص راصد الخليج-
حرب تجارية تدور رحاها بين الولايات المتحدة، من جهة، وعدد من أهم شركائها التجاريين، في البداية التنين الصيني، ثم الاتحاد الأوروبي، وأخيرًا كندا وتركيا، ورغم القدرة الهائلة التي يتمتع بها الاقتصاد الأميركي، إلا أن الصين ووراءها روسيا، ثم أوروبا –ولو على استحياء- قاوموا محاولات راعي البقر "ترامب"، لفرض شروط جديدة على عمليات التجارة العالمية، تجعل من أميركا الرابح الأوحد.
الصين التي تبدو عمليًا في وضع يتمكن من مجاراة الأميركي، ورد الضربة بمثلها، وتحقق كل عام نموًا يعزّ على أي من الدول الكبرى تحقيقه، استفادت من تغير قواعد اللعبة الدولية عن مطلع التسعينات، حين كانت الولايات المتحدة وحدها صاحبة الهيمنة، في كل المجالات، استفادت من "بريكس" واستفادت من رغبة متزايدة نحو مخاصمة المدار الأميركي، وتلعب الآن في إفريقيا –القارة البكر- التي كانت حتى أمد قريب حكرًا على الغربي وحده.
وقبل صعود "ترامب" إلى سدة الرئاسة الأميركية، أعلنت الصين خطة طموحة للغاية، لإحياء طريق الحرير القديم، كمتكأ لإعداد "حلف اقتصادي"، يضم أغلب مستهلكي الكرة الأرضية، ويتمتع بفوائض هى الأضخم عالميًا، وبأسواق واسعة، وامتداد جغرافي يسهل محاولات التكامل، ووضعت 56 مليار دولار كتمويل أولي للمشروع، منها 40 مليار دولار للبنية التحتية في آسيا، و16 مليار دولار للطرق ومراكز التجارة شرقي الصين.
طريق الحرير الجديد، بشقيه البري والبحري، يمر بأراضي أكثر من 65 بلدا، يعيش فيها أكثر من 4 مليارات نسمة، تبلغ تكلفته عشرات المليارات من الدولارات، تعهدت الصين بدفعها كاملة، والعوائد جراء المبادلات التجارية بين هذه الدول ستبلغ عدة مئات مليارات الدولارات.
الطريق يركز على ربط أوراسيا وضم قارة إفريقيا إليها، عبر 6 مسارات برية، وخطوط سكك حديدية، ومسارات شحن بحري، باختصار: إعادة تشكيل خريطة التجارة العالمية.
وتنوي الحكومة الصينية، مدفوعة بنجاح اقتصادي مذهل، عقب استعادتها مكانة المصدّر الأول في العالم، جعل طريق الحرير واقعًا، خلال سنوات قليلة، حتى يكون "خطًا ساخنًا" للبضائع والمسافرين والطاقة، يخترق العالم القديم، ويؤمن ربط الصين بمحيطها الآسيوي وأسواق التصدير، ضمن منظومة تتحكم بها بكين وتكون هي محورها.
الأرقام التي أعلنت الصين استهدافها من وراء طريق الحرير الجديد هائلة، وتشمل مضاعفة التجارة مع الدول العربية من 240 مليار دولار إلى 600 مليار دولار، ورفع رصيدها من الاستثمار غير المالي في الدول العربية من 10 مليارات دولار إلى أكثر من 60 مليار دولار، بالإضافة إلى الوصول بحجم تجارتها مع إفريقيا إلى 400 مليار دولار بحلول 2020.
الغريب أن الدول العربية، حتى النفطية الغنية، في هذا الصراع بلا أنياب، تتابع مناطحة الكبار، بلا محاولة حتى للاقتراب للجانب الصاعد والمقاوم لهيمنة عالمية، وإن كانت مقاومة بشروط، سعيًا لتحقيق أقصى استفادة ممكنة، وعلى رأسها الاستفادة من طريق الحرير الجديد، الذي كان العالم العربي هو جسره الحي قديمًا، واستفاد منه بشكل كبير خلال العصور القديمة والوسطى، حتى تم اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح، وتم إخراج العرب من دائرة الوسيط التجاري بين أوروبا وآسيا.
أبرز الدول المستفيدة من طريق الحرير، في الشرق الأوسط، تأتي تركيا ثم السعودية ومصر، بترتيب الاستفادة المتوقعة، حيث يمر الطريق بالجزيرة العربية والخليج، ويعيد الحياة إلى البحر الأحمر، حيث من المقدر أن تتضاعف عدد السفن المارة به إلى 3 أضعاف، والذي سبق لعدد من مسؤولي المملكة أن أعلنوا عدم الاستفادة من موانئ البحر الأحمر بشكل كبير، وآخرهم ولي العهد.
الصين تعتمد في إستراتيجية التوسع الخارجي، حاليًا على الأقل، مدّ الجسور وتحقيق لقاء بين المصالح المشتركة، على أرضية من التعاون والاستفادة المتبادلة، فهل تملك الحكومة السعودية التخطيط السليم للاستفادة من إمكانيات المستقبل، في ظل اعتماد "رؤية 2030" التي تركز بشكل رئيس على تخفيض الاعتماد على النفط.. أم تترك الفرصة لمن يحسن استغلالها في الإقليم.