الخليج أونلاين-
البورصات، الاستثمارات الأجنبية، السياحة، العقارات.. هذه القطاعات التي تُعدّ دعائم اقتصاد إمارة دبي بدأت تتدحرج نحو الانهيار التام في السنوات الأخيرة، مخلّفة أزمة تُنذر بكارثة اقتصادية تواجهها "إمارة الذهب".
تظهر معالم هذه الأزمة في الأعداد الهائلة من الشيكات المرتجعة خلال النصف الأول من العام 2018، التي بلغت 1.2 مليون شيك، وتزيد قيمتها على 7 مليارات دولار، إضافة لتصفية شركات عملاقة؛ مثل "أبراج كابيتل"، وفكّ شركات عالمية لارتباطها مع أخرى إماراتية، علاوة على تراجع تدفّق الاستثمارات الأجنبية.
أزمات وركود
وكشف تقرير للإذاعة الرسمية الألمانية (دويتشه فيله)، نُشر نهاية الشهر الماضي، أن نموذج إمارة دبي للنجاح الاقتصادي يمرّ بأزمة صعبة، وسط تراجع في أسعار العقارات بنسب تراوحت بين 5 و10%.
وتوقّع التقرير، مستنداً إلى رواية محللين وخبراء اقتصاديين، أن يستمرّ تراجع أسعار العقارات بإمارة دبي خلال العام القادم (2019)، فضلاً عن تسجيل ركود في حركة السفر، وتراجع البورصة بنسبة نحو 13%.
وشهد سوق العقارات المبيعة في دبي -وهو أحد أعمدة اقتصاد الإمارة- تراجعاً بنسبة 46%، في الربع الأول من 2018، بينما تراجع سوق العقارات الجاهزة بنسبة 24%.
ولفت التقرير الألماني إلى أن هناك ركوداً في حركة السفر إلى دبي، التي باتت تعاني من حركة هجرة متزايدة للكفاءات الأجنبية العاملة فيها؛ لأسباب من أبرزها تراجع فرص العمل والدخل وارتفاع تكاليف المعيشة.
ورأى أن مساعي دبي للخروج من أزمتها تصطدم بتوجّه الاستثمارات العالمية إلى أسواق بديلة، واستمرار تدنّي أسعار النفط، وتراجع مستوى الدخل، والتوترات الجيوسياسية الحادّة في منطقة الشرق الأوسط.
جدير بالذكر أن عدد السياح الأجانب الذين زاروا دبي تراجع بنسبة 0.5%، في النصف الأول من العام الحالي، وهي وتيرة نمو أبطأ بكثير من تلك المسجَّلة عام 2017، والتي سجّلت ارتفاعاً بنسبة 10.6%.
وبحسب بيانات رسمية صادرة عن دائرة السياحة في دبي، مطلع الشهر الماضي، فإن الإمارة "استضافت 8.1 ملايين سائح أجنبي قضوا ليلة واحدة فقط في الشهور الستة المنتهية يوم 30 يونيو الماضي". وكانت دبي استقبلت 8.06 ملايين سائح في النصف الأول من عام 2017، ما يمثّل حينها زيادةً نسبتها 10.6% على أساس سنوي.
وانخفضت وتيرة نمو حركة المسافرين عبر مطار دبي الدولي إلى ما يقارب الصفر في العام الحالي؛ بعد زيادات قوية على مدى 15 عاماً، رغم أن الإمارات خفّفت قواعد منح تأشيرات السفر للصينيين والروس، في الأعوام القليلة الماضية؛ بهدف دعم السياحة.
مؤشرات اقتصادية متدهورة
من جانبها أعربت شركة "ستاندرد آند بورز" الأمريكية للخدمات المالية عن قلقها من "ظروف الائتمان" المتدهورة في دبي.
وذكرت الشركة، في تقرير لها الشهر الماضي، أن اقتصاد دبي يتعرّض لضعف كبير، خاصة بعد انخفاض أسعار العقارات وتراجع الطلب المحلي عليها.
ورجّحت أن يستمرّ التراجع الاقتصادي في دبي إلى العام 2020.
ولفتت إلى أن نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي في الإمارة انخفض إلى 37 ألف دولار سنوياً العام الجاري، مقارنة بـ45 ألف دولار في العام 2013، متوقّعة أن يتراجع دخل الفرد السنوي إلى 36 ألفاً في العام 2020.
وبحسب بيانات النصف الأول من العام الجاري، فقد ارتفعت خسائر شركة "فلاي دبي" للطيران الاقتصادي الإماراتية بنسبة 122% على أساس سنوي، بالإضافة إلى تراجع في الأرباح بنسبة 12%.
ووصلت خسائر النصف الأول إلى 316.8 مليون درهم (86.3 مليون دولار)، مقابل 142.5 مليون درهم (38.8 مليون دولار) بالفترة المماثلة من العام الماضي.
كذلك سجّلت الأرباح تراجعاً بنسبة 12%، لتصل إلى 2.8 مليار درهم (762 مليون دولار)، مقارنة بـ2.5 مليار درهم (680.7 مليون دولار) بالفترة المناظرة من 2017.
وإضافة إلى تلك المؤشرات المتراجعة فإن خطط الإمارات لتنمية الاقتصاد غير النفطي لم تنجح بتحقيق أهدافها.
وفي مايو الماضي، أفاد مصرف الإمارات المركزي أن نمو الاقتصاد غير النفطي في الإمارات تباطأ إلى 3.1%، في الربع الأول من العام الجاري.
ولفت المصرف، في تقرير له، إلى ارتفاع معدّلات التضخّم في الإمارات إلى 4.2% على أساس سنوي، مقارنة بنحو 1.8% في نهاية العام الماضي.
ودفعت هذه الأزمة التي تمرّ بها الإمارات -ودبي خصوصاً باعتبارها العاصمة الاقتصادية للدولة- شركة "إعمار"، إحدى أهم وأكبر شركات الإنشاءات والعقارات الإماراتية، إلى عرض سلسلة من أصولها للبيع.
ووفق ما نشرته صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية المتخصّصة في الشأن الاقتصادي، في يوليو الماضي، فإن شركة "إعمار" عرضت بيع فنادق وعيادات ومدارس، واتّفقت مع العديد من الأطراف المعنيَّة لإتمام عمليات البيع.
وتملك حكومة دبي نحو 30% من أسهم الشركة، وتسعى للحصول على ما يصل إلى 1.4 مليار دولار أمريكي من قيمة ما تسعى لبيعه من أصول.
المستثمرون يهربون
وفي مقال له نشرته صحيفة "مودرن دبلوماسي" الأمريكية، الشهر الماضي، قال الخبير الاقتصادي ورجل الأعمال، مير محمد علي خان، إن "اقتصاد دبي ينهار، والمستثمرون يهربون".
وأضاف خان: إن "الشيكات المرتجعة في الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي بلغت 26 مليار درهم (7 مليارات دولار)، وبلغ عدد هذه الشيكات 1.2 مليون شيك، وهو ما يمثّل 39.3% من مجموع الشيكات التي أُصدرت عام 2017، والتي تستحقّ الدفع في 2018".
ورأى الكاتب أن "هذا العدد الضخم من الشيكات المرتجعة يُنذر بكارثة ستواجهها السلطات دون إمكانية الرجوع إلى ممتلكات هؤلاء المدينين؛ لأن أغلبهم يفرّ من الإمارة بلا عودة".
وشدّد الخبير الاقتصادي على أن "اقتصاد دبي بدأ ينهار هذا العام؛ بسبب المبدأ الذي طالما استند إليه: (أنا مدين لك وسأدفع لاحقاً)، وهي كلمات تترجم بكتابة شيكات مؤجّلة الدفع".
وتابع خان: "هذا الذي يأخذ منك الشيك، وهو في الأغلب رجل أعمال زميل، يقوم بدوره بكتابة شيك آخر إلى دائن آخر على أساس أنك ستسدّد له في الموعد المحدّد، وهكذا تتضاعف الشيكات وتتضاعف الوعود".
وتساءل: "كيف يمكن لاقتصاد أن يتطوّر ويستمرّ بهذا المبدأ؟ فإذا تخلّف رجل أعمال واحد عن السداد فإن السلسلة بأكملها ستنهار".
قطر وإيران واليمن.. سبب الأزمة
وفي تحليله لهذه المؤشرات المتداعية يقول المحلل الاقتصادي محمد الشهري: إن "إمارة دبي تواجه تحديات اقتصادية كبيرة؛ من أهمها عدم احتفاظها بعلاقات ودّية مع جميع الدول في المنطقة، خاصة قطر وإيران".
وأضاف الشهري لـ"الخليج أونلاين": إن "هذه العلاقات الودّية كانت تضمن لدبي استثمارات أجنبية تحقّق من ورائها عائدات ضخمة. أعتقد أن دور إمارة دبي كمركز استثماري عالمي بدأ ينتهي، ومن الصعب أن تعود الأمور إلى سابق عهدها".
وأوضح أنه قبل أكثر من عام قطعت الإمارات ومعها السعودية والبحرين ومصر علاقاتها مع الدوحة، لينتهي بذلك دور دبي كأهم مركز للتجارة القطرية، فعدد كبير من الشركات ورجال الأعمال القطريين كانوا يعملون من دبي، وبعد الأزمة عادوا إلى الدوحة، ومعظم البضائع القطرية كانت تُستورد عبر ميناء "جبل علي".
وأشار الشهري إلى أن قطر اتجهت عقب الأزمة إلى موانئ بديلة لاستيراد بضائعها؛ مثل الكويت وسلطنة عُمان والهند وباكستان.
كما تأثر اقتصاد دبي بمحاولات الولايات المتحدة والسعودية والإمارات والبحرين للضغط على اقتصاد إيران عبر تقليص علاقاتها المالية معها؛ لأن حجم التبادل التجاري بين طهران ودبي كبير ويرتفع بشكل سنوي.
ولفت إلى أن إقحام الإمارات نفسها في الحرب (بين الحكومة اليمنية والحوثيين) المتواصلة منذ أكثر من 3 أعوام، جعلها تعيش حالة من عدم الاستقرار، خاصة بعد استهداف مطاراتها وتلقّيها تهديدات عسكرية من الحوثيين.
وأعلن الحوثيون، في 27 أغسطس الماضي، أن سلاح الجو التابع لهم "نفّذ هجوماً جوياً نوعياً على مطار دبي الدولي بطائرة مسيّرة".
وفي يوليو الماضي، كانت الجماعة اليمنية المدعومة من إيران قد أعلنت استهداف مطار العاصمة الإماراتية أبوظبي بطائرة مسيّرة من طراز "صماد 3"، وقالت حينها إن الغارة أدّت إلى "توقّف حركة الملاحة في المطار".
ودفعت حالة عدم الاستقرار هذه، بحسب الشهري، المئات من رجال المال إلى نقل أعمال شركاتهم إلى دول أكثر استقراراً من الإمارات؛ مثل تركيا والولايات المتحدة وأوروبا.