صباح نعوش- البيت الخليجي-
تعاني الميزانية العامة السعودية من عجز مزمن منذ عدة سنوات. قدر حجمه بمبلغ 195 مليار ريال أي 7.6% من الناتج المحلي الإجمالي. إنها نسبة عالية في المقاييس العالمية وكذلك الخليجية وتمثل أكثر من ضعف الحد الأقصى للعجز المنصوص عليه في اتفاقية الاتحاد النقدي الخليجي.
يترتب على هذا الوضع نتائج سلبية تتجلى في تزايد اللجوء إلى القروض الداخلية والخارجية فتتفاقم المديونية العامة. كما يهبط الاحتياطي النقدي أو على الأقل لا يرتفع بمعدلات مقبولة. ويزداد الضغط الضريبي بإدخال ضرائب جديدة كالضريبة على القيمة المضافة. وتضطر الدولة إلى تأجيل الكثير من المشاريع الإنمائية وإلى عدم قيامها بدورها في تحسين مستوى العمالة ناهيك عن تقليص الدعم الحكومي لأسعار استهلاك المنتجات والخدمات.
لم تعد العوائد النفطية والإيرادات الضريبية كافية لتمويل العجز المرتفع بسبب تزايد الإنفاق العام لا سيما العسكري. لذلك اتجهت الأنظار نحو آرامكو التي ستلعب دورا كبيراً في تغطية العجز عن طريق الخصخصة.
أما الهدف الرسمي المعلن من الخصخصة فهو تنويع مصادر الدخل بعدم الاعتماد على الريع النفطي. والواقع لا نرى علاقة مع هذا الهدف بدليل أن برنامج الخصخصة لا يقتصر على القطاع النفطي بل يشمل 16 قطاعاً لا صلة لها بالنفط كالماء والمستشفيات والصيدليات والمطارات والموانئ. كما أن الإيرادات المتوقعة من بيع أسهم شركات هذه القطاعات غير النفطية تعادل ضعف الإيرادات المتوقعة من بيع قسطاً من أسهم آرامكو.
في مطلع عام 2016 اتخذت السعودية قراراً ببيع 5% من أسهم آرامكو للقطاع الخاص خاصة الأجنبي للحصول على إيرادات قدرها 100 مليار دولار. ولتسهيل العملية تم في مطلع عام 2018 تعديل النظام الداخلي للشركة فأصبحت مساهمة.
لكن العملية تعثرت لعدة أسباب. فقد ارتفعت أسعار النفط حالياً لتصل إلى أكثر من سبعين دولاراً مقابل أربعين دولاراً قبل سنتين. وقد ترتفع مجدداً تحت تأثير العقوبات الأمريكية الشاملة التي ستفرض قريباً على إيران. كما لا توجد تقديرات دقيقة لقيمة الشركة.
القيمة غير معروفة
أن تقدير قيمة آرامكو بترليوني دولار ناجم عن تصريح لأحد كبار المسؤولين السعوديين. ثم تناقلته وسائل الإعلام وكذلك مكاتب الحسابات الكبرى.
ليست الغاية من هذا المقال تقليل شأن آرامكو. ولكن لابد من الإشارة إلى المعادلة التي تم الاستناد إليها في حساب تلك القيمة. من خلال التقارير يتبين بأن هذه المعادلة لا علاقة لها بقيم الشركات. فهي تعتمد على مؤشرين: الاحتياطي النفطي السعودي وقدره 261 مليار برميل وتحديد قيمة كل برميل بمبلغ ثمانية دولارات. وحاصل ضربهما يساوي ترليوني دولار. وتلاحظ تلك التقارير إلى أن هذه المعادلة تقود إلى نتائج مغلوطة. فعلى سبيل المثال إذا طبقت على اكسون موبيل فإن قيمتها سوف تهبط إلى النصف. وإذا طبقت على روسنفت فإن قيمتها سترتفع إلى أكثر من أربعة أضعاف.
ومن المعلوم أن الاحتياطي النفطي مملوك للدولة وليس لآرامكو. الشركة السعودية تدير وتستثمر حقول النفط. ولا يوجد نص قانوني يدل على ملكيتها لهذه الحقول. وبالتالي لا يجوز الاعتماد على حجم النفط المملوك للدولة لتقدير قيمة الشركة.
بالنظر لإنعدام الشفافية في أنشطة آرامكو وغياب الحسابات الحقيقية تصبح التقديرات متباعدة. كما إنها غير دقيقة. هنالك مؤسسات ترى أن قيمة الشركة لا تتجاوز 400 مليار دولار. وتخمين آخر بمبلغ 1.4 ترليون دولار. ويعود هذا الاختلاف إلى عدة عوامل في مقدمتها نسبة الضريبة على الأرباح المفروضة عليها وكذلك مستوى أسعار النفط في السوق.
وعلى هذا الأساس يبدو أن تقدير المسؤول السعودي المذكور آنفاً صحيح شريطة أن تصل نسبة الضريبة إلى الصفر وأن لا يقل سعر البرميل عن 75 دولاراً. الشرط الأول غير متوفر لأن نسبة الضريبة بعد تقليصها تبلغ حالياً 50%. أما أسعار النفط فقد تحسنت وبلغت هذا المستوى وقد ترتفع قريبا إذا نفذت بفاعلية الحزمة الثانية من العقوبات الأمريكية ضد طهران. ولكن هنالك أيضاً ضغطاً أمريكياً شديداً على السعودية من اجل زيادة الإنتاج فتهبط الأسعار. وتمارس الصين والهند وأوربا مثل هذا الضغط.
كما تلعب رسوم الامتياز والضريبة على الأرباح دوراً في تعثر خصخصة آرامكو. ناهيك عن مشاكل كثيرة ترتبط بالأسواق المالية الكبرى.
تأثير الاستقطاعات
مما لاشك فيه أن حجم الأرباح تمثل العنصر الأساسي من عناصر جدوى العمليات التجارية. تزداد قيمة الشركة ويتكالب المستثمرون عليها كلما ارتفعت أرباحها والعكس بالعكس.
تعد آرامكو اكبر شركة في العالم من حيث حجم أرباحها الصافية. تأتي أبل بالمرتبة الثانية ثم سامسونغ فمكروسوفت. وتحدد الأرباح الصافية لآرامكو وفق المعادلة التالية:
المبيعات (بعد طرح تكاليف الإنتاج) رسوم الامتياز = الدخل الإجمالي، ضريبة الأرباح = الربح الصافي.
في الوقت الحاضر ولما كانت الشركة تابعة كلياً للدولة فأن رسوم الامتياز وضريبة الأرباح والأرباح الصافية تذهب إلى ميزانية الدولة. في حين سوف تقسم الأرباح الصافية على المساهمين بعد إجراء عملية الخصخصة.
1ـ رسوم الامتياز: النظام المطبق لا يصلح إلا إذا كانت الشركة مملوكة ملكية كلية للدولة. ففي حالة الخصخصة سيؤثر هذا النظام تأثيراً سلبياً على الأرباح الموزعة على المساهمين. لذلك لابد من تعديله قبل الشروع بالخصخصة.
يرتكز النظام على فرض رسوم قدرها 20% من الإيرادات إذا كانت أسعار النفط أقل من 70 دولاراً للبرميل. وترتفع النسبة إلى 40% عندما تتراوح الأسعار بين 70 و 100 دولار. وترتفع أيضاً إلى 50% إذا تجاوزت الأسعار 100 دولار.
فعلى افتراض أن سعر النفط 69 دولاراً فإن الرسوم ستبلغ 13.8 دولاراً عن كل برميل. أما إذا كان السعر 71 دولاراً فإن الرسوم تصبح 28.4 دولاراً. بمعنى أن ارتفاع دولارين فقط في سعر البرميل يقود إلى زيادة الرسوم بمبلغ 14.6 دولاراً. أي أن ارتفاع طفيف في السعر الذي يفترض أن يفضي إلى تحسن الأرباح يؤدي في الواقع إلى خسائر فادحة للمساهمين في الشركة.
2ـ ضريبة الأرباح: انتقلت الأرباح الصافية للشركة من 7.2 مليار دولار في النصف الأول من عام 2016 إلى 33.8 مليار دولار في النصف الأول من عام 2017 (معلومات نادرة نشرتها الشركة مؤخراً). أي بزيادة هائلة قدرها 369%. في حين أن أسعار النفط ارتفعت خلال هذه الفترة من 41 دولاراً للبرميل وإلى 53 دولاراً أي بنسبة 29% فقط.
قد تكون الغاية من نشر هذا الارتفاع الترويج لأهمية الشركة. وقد تكون الأرقام غير دقيقة. ولكن من المؤكد أن الضريبة لعبت دوراً بارزاً. فقد انخفضت نسبتها خلال هذه الفترة من 85% إلى 50%. كلما انخفضت الضريبة ازدادت الأرباح الصافية وبالتالي ارتفعت قيمة الشركة.
استناداً إلى المعلومات أعلاه تبلغ الأرباح السنوية الصافية للشركة 67.6 مليار دولار. أي أن أرباح المساهمين (بعد الخصخصة) التي تعادل 5% من أسهمها تساوي 3.4 مليار دولار في السنة. ولما كان هؤلاء قد دفعوا حوالي 100 مليار دولار لشراء أسهمهم لذا عليهم الانتظار ثلاثين سنة كي تتعادل الأرباح مع مبلغ الشراء. وهذه فترة طويلة جدا. وبالتالي تصبح العملية غير مجدية للمستثمرين الذين سيفضلون أنشطة أخرى بدلاً من شراء أسهم آرامكو. عندئذ وبهدف إنقاذ الخصخصة من الفشل يصبح من الضروري تقليص آخر لنسبة الضريبة. سيترتب على هذا الإجراء هبوط إيرادات الدولة بمبلغ يعادل الأرباح الموزعة على المساهمين.
عقبات الأسواق المالية
بغض النظر عن القيمة الحقيقة لآرامكو لاشك أن خصخصة نسبة من أسهمها وإن كانت متدنية تعني عملية مالية ضخمة جداً بل أضخم عملية في العالم. لذلك تتنافس عليها جميع الأسواق المالية خاصة اليابانية والصينية والبريطانية والأمريكية. ويرفض لغاية الآن المسؤولون السعوديون الإفصاح عن السوق التي ستستقبل شركتهم. ولكن لابد من الإشارة إلى معاناة الرياض من صعوبات جمة في تحديد اختيارها.
* سوق طوكيو: إنها إكبر سوق مالي غير أمريكي في العالم. وتتجلى المشكلة في أن المستثمرين اليابانيين يفضلون الأنشطة الإلكترونية. ولا تلق الاستثمارات الطاقية اهتمامات كبيرة لضعف مردودها المالي. كما أن أسعار موادها غير مستقرة نسبياً.
* سوق هونك كونغ: أجرى السعوديون مباحثات مع بكين بشأن طرح آرامكو في سوقها المالي. ومن المعلوم أن الصين أكبر مستورد للنفط السعودي وبالتالي لها مصلحة خاصة في شراء أسهم آرامكو. كما لا تتطلب هذه السوق شروطاً صعبة التحقيق. لكن تفضيل الصين يثير بالضرورة سخط الأمريكيين في ظروف سياسية وعسكرية تتطلب من السعوديين تلبية الرغبات الأمريكية خاصة في المرحلة الأولى من العقوبات ضد إيران. أضف إلى ذلك أن البيع في السوق الصينية يعني التستر على بعض أنشطة الشركة الأمر الذي قد يؤدي إلى عزوف المستثمرين.
* سوق لندن: وهي أكبر سوق مالي في أوروبا ولها حظ وافر في استقبال آرامكو التي خلقت مشكلة في لندن. فقد وجهت جمعية الاستثمار البريطانية انتقاداً إلى هيئة السلوك المالي المشرفة على السوق. يتضمن مخالفة بيع أسهم ارامكو لقواعد السوق التي تستوجب طرح على الأقل 25% من أسهم أية شركة. وترى الجمعية أن موافقة الهيئة على استقبال آرامكو سوف يمس بالسمعة الدولية المرموقة لسوق لندن. كما ترى صعوبة حماية حقوق المساهمين البريطانيين عندما تسيطر الحكومة السعودية على 95% من آرامكو. وبالتالي سوف تدار الشركة بمعزل عن أرادتهم. في حين ترى الهيئة أن قواعد سوق لندن لم تعد تواكب التطورات ولابد من تعديلها قريباً. ويستحسن إجراء التعديل قبل خصخصة الشركة السعودية.
* سوق نيويورك: أكبر سوق مالي في العالم. ناهيك عن العلاقات السياسية التي تربط واشنطن بالرياض والتي يحاول البلدان تنميتها ومعالجة القضايا العالقة.
كما لا تفرض سوق نيويورك شروطا قاسية كتلك التي تطبقها لندن. إذ يكفي أن يتجاوز رأسمال الشركة المدرجة فيها 400 مليون دولار وأن لا تقل الأسهم القابلة للتداول عن 40 مليون دولار. وهذا الشرط يتوفر في آرامكو بل وفي عدد كبير من الشركات.
لكن عمليات الشركات المدرجة فيها تتمتع بشفافية عالية. الأمر الذي يعني ضرورة أن تكشف آرامكو عن الكثير من المعلومات المحاطة حالياً بالسرية. يترتب على ذلك مخاطر كبيرة قد تفضي إلى إثارة قضايا قضائية ضد السلطات السعودية. كما تستوجب السوق حسابات تم تدقيقها من قبل شركات عالمية معترف بها ولمدة لا تقل عن ثلاث سنوات متتالية. في حين لم تعرض حسابات آرامكو للتدقيق منذ تأسيسها ولحد الآن.
يبدو من خلال المؤشرات عدم تردد الرياض في اختيار نيويورك لأسباب خاصة سياسية. وقد سبق وأن رحب الرئيس الأمريكي وهو ضليع في القضايا التجارية ترحيباً حاراً باستقبال آرامكو في نيويورك. عندئذ لابد من إجراء الترتيبات اللازمة لطمأنة الرياض من عدم مقاضاتها أمام المحاكم الأمريكية لسبب أو لآخر. والبحث عن تبريرات ترتبط بالشروط المحاسبية. وقد يحدث ذلك لقاء امتيازات أخرى تقدمها السعودية كخصخصة نسبة إضافية لآرامكو في نيويورك أو (و) تقليص جديد للضريبة على الأرباح أو (و) زيادة الإنتاج النفطي.
لن تتم خصخصة آرامكو بالسهولة التي كان يتوقعها المسؤولون السعوديون. هنالك عقبات عديدة تؤثر تأثيراً كبيراً على قيم الأسهم وبالتالي على حجم الإيرادات المتوقعة.