أحمد مصبح - الخليج أونلاين-
لا شك أن قرار قطر سحب عضويتها من منظمة الدول المصدّرة للنفط (أوبك) كان بمنزلة أولى العلامات البارزة للتصدّعات التي يعاني منها هيكل هذه المنظمة، خصوصاً في ظل استمرار تفاقم حالة تضارب المصالح، والتي باتت تحكم سياسات عمل المنظمة.
فالمنظمة التي أُسّست في 1960؛ بهدف توحيد السياسات المتعلّقة بسوق النفط، من أجل المساعدة في الاستقرار، وتجنّب الآثار السلبية للتغيّرات الطارئة التي تؤثّر في السوق العالمي للنفط، أصبحت مجرد أداة تستخدمها بعض الدول للتحكّم في سوق النفط.
وبالنظر إلى تفاصيل العوامل المؤثّرة في سوق النفط العالمي، وأبرز اللاعبين فيه، نجد أن هناك العديد من الملاحظات والمؤشرات التي تُثير التساؤلات حول مدى صلابة هذه المنظّمة وحقيقة دورها في تحقيق الأهداف الأساسية التي وُجدت من أجلها، والتي تضع تفسيراً للدوافع وراء قرار انسحاب قطر من المنظمة.
لاعبون أساسيون خارج المنظمة
الولايات المتحدة وروسيا وكندا والصين، أربع دول تصنَّف ضمن أكثر 5 دول منتجة للنفط على مستوى العالم، حيث تنتج قرابة 37% من إجمالي إنتاج النفط العالمي سنوياً، كما أن معظمها ضمن العشرة الكبار عالمياً على الصعيد الاقتصادي.
إضافة إلى ذلك فإن تلك الدول لها دور فاعل على الصعيد السياسي والنفوذ الدولي، ما يعطيها القدرة الحقيقية على تطبيق رؤيتها وسياستها تجاه سوق النفط العالمي، ومع ذلك فإنها ليست ضمن الدول الأعضاء في منظمة أوبك.
وهذا الأمر يثير شكوكاً حول حقيقة جدوى المنظمة، خاصة أن الدول الأعضاء، والبالغ عددها 15 دولة (قبل انسحاب قطر في 3 ديسمبر الجاري) تُنتج قرابة 45% من النفط العالمي، إلا أن معظمها دول فقيرة وتعاني على صعيد المؤشرات الاقتصادية.
كما أن أنظمة هذه الدول تعتمد بصورة شبه كاملة على إيرادات النفط، دون وجود تنوّع حقيقي في مواردها واقتصاداتها، فضلاً عن انعدام التأثير الإقليمي والدولي لتلك الدول.
السعودية والسيطرة الأمريكية
تعتبر السعودية واحدة من الدول البارزة في سوق النفط العالمي، وأكثر دول المنظّمة إنتاجاً له، فهي وحدها تُنتج قرابة 13% من إنتاج النفط العالمي سنوياً، كما أنها واحدة من أكثر الدول التي تعاني من عدم تنوّع اقتصادها.
حيث يعتبر قطاع النفط هو المحرك الرئيسي للاقتصاد السعودي، ومن ثم فإن أي تغيّرات تحدث في أسعار النفط تنعكس بصورة مباشرة على المملكة التي تعاني حالياً من مشاكل اقتصادية داخلية.
ولكن تكمن المعضلة الحقيقية في سيطرة الإدارة الأمريكية على القرار السعودي فيما يتعلّق بسوق النفط وكميات الإنتاج؛ بما يخدم مصالح الولايات المتحدة أولاً، والرئيس الأمريكي دونالد ترامب في انتخابات الكونغرس (الماضية) ثانياً.
وهذا ما بدا واضحاً في الأشهر الأخيرة، خصوصاً بعد التصريحات العلنية للرئيس الأمريكي، التي مارس من خلالها ضغوطات على السعودية بضرورة خفض أسعار النفط ورفع كميات الإنتاج، الأمر الذي يضرّ بمصالح الدول الأعضاء بالمنظّمة.
وكان الرئيس الأمريكي قد طلب من دول المنظمة (أوبك) خفض أسعار الخام، قائلاً إن بلاده توفّر الأمن لدول الشرق الأوسط المنتجة للنفط، بينما تقوم هذه الدول بدفع الأسعار للارتفاع.
تضارب سياسات الدول الأعضاء
إضافة إلى الأسباب السابقة، تُعتبر حالة عدم التوافق التي تعاني منها الدول الأعضاء في المنظمة فيما يخصّ السياسات الإصلاحية المتعلّقة بسوق النفط، من أهم العقبات التي تهدّد بقاء المنظمة، حيث أشار العديد من التقارير إلى وجود مشاكل داخلية بين الدول الأعضاء.
فمثلاً توجد كتلتان حالياً داخل المنظمة؛ الأولى تضمّ فنزويلا والإكوادور والجزائر، التي تدعو إلى الالتزام بالحصص المقرّرة ورفع أسعار النفط في أسواق النفط.
أما الكتلة الثانية فتضم المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة، التي تصرّ على ضرورة إغراق الأسواق بالنفط بهدف خفض سعره.
الفشل الاقتصادي للدول الأعضاء
كما ساهمت حالة عدم الاستقرار السياسي، وتدهور المؤشرات الاقتصادية في معظم الدول الأعضاء بالمنظمة، في إضعاف موقفها كلاعب مؤثر في سوق النفط العالمي.
فالعراق وليبيا ونيجيريا دول تعاني نزاعات مسلّحة وحالة واضحة من عدم الاستقرار السياسي، كما تعاني فنزويلا من شبه انهيار للمؤشرات الاقتصادية، إضافة إلى عودة العقوبات على إيران وتداعيتها على سوق النفط العالمي.