كريستيان أولريخسن- نيويورك تايمز- ترجمة شادي خليفة -
كان التصريح المفاجئ لدولة قطر حول مغادرة "أوبك" في الأول من يناير/كانون الثاني ردا استراتيجيا من قبل البلاد على مشهد الطاقة المتغير، ومقاطعة قطر المستمرة منذ 18 شهرا من قبل المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والبحرين، ومصر.
ويعد القرار القطري تذكيرا بالتوترات الإقليمية الناشئة عن تحركات السعودية، بقيادة ولي العهد "محمد بن سلمان".
ولم تقتصر تداعيات الخلاف الخليجي على "أوبك"، لكن المشهد امتد إلى مجلس التعاون الخليجي الذي تنتمي إليه قطر و3 من الدول المحاصرة لها، والذي عقدت قمته السنوية يوم الأحد.
ولم يحضر أمير قطر "تميم بن حمد آل ثاني" قمة المجلس، وأرسل وفدا أقل رتبة بدلا منه، كما تحتفظ الكويت وعُمان بتحفظات حول المحور المتشدد الذي تشكله السعودية والإمارات، وسوف يتابعان تداعيات قرار قطر عن كثب.
ولم تناقش قمة المجلس حصار قطر كما لو أن الصدع الخليجي صار أمرا محسوما، وربما غير قابل للحل، مع تمسك قطر بموقفها وعدم رغبة السعودية والإمارات في البدء بتقديم تنازلات.
ومن خلال كونها أول دولة خليجية غنية بالطاقة تنسحب من "أوبك"، أشارت قطر إلى عدم توافقها مع منظمة يُنظر إليها على أنها عرضة للتدخل السعودي المتزايد.
وتجلت التدخلات السعودية بشكل واضح خلال اجتماع أبريل/نيسان عام 2016 في الدوحة عندما تدخّل الأمير "محمد بن سلمان"، ولي ولي العهد آنذاك، لإحباط اتفاق إنتاج بين أوبك والدول غير الأعضاء في الأوبك.
وكان الأمير "تميم" يعمل بجد لتأمين الاتفاقية ليرد السعوديون بالضغط على قطر لمنع دعوة إيران إلى الاجتماع وهو ما أدى لفشله في نهاية المطاف.
ويعتمد قرار قطر بالانسحاب من "أوبك" على قرارين سابقين تم اتخاذهما قبل وبعد قيام السعودية وحلفائها بقطع العلاقات مع قطر وفرض حصار عليها في يونيو/حزيران الماضي.
وفي أبريل/نيسان 2017، قررت قطر زيادة إنتاجها من الغاز الطبيعي بنسبة 43% لتصل إلى 110 ملايين طن سنويا، كما استجابت القيادة القطرية لمحاولة عزل قطر من خلال عقد مجموعة من اتفاقيات الغاز الطبيعي طويلة الأجل مع شركاء في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الصين واليابان وبريطانيا، لإثبات أن قطر لا تزال مفتوحة على العمل مع العالم.
واتخذت قطر قرارا استراتيجيا بتوجيه الموارد الوطنية نحو الغاز، بدلا من النفط، باعتباره العمود الفقري لسياستها في مجال الطاقة.
ومنذ أن اكتشفت البلاد النفط عام 1939، بعد عام من السعودية والكويت، وانضمت إلى منظمة "أوبك" عام 1961، فإنها لم تصبح أبدا لاعبا رئيسيا في أسواق النفط العالمية، لأن صادراتها النفطية ظلت محدودة وفقا لمعايير الخليج العربي.
وفي السبعينات، اكتشفت قطر كميات هائلة من الغاز الطبيعي في حقل الشمال البحري، الذي يمتد على طول الحدود البحرية بين قطر وإيران، ووقع الجزء الأكبر من الحقل في المياه القطرية، ويظل حقل الشمال أكبر حقل غاز في العالم، مع أكثر من 130 عاما من الاحتياطات بمعدلات إنتاجية تبلغ 77 مليون طن سنويا في العام.
ومنذ أوائل التسعينات، استثمرت قطر بكثافة في إنشاء البنية التحتية لتصدير الغاز الطبيعي المسال، وبحلول عام 2007، كانت قطر أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم، حيث بلغ معدل الإنتاج في عام 2010 حوالي 77 مليون طن سنويا.
وعلى النقيض من ذلك، ببلغ متوسط إنتاجها من النفط 607 آلاف برميل يوميا عام 2017، وهو ما يقل عن 2% من إجمالي إنتاج "أوبك".
وفي أبريل/نيسان 2017، رفعت قطر للبترول حظرا اختياريا كانت قد فرضته على تطوير موارد الغاز الطبيعي لديها، وجاء قرار الإمارة بزيادة الطاقة الإنتاجية للغاز الطبيعي قبل شهرين من المحاولة التي قادتها السعودية لعزل قطر في يونيو/حزيران الماضي.
وخلال الحصار المستمر الذي دام 18 شهرا، واصلت قطر تزويد الإمارات بالغاز الطبيعي من خلال خط أنابيب يوفر ربع الطلب اليومي على الغاز من الإمارات.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني، قبل شهر من إعلان خروج قطر من منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك"، قامت الدوحة بتعيين "سعد شريدة الكعبي"، الرئيس التنفيذي السابق لشركة قطر للبترول، وزيرا للدولة لشؤون الطاقة، وهي محفظة جديدة حلت محل وزارة الطاقة والصناعة.
وخلال فترة عمله في "قطر للبترول"، كان "الكعبي" هو من قرر وقف إنتاج الغاز في حقل الشمال، وفي منصبه الوزاري الجديد، تم تكليف "الكعبي" من قبل الأمير "تميم" بالإشراف على المرحلة التالية في تطوير الغاز في قطر.
وتشمل الخطط استثمارات لتعزيز الإنتاج، وشراكات دولية تهدف إلى تعزيز مكانة البلد كمورد رائد للغاز الطبيعي المسال في العالم.
وبعد أن أظهر القطريون قدرتهم على الصمود في وجه الحصار الذي تفرضه السعودية، يبدو أن القطريين يشيرون إلى عزمهم مغادرة منظمة "أوبك" لممارسة أسلوبهم الخاص في أسواق الغاز العالمية.
وقد تم الإعلان عن صفقة جديدة لتوريد الغاز الطبيعي المسال إلى بريطانيا، التي تستقبل ما يقرب من ثلث إمداداتها من الغاز من قطر، مع دخول الحصار حيز التنفيذ في يونيو/حزيران الماضي.
وفي سبتمبر/أيلول، وقعت قطر للغاز اتفاقية مدتها 22 عاما لتزويد شركة "بتروتشاينا" الحكومية الصينية بـ3.4 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال سنويا، حتى عام 2040.
وقد عززت هذه الصفقات، إلى جانب التزام قطر بدفعات الغاز الطبيعي لصالح الإمارات حتى بعد الحصار في تصوير قطر كشريك موثوق في الطاقة وعضو مسؤول في المجتمع الدولي.
وبالتالي، يتفق قرار قطر بالانسحاب من منظمة "أوبك" مع التطور الاستراتيجي لمصالحها في مجال الطاقة، حيث ترغب في لعب دورها كقوة غاز عظمى، ويتناسب مع الخطط الحالية لرفع مستوى البنية التحتية والقدرة الإنتاجية للغاز الطبيعي المسال.
ومن المنطقي أن تركز قطر على القطاع الذي تمتلك فيه أكثر من 30% من حصة السوق العالمية أكثر من تركيزها على إنتاجها النفطي الأصغر.
ومن خلال تعزيز استقلالها عن جيرانها في الخليج العربي، تمثل هذه الخطوة مثالا على فشل الحصار الذي حدث عام 2017 لإجبار قطر على "قصقصة" جناحيها والعودة إلى حظيرة إقليمية تقودها السعودية.
ومع عدم رغبة المملكة العربية السعودية ولا الإمارات العربية المتحدة في التراجع أو الاعتراف بالهزيمة، فإن الصدع الخليجي يعيد تشكيل الشراكات الإقليمية والمؤسسية، ويزيد من درجات الانفصال بين أطراف النزاع.