عبدالحافظ الصاوي- البيت الخليجي-
بهدف تحسين وضع السعودية على المؤشر العالمي لشفافية الموازنة، اتخذت وزارة المالية السعودية عدة خطوات خلال عام 2018، منها إصدار تقارير ربع سنوية عن أداء الميزانية العامة للدولة، وتقديم مجموعة من الإصدارات تخص ميزانية 2019 نشرت على موقع الوزارة، منها البيان التمهيدي للميزانية، ونسخة المواطن.
من شأن هذه الإصدارات أن تحسن من وضع السعودية على تصنيف المؤشر، لكن يلاحظ أنها لا تقدم بيانات جديدة، بخلاف ما يقدمه بيان الميزانية، كما أنها نشرت متأخرة، ولا تعطي المواطن الحق في مناقشة أو تعديل الميزانية.
اتسمت ميزانية 2019 بزيادة قيمة كل من الإيرادات والنفقات المقدرة عما كان عليه الوضع في 2018، فبلغت قيمة الإيرادات 975 مليار ريال (260 مليار دولار) كما بلغت قيمة النفقات 1106 مليار ريال (294.9 مليار دولار).
وبذلك يكون العجز بحدود 131 مليار ريال، بتراجع نحو 5 مليارات ريال عما هو متوقع في نهاية 2018 عند 136 مليار ريال، وقدر العجز بميزانية 2019 بنسبة 4.2% من قيمة الناتج المحلي الإجمالي.
وبلا شك أن تراجع العجز في الميزانية بات واضحًا، عند مقارنته بالمعدلات التي تلت عام 2015، ففي عام 2017 كان عجز الميزانية بحدود نسبة 9.3%، وتراجعه في 2019 بنحو 5 نقاط، يعود بشكل رئيس إلى تحسن أسعار النفط في عام 2018، ولكن ثمة مخاوف أن يزيد العجز في 2019، عما هو مقدر بسبب التراجع الشديد الذي تشهده أسعار النفط، التي اقتربت من 50 دولار للبرميل تقريبًا.
تحليل النفقات
يشير بيان الميزانية إلى أن النفقات التشغيلية تمثل الجانب الأكبر من نفقات 2019، حيث بلغت 860 مليار ريال، وبما يمثل 77.8%، بينما تمثل النفقات الاستثمارية 246 مليار ريال، وبما يعادل 22%. ومع ملاحظة أن النفقات التشغيلية تستحوذ على نصيب الأسد، إلا أن ذلك يتنافي مع توجهات الدولة السعودية، والتي تتجه لتخلي الدولة عن النشاط الاقتصادي، وترك مساحات واسعة للقطاع الخاص.
فمثلًا، تستحوذ المخصصات بشأن الرواتب والأجور على الجانب الأكبر من النفقات التشغيلية، حيث قدرت بنحو 456 مليار ريال، وهو ما يعادل نسبة 53% من إجمالي النفقات التشغيلية، ونسبة 41.2% من إجمالي الإنفاق العام. وذلك على الرغم من أنه تم تخفيض مخصصات الرواتب في 2019 عما هو مقدر في 2018 بنحو 18 مليار ريال.
وفي ظل الحالة السياسية التي تمر بها السعودية، لا يتوقع أن يشهد بند الرواتب والأجور أية تخفيضات، بل المتوقع العكس من ذلك، أن تزيد هذه المخصصات، وهو ما برهن عليه القرار الملكي باستمرار مخصصات غلاء المعيشة لكافة العاملين في القطاع الحكومي والمحالين بالمعاش، والذين يحصلون على الضمان الاجتماعي.
وبقاء مخصصات الرواتب عند هذه النسبة من الإنفاق العام أو التسغيلي، يتنافي مع توجهات رؤية 2030، أو السير مع توصيات صندوق النقد الدولي، بتخفيض العاملين بالقطاع الحكومي، أو تخفيض مخصصات الرواتب بالميزانية.
وثمة ملاحظة مهمة تتعلق بالإنفاق الاستثماري بالميزانية، والذي يمثل 22% من الإنفاق الإجمالي، أن الانفاق الاستثماري، حسبما أشار بيان الميزانية، لا يمثل قيمة مضافة للاقتصاد السعودي، حيث إن معظمه موجه لمشاريع البنية الأساسية الخاصة بمشروعات رؤية 2030، أو مشروعات إسكانية وعقارية، وبالتالي لن يتحقق تحسن نوعي في الناتج المحلي السعودي، ويظل الاقتصاد يعاني من غياب دور واضح للصناعة أو إنتاج التكنولوجيا.
ومن الواجب أن تعيد السعودية حساباتها بشأن الإنفاق الاستثماري، من حيث التوجه لنوعية المشروعات التي تعمل على تقوية قطاع الصناعة وإنتاج التكنولوجيا، وكون صانع السياسة الاقتصادية يركز على قيام القطاع الخاص بهذه المهمة، فهذا ضرب من الخيال، نظرًا لضعف بنية القطاع الخاص السعودي.
تحليل الإيرادات
بلغت الإيرادات الضريبة المقدرة لعام 2019 نحو 183 مليار ريال، وبما يمثل 18.7% من إجمالي الإيرادات العامة المقدرة بـ 975 مليار ريال. وبذلك تكون الإيرادات الأخرى، والتي تمثل الإيرادات النفطية بشكل رئيس هي صاحبة النصيب الأكبر في إجمالي الإيرادات حيث بلغت 791 مليار ريال، وبما يمثل 81.1% من إجمالي الإيرادات العامة.
وبذلك لا تحمل ميزانية 2019 جديدًا في هيكل الإيرادات العامة، حيث لايزال النفط هو المصدر الرئيس لإيرادات الميزانية، وأن حصة الإيرادات الضريبية، ضعيفة، وهي نتيجة طبيعية لضعف القطاع الاقتصادي غير النفطي في البلاد.
نعم هناك توجه لدى صانع السياسة المالية بزيادة الإيرادات الضريبية خلال المرحلة المقبلة، حيث بدأت السعودية في تطبيق ضريبة القيمة المضافة مع بداية 2018، ثم ما عرف بالضرائب الانتقائية على بعض السلع مثل التبغ والمشروبات الغازية، والرسوم على الوافدين.
إلا أنه يلاحظ أن بند الضرائب على السلع والخدمات يشهد ارتفاعًا ملحوظًا في ميزانية 2019، حيث قدرت الضرائب بهذا البند بـ 132 مليار ريال، بزيادة قدرها 19 مليار ريال عما هو متوقع تحصيله بنهاية 2018.
كما يلاحظ كذلك وجود التوجه الواضح لصانع السياسة المالية بالاعتماد على الديون في تمويل عجز الميزانية، حيث قدرت الديون المخطط الحصول عليها في 2019 بـ 118 مليار ريال، ليرتفع الدين العام بنهاية 2019 إلى 978 مليار ريال، بينما بلغ حسب تقديرات 2018 بنحو 560 مليار ريال.
المخاطر المتوقعة
من أبرز المخاطر التي تهدد الميزانية السعودية، اعتمادها على الإيرادات النفطية، والتي تم تقديرها في ضوء أسعار النفط في المتوسط على ما كانت عليه في 2018، وهو أمر غير مقبول في ضوء تراجع أسعار النفط بالسوق الدولية، والتي يتوقع لها أن تستمر عند الأسعار المنخفضة بمتوسط يتراوح ما بين 50 دولار- 55 دولاراً على الأقل خلال النصف الأول من 2019، إن لم تشهد انخفاضات أخرى.
كما أن التوقعات بتحسن أسعار النفط تذهب لحدوث ذلك بالنصف الثاني 2019، ولكن هل سيكون هذا التحسن مؤديًا إلى تحقيق توازن بالميزانية السعودية أو تحول عجزها إلى فائض؟ شواهد الصراع العالمي في سوق النفط تذهب إلى غير ذلك، في ظل رغبة ترامب أن تظل أسعار النفط عند سقفها المنخفض.
غياب المشاركة
المفترض أن الميزانية تعبر عن تطلعات المجتمع، ولذلك تحرص العديد من الدول على مشاركة مجتمع الأعمال والمجتمع المدني، في إعداد ومناقشة ومراقبة الميزانية، ولكن طبيعة النظام السياسي في المملكة العربية السعودية تحول دون ذلك.
وتتأخر الحكومة السعودية بشكل دائم في الإعلان عن مشروع الميزانية، إلى قبل بداية العام المالي بعدة أيام، ثم أن الأمر لا يستلزم أكثر من تقديم مشروع الميزانية من قبل الحكومة للملك ليعتمدها، دون وجود دور لمجلس تشريعي ورقابي.
حتى أن القارئ لبيان الميزانية يلاحظ أن من أعدوه لا يعبأون بمراجعة أو مناقشة، والدليل على ذلك ما جاء في عرض مخصصات قطاع التعليم، حيث ذكر البيان ما يلي “إضافــة إلــى مخصــص مبــادرات برنامــج تنميـة القـدرات البشـرية الـذي سـيتم إلاعلان عـن تفاصيلـه لاحقـا”، فهل يعقل أن يمرر بيان يخص الميزانية يتضمن برنامجًا مجهولًا، وسوف تدرج له مخصصات خلال العام القادم؟ المفترض أن كافة المشروعات المدرجة بالميزانية يتم عرضها من خلال الخطة، أو على الأقل تذكر بشئ من الإيجاز.