العربي الجديد-
غسل أموال، وملاذ للتهرب الضريبي، هكذا أضحت العديد من الكيانات الدولية والمؤسسات المالية في العالم، تنظر إلى الإمارات العربية المتحدة، وتضعها ضمن قوائم سوداء تضم جزراً ظلت لسنوات ماضية مرتعاً للأموال المشبوهة ونقل ثروات الشعوب المنهوبة من قبل أنظمة فاسدة حول العالم، لا سيما في أفريقيا والمنطقة العربية.
مساء الثلاثاء الماضي، كشف مسؤول في الاتحاد الأوروبي، في تصريح لوكالة رويترز، عن أن الاتحاد أضاف 10 دول ومناطق إلى مسودة قائمة سوداء للملاذات الضريبية، من بينها الإمارات، ما يزيد عدد الدول المدرجة على القائمة إلى ثلاثة أمثال.
وتتضمّن القائمة الحالية خمس مناطق، هي جزيرة ساموا في مياه المحيط الهادئ، وجمهورية ترينيداد وتوباغو جنوب البحر الكاريبي قرب فنزويلا، بالإضافة إلى ثلاث مناطق تابعة للولايات المتحدة، وهي ساموا الأميركية وجوام والجزر العذراء.
وقال المسؤول إن مسودة القائمة الجديدة توسّعت لتضم 15 منطقة ودولة، من بينها الإمارات وسلطنة عُمان ومنطقة برمودا البريطانية وجزر أخرى في الكاريبي والمحيط الهادئ، إذ تقرر عقد اجتماع للتأكيد على القائمة النهائية.
وقال الاتحاد الأوروبي، على موقعه الإلكتروني، إن قائمة الملاذات الضريبية هي جزء من عمل الاتحاد لمكافحة التهرب من الضرائب، وتهدف إلى خلق رادع أقوى للدول التي ترفض باستمرار ممارسة العدالة في المسائل الضريبية.
وتقوم دول الملاذ الضريبي، وفق المؤسسات المالية الدولية، باتباع إجراءات مصرفية في الغالب، تساعد عملاءها الأجانب على التهرب من دفع الضرائب في بلادهم الأصلية، ما يقدم إغراءات للأفراد أو الشركات للانتقال إلى هذه الدول والمناطق حول العالم.
وتمنح هذه الملاذات التي توصف بـ"الجنان الضريبية" حماية وحصانة للأثرياء من ملاحقات محققي ومحصلي الضرائب الدوليين، إذ يصعب على هؤلاء متابعة أموال الأثرياء، التي يمكن أن تكون خاضعة لضرائب كبيرة في بلدانهم الأصلية.
ومن الشائع الحصول على إقامة في الإمارات، وإنشاء شركة هناك واستخدام ضريبة المقيم، التي تأتي معها لمنع تدفق المعلومات إلى السلطات الضريبية في أماكن أخرى.
وذكرت مجلة "إيكونوميست" البريطانية في عددها الصادر في سبتمبر/ أيلول الماضي أن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، التي تتكون من مجموعة من البلدان المتقدمة التي تقبل مبادئ الديمقراطية التمثيلية واقتصاد السوق الحر، تشعر بالقلق من إمكانيات التهرب الضريبي في الإمارات.
وقال باسكال سانت أمانز، رئيس مجموعة الضرائب في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، إن الإمارات مصدر قلق، مؤكداً أنها لم تكن نشطة في الحد من الانتهاكات.
لكن وزارة المالية الإماراتية ردّت آنذاك بأنها "ملتزمة بتنفيذ المعايير الاقتصادية الدولية إلى أعلى مستويات الشفافية"، وهي" تعمل بنشاط مع المجتمع الدولي" بشأن تبادل البيانات.
ومن المنتظر أن تكشف المنظمة عن بعض السياسات الجديدة هذا العام، وفق سانت أمانز، منها إلزام البنوك بإجراءات أكثر صرامة للكشف عن معاملات أي شخص يزعم أنه مقيم في بلاد مختلفة.
ولا تقتصر الاتهامات للإمارات على مساعدة الأثرياء في العالم على التهرب الضريبي، وإنما أيضاً غسل الأموال. فقد أشار تقرير صادر عن وزارة الخارجية الأميركية في مارس/ آذار 2017 إلى تصنيف الإمارات ضمن "البلدان الرئيسية في مجال غسل الأموال".
وأشار التقرير إلى أن هذا التصنيف يطاول أي بلد "مؤسساته المالية تنخرط في معاملات نقدية تنطوي على مبالغ كبيرة من العائدات المتأتية من الاتجار الدولي بالمخدرات"، والإمارات هي البلد الخليجي الوحيد الذي دخل ضمن هذا التصنيف آنذاك.
كما أن نقاط الضعف الأخرى لغسل الأموال في الإمارات، تشمل القطاع العقاري، وإساءة استخدام تجارة الذهب والماس الدولية، وفق الخارجية الأميركية.
وتحت عنوان "الجانب المظلم من دبي"، نشرت صحيفة "ذا غارديان" البريطانية في 2010 تقريراً مطولاً عن عمليات غسل الأموال في دبي. وتملك عقارات دبي سمعة سيئة كواجهة لغسل الأموال، حيث يتم شراء الشقق من قبل كيانات غير معروفة لا تعيش فيها.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، ذكرت تقارير نيجيرية أن الحكومة المحلية بدأت فعلياً في تعقب أموالها المنهوبة التي سرقها مسؤولون سابقون وأعوانهم وأخفوها في شراكات تجارية وحسابات مصرفية وصفقات عقارية في دبي، والتي يقدرها بعضهم بمئات مليارات الدولارات، مشيرة إلى أن الرئيس النيجيري، محمد بخاري، قد زار الإمارات في أغسطس/ آب الماضي لبحث هذه القضية.
لكن الإمارات قالت في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي إنها أصدرت مرسوماً بقانون اتحادي لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، مع سعيها لجعل قوانينها تتماشى مع المعايير الدولية ذات الصلة بمكافحة تدفق الأموال غير المشروعة.
وجاءت هذه الخطوة بعد بضعة أشهر من إعلان وزارة الخزانة الأميركية أنها نجحت في تفكيك شبكة لصرف العملة داخل الإمارات كانت تنقل ملايين الدولارات إلى فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني.
ويرى محللون أن مخاوف المؤسسات الدولية تتزايد من فتح الإمارات الباب بشكل أكبر خلال الفترة المقبلة لعمليات غسل الأموال وتهرب الأثرياء حول العالم ضريبياً، للخروج من مأزق الانكماش الاقتصادي الناجم عن الركود العقاري وتباطؤ مختلف الأنشطة الاقتصادية.
وكشفت بيانات رسمية عن دخول الاقتصاد الإماراتي في مرحلة ركود، ما ينذر بتعرض القطاعات المختلفة لمزيد من الضغوط، بينما بدأت حالات التعثر المالي تربك الشركات والبنوك على حد سواء خلال الأشهر الماضية.
وأظهر تقرير صادر عن الهيئة الاتحادية للتنافسية والإحصاء أن معدّل التضخم دخل النطاق السالب على أساس سنوي، مسجلاً 2.39% خلال يناير/ كانون الثاني الماضي. ويأتي تسجيل التضخم معدلات سلبية لأول مرة منذ عام 2017، وفق البيانات المتاحة من الهيئة الاتحادية، أوردتها وكالة الأناضول، يوم الإثنين.
والتضخم بالسالب يشير وفق تصنيف المؤسسات المالية الدولية، ومنها صندوق النقد الدولي، إلى تراجع النشاط الاقتصادي وتراجع الائتمان بسبب انخفاض المعروض النقدي، ما يؤثر بشكل ملحوظ على الإنتاج ويدفع للركود ويزيد من معدلات البطالة والتعثر المالي.
وكانت وكالة بلومبيرغ الأميركية قد ذكرت في تقرير لها في يناير/ كانون الثاني الماضي أن بنوك الإمارات تتصدّع من جراء ارتفاع معدلات التعثر، مع ارتفاع أسعار الفائدة، وتراجع أسعار العقارات، وتضرر الشركات الصغيرة والمتوسطة، في ظل التراجع الاقتصادي للدولة.
وحسب تقرير صدر عن وكالة "نايت فرانك"، كبرى وكالات العقارات العالمية، التي يوجد مقرها في لندن، فقد انخفضت أسعار العقارات في إمارة دبي بنسبة 25% منذ عام 2015.
وأشار التقرير، الذي نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" جزءاً منه في منتصف فبراير/ شباط الماضي، إلى أن بريق دبي التي كانت في السابق من أهم مراكز الجذب العقاري في العالم، خاصة بالنسبة للأثرياء، بدأ يخفت، في الآونة الأخيرة. وحسب الوكالة، فإن دبي كانت المدينة الأسوأ أداءً من حيث أسعار العقارات، خلال العامين الماضيين.
ومن بين العوامل العديدة التي أشارت إليها وكالة "نايت فرانك" انخفاض أسعار النفط، والاضطراب السياسي في المنطقة العربية.
لكن هناك عوامل مهمة أخرى، من بينها خسارة إمارة دبي للاستثمارات العقارية التي كانت تتدفق عليها من أثرياء السعودية، إذ أسهمت الهجمة الشرسة من قبل ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، على الأثرياء في المملكة، تحت ما يسميه حملة "مكافحة الفساد"، في تجميد الثروات السعودية ومخاوف الأثرياء من الاستثمار في دبي، خاصة أن القيادة السياسية في الإمارات تربطها علاقات قوية مع بن سلمان.