احمد شوقي- خاص راصد الخليج-
يتفق الباحثون الاقتصاديون على اهمية الاستثمار الخارجي، سواء للدول الناشئة التي يتم الاستثمار بها، ام الدول الغنية التي تمارس الاستثمار، وقد عدد الباحثون فوائد للدول المستثمرة، منها، تسهيل وصول المستثمرين إلى الأسواق الخارجية والتغلب على بعض العوامل (كالحواجز الجمركية، وتكاليف النقل) التي تؤثر على القدرة التنافسية للصادرات، والاستفادة من الفروق في تكاليف عوامل الإنتاج بين البلدان، ونحو ذلك.
ولكن بنظرة على الاستثمارات الخليجية، فاننا نرى لها جوانب انتقائية، كما انها موجهة سياسيا، وتمارس سياسة العصا والجزرة.
كما انها اثرت على الاستثمار الداخلي، فلم نر قواعد انتاجية تستطيع خلق اقتصاد انتاجي، بديلا عن الاقتصاد الريعي، والذي تؤكد الاحداث هشاشته، عند كل ازمة عالمية.
ناهيك عن هروب رؤوس المال الخليجية من الاستثمار بالداخل، وقد كشفت تقارير إعلامية متخصصة عن هروب جماعي لرؤوس أموال السعوديين من بلادهم.
ففي شهر نوفمبر 2018، توقّع بنك "جيه بي مورغان" (أمريكي متعدد الجنسيات للخدمات المالية المصرفية) أن تصل تدفقات رؤوس الأموال إلى خارج السعودية خلال 2018، إلى 90 مليار دولار، كما توقّع تزايد حجم الأموال التي ستهرب من المملكة خلال 2019.
وحسب التقارير الغربية، فإن رجال المال في السعودية باتوا يخفون ثرواتهم ولا يشاركون في تمويل أية مشاريع بالسعودية، منذ حملة اعتقال الأمراء وكبار رجال الأعمال بفندق "ريتز كارلتون" تحت اسم "محاربة الفساد" في نوفمبر 2017، والتي نفذها بن سلمان وجمع من خلالها أكثر من 100 مليار دولار تحت التهديد والتعذيب.
كما يرى الاقتصاديون ان السياسة الاقتصادية القائمة على فرض الضرائب، تسببت بصورة غير مباشرة، في هروب المستثمرين، لأن تبنّي السياسات الضريبية الجديدة من تبعاته فرض أعباء إضافية على المواطنين وعلى أرباب العمل على حد سواء.
وهنا تدخل دول الخليج في حلقة مفرغة مفادها، ان الاعتماد على النفط واسعاره، يجبرها على زيادة الضرائب لوقف نزيف عجز الموازنة حال انخفاض اسعار النفط، وبالتالي تضاؤل الاستثمار الداخلي، والوصول لمزيد من العجز.
كما ان من الملاحظ ان الاستثمارات الخليجية بالخارج تركز على ثلاثة قطاعات، هي العقارات والطاقة والسياحة، وهي قطاعات غير صناعية، وهو ما يجعل هناك اتهامات للخليج بأنها تعمل تحت مظلة اهداف منظمات العولمة كصندوق النقد الدولي، وتجعل من الدول فريسة للصندوق وعرضة للابتزاز الدائم لعجز هذه الدول عن خلق اقتصادات انتاجية قوية بحكم الاستسلام لاقتصاد الريع.
هنا يمكننا وضع ايدينا على موطن الخلل، وهو غياب الرؤى السياسية والاقتصادية، فمن عجز عن خلق اقتصاد تنموي لا يعتمد على بند وحيد يمكن ان تشكل اي هزات به هزات داخلية خطيرة، الى غياب رؤى الاستثمار الداخلي، وكذلك استغلال الاستثمار الخارجي لخلق نفوذ سياسي دون ضوابط، فهو مساعدة على اقتصاد ريعي في الدول الاخرى، وهو ما تستطيع اي دول اخرى غربية عمله وبالتالي لا يعد رابطا سياسيا جذريا، كما انه في حال الازمة الخليجية والخلاف القطري السعودي، اثبت فشله، حيث وقفت الدول على الحياد لان قطر والسعودية يمارسان هذا النوع من الاستثمار، وبالتالي فقد اي فاعلية سياسية.
ان الخليج بحاجة لوقفة اقتصادية تعمل بالتوازي على اعادة بناء الاقتصاد الوطني من جهة، وتوظيف الاستثمارات الخارجية بما يعود بالنفع على الداخل وعلى الدول الاخرى وان يكون المردود السياسي لهذا الاستثمار مضمونا، وهو ما يقود الى صياغة اهداف سياسية مشروعة تخدم قضايا الامة، وتكون نوعا من التكامل الاقتصادي، لتتمايز عن السياسات الاستعمارية.
ان الخليج بحاجة الى سياسة استثمار لا استعمار.