أحمد شوقي- راصد الخليج-
لا تزال سياسة الاستثمار الخليجية محل تساؤلات عن طبيعة أهدافها ومدى ما تجنيه من مصالح استراتيجية وسياسية واقتصادية سواء للخليج او للدول محل هذه الاستثمارات.
فالاستثمار له اهداف، وقد يكون بدافع اقتصادي بحت، ومن قبيل الإفادة والاستفادة، وقد يكون بدافع المساعدة للأشقاء، وهذا النوع الثاني هو استثمار سياسي واستراتيجي قبل ان يكون استثمارا اقتصاديا، كما يجب ان تحرك هذا النوع من الاستثمار دوافع أخوية واخلاقية، وايضا دوافع تتعلق بالرؤية السياسية الشاملة للأمن القومي.
هناك سياسات ايضا تميزت بها دول الخليج عقب الطفرة النفطية، وهي سياسة الإقراض والمساعدات، وهذا النوع ينضم للجانب الاستثماري الخاص بالمساعدات، وهو ما سنحاول القاء الضوء عليه ومناقشته باختصار في هذا المقال:
الجانب الاستثماري المتعلق بالمساعدة والتعاون، وكذلك سياسة الإقراض والمساعدات، وكما تقدم، لا بد وان تخضع لرؤية شاملة للأمن القومي ولا بد وأن تتميز بدوافع مختلفة عن الاستثمار التقليدي والذي يتحرى المنفعة فقط.
وهنا يبرز تساؤل هام حول دوافع الخليج من المساعدات، ولعل نموذج الاستثمار والمساعدات لمصر يشكل نموذجا كاشفا لهذه الدوافع، ومقدار الخلل في الرؤية الاقتصادية والسياسية، وذلك يمكن استكشافه عبر النقاط التالية:
1- تقول التقارير أن الدعم الخليجي لمصر منذ 2011 وصل الى 92 مليار دولار، وأن السعودية والإمارات أبرز المانحين، وهو رقم ضخم بالمعيار الاقتصادي، حيث يكفي لإنشاء قاعدة صناعية كبرى بمصر تحقق لها اكتفاء ذاتيا، وتغنيها عن الحلقة المفرغة من الاستدانة والتي وصلت معها ديون مصر لأرقام مفزعة.
الا ان اغلب الأموال كانت على هيئة ودائع وقروض لسد عجز الموازنة وترميم الاحتياطي النقدي، ولم تكن موظفة لتدشين هياكل اقتصادية للتنمية المستقلة.
وجاءت السعودية على رأس قائمة المانحين الخليجيين، حيث قدمت نحو 5 ودائع للنظام المصري الحالي، بقيمة إجمالية 8 مليارات دولار.
وبالنظر للملابسات، فإننا نرى ان المساعدات كانت لأغراض سياسية، فعندما أعلنت السعودية عن تشكيل ما يسمى بـ"التحالف الإسلامي العسكري"، وانضمام مصر له، اقترن ذلك بالإعلان أيضا عن زيادة استثماراتها في مصر من 6 إلى أكثر من 8 مليارات دولار، والإسهام في توفير احتياجات مصر من البترول لمدة خمس سنوات!
كما نتذكر تأخر الإمداد بالمواد البترولية عن بروز بعض الخلافات والتمايزات في السياسة الخارجية!
2- تكشف ارقام الدول المانحة أن هناك ارتباطا وتلازما شرطيا بين المنح والنفوذ، فكما تقول التقارير، تتصدر السعودية والإمارات الدول الخليجية المانحة لمصر، تليها الكويت وعمان والبحرين وقطر، وتورد "أرامكو" 700 ألف طن من المشتقات البترولية لمصر شهريا، من خلال قرض سعودي قيمته 23.5 مليار دولار لمدة 5 سنوات، وخلال عهد الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" تلقت مصر ودائع إماراتية بقيمة 6 مليارات دولار، مستحقة السداد على أقساط حتى نهاية 2023.
وكذلك دعمت الإمارات، الاقتصاد المصري بقرض قيمته 8.6 مليارات دولار لتمويل شراء مواد بترولية.
أما الكويت، فقد أودعت بالبنك المركزي المصري ما قيمته 4 مليارات دولار، لتعزيز الاحتياطي النقدي المصري.
وبمتابعة النفوذ السياسي السعودي والاماراتي والكويتي في مصر، فإننا نرى نفوذا سعوديا اماراتيا واسعا يتمثل في القرارات السياسية المصرية التي لا تغضب السعودية والامارات وتتجنب الخلاف معهما، وكذلك السيطرة الواضحة على الصحف والاعلام ومنصات الرأي، بينما لا نجد ذلك للكويت مثلا او سلطنة عمان او البحرين، وهو ما يتناسب مع حجم الاستثمار الضعيف من جهة، وهو ما يعكس ان المساعدات مشروطة ومرتبطة بوصاية وتدخلات من الجهة الاخرى.
3- ما يكشف بجلاء عن التوظيف السياسي للمساعدات، هو ان الدين الوحيد الذي قامت مصر بسداده هو الدين لقطر، ففي عام 2013، اشترت الدوحة سندات طرحتها مصر ببورصة أيرلندا بقيمة 5.5 مليار دولار على مرحلتين بفائدة تراوحت بين 3 و4.5%، قام المركزي المصري بسدادها كاملة بعد ذلك.
وهذا يكشف ان السداد تم لدوافع سياسية متعلقة بالخلاف السياسي وكمقدمة لسياسات القطيعة والأزمة مع قطر!
ما نناقشه هنا ليس مبدأ التوظيف السياسي، وانما طريقة ومنحى وتوجه التوظيف، هل هو للصالح العام ولمصلحة الأمن القومي، ام لصالح النكايات السياسية والانتصارات الضيقة وتعميق الخلافات.
وهل المساعدات بهدف انقاذ وضع دولة كبيرة مرت بظرف صعب ومساندتها على النهوض وممارسة دورها الهام القيادي في الأمة، ام لاحتوائها وفرض وصايات على سياستها واستغلال قوتها المعنوية في مشروعات عدوانية للتمادي في الاخطاء بدلا من تداركها واصلاحها؟
العام الماضي، أعلن محافظ البنك المركزي المصري "طارق عامر"، موافقة السعودية والإمارات والكويت على تأجيل رد ودائعهم المستحقة خلال العام المالي 2019/2018.
هذا يشي بأن وراء التأجيل ربما تكون مساومات وان الديون ستظل سيفا مسلطا لا تعاونا أخويا، وهو ما يقودنا لمناقشة سياسة الاستثمار والمساعدات مجددا، لأنها لو خضعت لهذا المنطق، فما المانع أن تقوم مصر بإدارة ظهرها للخليج ورد هذه الودائع كما فعلت مع قطر عند التفاهم مع مانح جديد عند تغير النهج السياسي او زيادة الضغوط بما لا تحتمله مصر وامنها القومي؟!