إليزابيث ماير - إنسايد أرابيا- ترجمة شادي خليفة-
أظهر تقرير مفصل صادر عن شركة تحليل البيانات المسماة "مركز دراسات الدفاع المتقدمة" خللا لافتا للنظر في الإجراءات الوقائية ضد المجرمين الذين يصبون مكاسبهم غير المشروعة في المعاملات التجارية المشروعة في الإمارات العربية المتحدة.
ويستعرض التقرير، الذي يحمل عنوان "قلاع الرمال.. تعقب التهرب من العقوبات عبر سوق العقارات الفاخرة في دبي"، 7 أفراد معروفين يخضعون لعقوبات من جانب الولايات المتحدة، استطاعوا مجتمعين، اعتبارا من مايو/أيار 2018، امتلاك 44 عقارا تزيد قيمتها على 28.2 مليون دولار، إضافة إلى 37 من العقارات الأخرى نجحوا في امتلاكها من خلال شبكاتهم بقيمة تقدر 78.8 مليون دولار.
وتقع جميع هذه العقارات في دبي، الإمارة الأكثر كثافة سكانية في دولة الإمارات.
وتستحوذ دبي على 35.6% من سكان دولة الإمارات وهي تقع على ساحل الخليج العربي، وقد بدأ اكتشاف النفط في الإمارات عام 1966، حيث كانت تعتمد في عصر ما قبل اكتشاف النفط على صيد الأسماك والغوص بحثا عن اللؤلؤ.
ورغم أن دبي ظلت فقيرة في النفط لكنها تزدحم اليوم بأبراج المكاتب، وناطحات السحاب، والفنادق الفخمة، مع سوق عقارات فاخرة نابضة بالحياة، وعندما فتحت دبي سوقها العقارية عام 2002 أمام بقية العالم، تدفقت إليها الكثير من الأموال الأجنبية.
وقد دفع تدفق رأس المال الأجنبي إلى مزيد من التحديث والتوسع في دبي، لتتحول إلى مدينة لرأس المال.. لكن جاذبية سوق العقارات الفخمة والرفاهية، إلى جانب الميل الثقافي في الإمارات للسرية والغموض، فضلا عن التساهل في التنظيم المالي داخل دولة الإمارات، كانت عوامل خلقت بيئة مواتية للمجرمين، الذين يختارون دبي كمكان مفضل لغسل الأموال، عبر الاستثمار في العقارات بملايين الدولارات.
ويركز تقرير "قلاع الرمال" على 7 أفراد من 5 دول امتلكوا عقارات في دبي بأسمائهم اعتبارا من مايو/أيار 2018، وبينما احتفظ هؤلاء الأفراد بـ44 عقارا بقيمة إجمالية بلغت 28.2 مليون دولار، بشكل مباشر، فإنهم يرتبطون بـ37 عقارا بقيمة أكبر من 78.8 مليون دولار بشكل غير مباشر.
ويأتي الأفراد الوارد ذكرهم في التقرير من بلدان وخلفيات مختلفة، لكن الشيء المشترك بينهم جميعا هو أن كلا منهم يخضع لعقوبة أو حظر من قبل الولايات المتحدة يهدف إلى منع وصول أي منهم إلى النظام المالي الدولي.
وقد تم فرض هذه العقوبات بسبب جرائم مثل الإرهاب أو تمويل النزاعات، والمشتريات غير المشروعة للمواد العسكرية، وتهريب المخدرات والأسلحة.
وأحد هؤلاء هو "رامي مخلوف"، وهو ابن عم الرئيس السوري "بشار الأسد"، وأحد أغنى الرجال في سوريا، وكانت وزارة الخزانة الأمريكية قد فرضت عليه عقوبات عام 2008، ثم فرضت في وقت لاحق من عام 2017 عقوبات على شقيقه "إيهاب مخلوف" و4 آخرين (شقيقان آخران، ووالده، وابن عمه)، بوصفهم ميسرين رئيسيين وممكنين للنزاع السوري، ومستفيدين بشكل خاص من الفساد الملازم للحرب.
ووفقا للتقرير، امتلك الشقيقان السوريان 4 عقارات في الإمارات، بقيمة 3.17 مليون دولار تقريبا.
وفي عام 2014، عاقبت وزارة الخزانة الأمريكية الأخوين اللبنانيين "كامل" و"عصام أمهز"، وشركتهما العاملة في مجال الإلكترونيات، بسبب شراء إلكترونيات تستخدم في عمليات "حزب الله" العسكرية.
ويمتلك "عصام أمهز" عقارا بقيمة 815 ألف دولار في دبي، لكن الشركات التابعة للأخوين تحتفظ بشكل منفصل بممتلكات بقيمة 70 مليون دولار في الإمارات، بالإضافة إلى "30 عقارا في الولايات المتحدة، و5 شركات إلكترونيات في الإمارات، وشبكة واسعة من الشركات اللبنانية المرتبطة بمخططات الفساد والتمويل غير المشروع في ليبيريا، وشركات الأسلحة والأمن في لبنان وجمهورية التشيك".
ومن جزء آخر من العالم يأتي "هاسين إدواردو فيغيروا غوميز" الذي صنفته وزارة الخزانة الأمريكية كتاجر مخدرات في عام 2012، وعاقبته بتهمة تهريب الكيماويات المستخدمة في صناعة المخدرات إلى عصابات المكسيك.
كما تم اتهامه عام 2011 بتهمة غسل الأموال في الولايات المتحدة، وهو مرتبط بـ عقارات في الإمارات بقيمة 4.3 مليون دولار، وفقا لتقرير "قلاع الرمال"، ويملك ويدير 7 شركات غير مرخصة في جميع أنحاء الإمارات وقبرص، بالاشتراك مع اثنين من الشركاء غير المرخصين.
ولعل الأكثر فظاعة من حيث الحجم هي منظمة "ألطاف خاناني" لغسل الأموال، وفي عام 2015، عاقبت وزارة الخزانة الأمريكية المجموعة بتهمة غسل ما يتراوح بين 14 إلى 16 مليار دولار سنويا للمنظمات الإرهابية ومهربي المخدرات وجماعات الجريمة المنظمة في باكستان وحولها.
ويمتلك الأعضاء المعاقبون في المجموعة 27 عقارا في الإمارات، بقيمة 15 مليون دولار، وهناك 32 ملكية أخرى بقيمة 6.66 مليون دولار ضمن شبكتهم الأوسع.
كما تحافظ المجموعة على روابط مباشرة مع 12 شركة غير مرخصة، بما في ذلك صرافة نشطة في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والإمارات.
وليست هذه سوى 4 حالات تفصيلية من الدراسة المصممة لتسليط الضوء على العيوب ومواطن الضعف النظامية في قطاع العقارات في دبي. ومن الواضح أن الحظر الأمريكي لم يكن فعالا، حيث يسيطر هؤلاء الأفراد الـ7، مباشرة أو من خلال شبكاتهم، على أكثر من 100 مليون دولار من العقارات في دبي وحدها، ولقد أثبتوا أنه على الرغم من العقوبات، فإن الجهات الفاعلة الإجرامية قادرة على استغلال أسواق العقارات لتوسيع عملياتها التجارية.
ومع ذلك، يحذر التقرير من أن هذه ليست سوى قمة جبل الجليد؛ فمن المحتمل أن تمثل دراسات الحالات الـ7 نسبة صغيرة فقط من جميع الأنشطة غير المشروعة المحتملة المرتبطة بسوق العقارات في الإمارات.
قوانين جديدة
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2018، أقرت دولة الإمارات قانونا لمكافحة غسل الأموال يهدف إلى مكافحة تمويل الإرهاب، وفي الوقت نفسه، أقرت الإمارات أيضا قانونا للاستثمار الأجنبي ينص على معاملة الشركات الأجنبية معاملة الشركات المحلية.
ويشير الشيخ "حمدان بن راشد آل مكتوم"، نائب حاكم دبي وزير المالية، إلى أن كلا الإجراءين يعد جزءا من "جهود دولة الإمارات العربية المتحدة لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب".
وأضاف: "يهدف هذا القانون إلى مكافحة غسل الأموال وإنشاء إطار قانوني يدعم ويعزز جهود السلطات في مكافحة غسل الأموال والجرائم ذات الصلة".
وعلى الرغم من القوانين المصممة بشكل جيد، لكن الفساد يديم الظروف المواتية للنشاطات غير المشروعة مثل غسل الأموال، ولا يتم فعل الكثير لمعالجة ذلك.
وقد أصدرت منظمة الشفافية الدولية مؤشر مدركات الفساد لعام 2018 في 29 يناير/كانون الثاني، الذي يقيم مستوى فساد القطاع العام في 180 دولة حول العالم، ويصنفها بداية من "صفر"، والتي تعني فاسد للغاية، إلى "100"، وتعني نظيف للغاية، ومنح التقرير دولة الإمارات في 70 نقطة من أصل 100، بانخفاض نقطة واحدة عن العام الماضي.
والمثير للدهشة أن هذه النتيجة تضع الإمارات على قدم المساواة مع الولايات المتحدة، التي حصلت على 71 نقطة، بانخفاض 4 نقاط عن العام الماضي، لتدخل لأول مرة منذ عام 2011 بين أفضل 20 دولة في مؤشر مدركات الفساد.
هل القانون الإماراتي الجديد فعال؟
من غير الواضح أن قانون مكافحة غسل الأموال الجديد سيكون فعالا.
ووفقا للدكتور "ثيودور كاراسيك"، المحلل السياسي البارز والمحاضر المساعد السابق في كلية دبي للإدارة الحكومية، والذي عاش في دبي لمدة عقد من الزمان: "لا يزال سوق العقارات الفاخرة في دبي مكانا آمنا لوضع أموالك غير المشروعة".
وقال: "لا يزال سوق العقارات في الإمارات العربية المتحدة يعاني من ضعف الرقابة وعدم الشفافية، وبينما يزعم البنك المركزي الإماراتي أنه ينفذ جميع القوانين اللازمة، فإنه من المعتاد بالنسبة لبعض البنوك وشركات العقارات أن تنظر في الاتجاه الآخر (تغض الطرف)".
ويتوقع "كاراسيك" أنه مع تراجع سوق العقارات في دبي حاليا، ومع ازدياد هروب رؤوس الأموال من جميع أنحاء العالم، فمن المحتمل أن تشهد العقارات في دبي "طفرة في حجم أعمالها".
وترى المحامية "رادها ستيرلنج" أن "الخطوات التي اتخذتها الإمارات هي إلى حد كبير مجرد أداة لتحسين صورتها"، وبينما لا يزال الفساد "شائعا" داخل الإدارة والقضاء، تقول إنه "لا يمكن للمرء أن يتوقع أن تصبح بروتوكولات مكافحة غسل الأموال سارية المفعول بسبب التأثير السلبي لذلك على اقتصاد الإمارات".
وتضيف: "مع حدوث أزمة مالية أخرى، واندماج البنوك، وانخفاض أسعار العقارات لن ترغب دولة الإمارات في خوض أي اضطراب آخر".
ويبدو الاتحاد الأوروبي هو الآخر غير مقتنع كذلك، وفي 13 مارس/آذار الجاري، أضاف الاتحاد الإمارات، و9 دول أخرى، إلى "القائمة السوداء" للملاذات الضريبية، وكان الاتحاد الأوروبي قد أضاف المملكة العربية السعودية إلى القائمة في فبراير/شباط الماضي.