الخليج أونلاين-
يبدو أن توقعات "جمعيّة الوفاق" البحرينية المعارضة، حين وصفت إقرار حكومة البلاد، في أكتوبر 2018، "ضريبة القيمة المضافة" بأنه "يوم أسود "و"طعنة في ظهر المواطن البحريني"، كانت صائبة.
فبعد عام على بدء تطبيق هذه الضريبة أخذ المواطنون يشكون من ارتفاع الأسعار في مقابل تراجع مستواهم المعيشي، لا سيما أن رواتب الموظفين لم تواكب هذا الارتفاع.
وعلى عكس الضرائب المباشرة على المبيعات فإن ضريبة القيمة المضافة هي ضريبة غير مباشرة تطبَّق بشكل منفرد على كل مرحلة من مراحل الإنتاج والتوزيع من بداية تصنيعها وحتى تصل إلى أيدي المستهلك.
وفُرضت بالفعل في أكثر من 160 دولة حول العالم بنسب تتراوح ما بين 5% و15%.
دوافع وأسباب
لم تكن مملكة البحرين بحال أفضل وهي البلد الخليجي الأقل حظاً من ناحية القوة الاقتصادية، حين حدث هبوط أسعار النفط الحاد في عام 2014.
فجميع دول مجلس التعاون الخليجي الأكثر حظاً ووفرة بترولية وقوة اقتصادية عانت التأثير السلبي الأكبر إثر هذا الهبوط الحاد.
ويرجع هذا إلى اعتماد دول الخليج العربي بشكل كبير على الصناعات البترولية في تكوين اقتصادها وتطويره خلال الجزء الأكبر من تاريخها الحديث.
لهذا فقد اتخذت دول أعضاء مجلس التعاون الخليجي العديد من الإجراءات الاقتصادية غير المسبوقة في تاريخها في أعقاب أزمة أسعار البترول للحد من آثار هذه الأزمة.
ويأتي تطبيق ضريبة القيمة المضافة في دول الخليج العربي، التي فُرضت في مملكة البحرين، أحد أهم هذه الإجراءات.
وتعرّض الوضع المالي في البحرين وموقفها الائتماني في أسواق المال إلى ضغوط كبيرة أدت إلى ارتفاع تكلفة الاقتراض، في يونيو 2018؛ بسبب اتساع اختلال التوازنات المالية.
وتدخلت السعودية والإمارات والكويت لردع المضاربات وإنقاذ جارتهم التي تعاني من شح السيولة؛ عندما تسبب هبوط أسعار النفط لفترة طويلة في رفع دينها العام إلى نحو 93% من الناتج المحلي الإجمالي.
ووافقت البحرين في إطار حزمة المساعدات البالغة قيمتها 10 مليارات دولار على تطبيق إصلاحات تضمنت فرض ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5% في بداية 2019، إضافة إلى تخفيضات في الدعم الحكومي، وخطة تقاعد طوعي لموظفي الدولة.
ولم يؤكد بيان صادر عن متحدث باسم الحكومة التخلي عن خطة إصلاح الدعم، لكنه قال إن البحرين ملتزمة بتحقيق التوازن المالي كما تعهدت لحلفائها الخليجيين.
مخاوف الشارع وتحذيرات سياسيين
قانون فرض ضريبة القيمة المضافة أثار استياء واسعاً في الشارع البحريني، فضلاً عن تضارب الآراء تحت قبة مجلس النواب، وتأكيد خبراء بأن ضرراً كبيراً سيطول شريحة واسعة من البحرينيين.
وكان ملك البحرين أمر الحكومة -قبل إقرار القانون- بالتوصل إلى توافق مع البرلمان بخصوص نظام الدعم الجديد، الذي كان سيشمل دمج دعم اللحوم وبدل غلاء المعيشة في حزمة واحدة.
من ناحية أخرى أكد مسؤولون في تصريحات كثيرة أن الخطة ستكون أبسط من الحالية؛ من خلال دمج عدة مدفوعات وتوجيه حصة أكبر من الدعم للمواطنين الأشد فقراً، لكن الحكومة رفضت التعديلات التي اقترحها المشرعون.
ووصف نواب البرلمان هذا القرار بغير القانوني والباطل؛ لأنه أحادى الاتجاه من قبل الحكومة فقط. في حين طالبت جمعيات أهلية وحقوقية بتعويض المواطنين بدلاً من إضافة أعباء جديدة عليهم، مشيرة إلى أن القرار يضر باقتصاد البحرين، حيث سيرتفع التضخم وتزيد المعاناة الاقتصادية والاجتماعية.
يوم أسود وطعنة في الظهر
بعد عام من التطبيق يبدو أن ما توقعته "جمعية الوفاق الوطني" المعارضة أقرب إلى الحقيقة.
إذ قالت الجمعية، في بيانها الصادر في 7 أكتوبر 2018: إن "ضريبة القيمة المُضافة تشكّل طعنة في الظهر لواقع المواطن البحريني المنهك بسبب ضعف الحياة المعيشية وتدني الرواتب والأجور، مع استمرار ارتفاع وغلاء المواد الأساسية والسلع والخدمات".
واتهمت الوفاق "الحكومة بأنها تقوم بخطة متكاملة للتغطية على الفشل المالي الذريع الذي مُنيت به نتيجة الفساد وسرقة المال العام وتضخم أرصدة الحكام والمسؤولين على حساب قوت المواطنين ومعيشتهم".
وأضافت الجمعية في بيان تحدثت فيه عن إقرار القانون: إن "هذا اليوم هو يوم أسود في تاريخ البحرين"، معتبرة أن فرض هذه الضريبة "يعني فتح الأبواب على مصراعيها لمزيد من إفقار المواطن".
ولم تمر سوى فترة قصيرة على بدء سريان تنفيذ القانون حتى أصدر الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين بياناً أعرب فيه عن أسفه لرفع أسعار البنزين بنسبة 25%.
واعتبر أن القرار يمثل ضربة قاسية للفئات ذات الدخل المحدود والمتوسط، ومساساً بالطبقة العاملة وحقوقها.
الكُتاب.. توقعات سلبية
بطبيعة الحال فإن خطوة مثل قانون الضريبة المضافة أخذت -وما زالت تأخذ- حيزاً كبيراً في وسائل الإعلام المحلية.
ومن بين الكتاب الذين تطرقوا لتأثيراتها عبد العزيز الجودر، الذي توقع أن تكون الضريبة المضافة ذات تأثيرات سلبية على المواطن البحريني.
وقال في مقال حمل عنوان "الضريبة يايتكم تدبي.. تدبي" نشر في صحيفة البلاد، مطلع ديسمبر 2018، أي قبل شهر من بدء سريان الضريبة، "مع اقتراب موعد تفعيل الضريبة التي ستفرض على الفارق بين سعر الشراء من المصنع وسعر البيع على المستهلك البحريني فهي بلا شك ستؤدي إلى ارتفاع الأسعار".
وأضاف: "على أثر ذلك بدأ قلق المواطن صاحب الدخل الشهري المتواضع يزداد، وتضاعفت مخاوفه وتوجساته لما ستسبّبه له من أعباء مالية إضافية على ميزانيته الشهرية التي هي أصلاً محدودة، ويئن من شيخوختها وضعفها، حيث لا تستطيع تسيير حياته اليومية".
وتابع: "في الوقت الذي يشتكي فيه الناس من غلاء جميع أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية، التي بدورها ترتفع ولا تنزل قيد أنملة، إضافة إلى ارتفاع سعر وقود السيارات وغيرها من الأمور الأخرى، تأتي الضريبة لتكمل منظومة تصاعد الأسعار".
وذكر: "عموماً بعد فترة قصيرة الضريبة يايتكم تدبي.. تدبي، وتطبيقها سيؤثر بشكل طبيعي على القدرة الشرائية للمستهلك المحلي، لهذا أصبحنا كمواطنين محاصرين من جميع الجهات".
كابوس الضريبة المضافة
أما آخر ما كتب في هذا الصدد فهو المقال الذي نشرته صحيفة "أخبار الخليج" المحلية، الخميس (16 يناير الجاري)، للكاتبة وفاء جناحي، بعنوان "كوابيس المواطن البحريني".
تقول الكاتبة البحرينية في مقالها: "مسكين أنت يا بحريني، فمنذ أن أصابتك لعنة الكوابيس الليلة أصبح حالك يرثى له، وكل ذلك من تأثير توابع الأزمة الاقتصادية البشعة التي حلّت على العالم، فازدادت الأسعار، والراتب ما زال مكانك سر، ومنها بدأت أحلام الرعب التي تحولت إلى كوابيس بعد رفع الدعم عن البترول والكهرباء".
واستدركت: "لكن أقوى وأكبر وأعقد كابوس بدأ يطاردك كل ليلة ويحول حياتك إلى جحيم هو كابوس الضريبة المضافة".
وتابعت: "صرخنا وقلنا راتبنا وظروفنا لا تحتمل أن ندفع أي فلس زيادة".
واستغربت الكاتبة من أن المواطن أصبح يدفع ضريبة للمواد الأساسية، مبينة أنه "أصبح يدفع ضريبة على السمبوسة والجباتي التي يشتريها من المحلات الصغيرة"، وتساءلت: "كيف يدفع الفقير ضريبة على السمبوسة والروتي؟ شالسالفة؟!".
وذكرت جناحي أن "كابوس الضريبة المضافة أصبح يكبر يوماً بعد يوم ويتحول إلى فيلم رعب"، محذرة من "أن تتبخر رواتبنا في الهواء هباء منثوراً".
وختمت تقول: إن "القلق تحول إلى خوف وكابوس آخر أصبح يطارد المواطن من قانون جديد يظهر فجأة (من حيث لا نعلم) بوقف علاوة المعيشة، فينجلط فيها المواطن البحريني، وخصوصاً الذي يتسلم الحد الأدنى من الراتب التقاعدي؛ لأن علاوة غلاء المعيشة تشكل له تقريباً نصف راتبه التقاعدي الشهري".