اقتصاد » احصاءات

الرياضة.. "قوة ناعمة" في المملكة العربية السعودية

في 2020/02/05

ابتداء من الثلاثاء تشهد الرياض الافتتاح الرسمي لسباق السعودية 2020 للدراجات الهوائية في نسخته الأولى، والذي سيستمر حتى السبت المقبل. وسيتنافس 126 متسابقا على المرتبة الأولى. ووفق مراقبين فإن لهذا الحدث الرياضي والإعلامي بعدان: تطوير قطاع الرياضة على المستوى المحلي لكن أيضا على المستوى الدولي لترمم المملكة سمعتها بعد أن قوضها بشكل خاص مقتل خاشقجي ووضع حقوق الإنسان في البلاد.

تواترت الأحداث الرياضية في المملكة السعودية مؤخرا سعيا للالتحاق بركب الدول المجاورة، ففي شهر يناير/كانون الثاني 2020 لوحده استضافت المملكة رالي دكار وكأس السوبر الإسبانية والبطولة السعودية الدولية للغولف. وانطلاقا من الثلاثاء تحتضن الرياض سباق السعودية 2020 للدراجات الهوائية في نسخته الأولى.

قبل ذلك، قدم السعوديون عرضا باهظ التكلفة لتنظيم كأس السوبر الإيطالي ومباراة الملاكمة لهذا العام بين لاعبين من الوزن الثقيل أنتوني جوشوا وأندي رويز. وفي عام 2018، وقع أكبر اتحاد للمصارعة الأمريكية شراكة لمدة عشر سنوات مع المملكة العربية السعودية.

تلميع صورة المملكة على المستوى الدولي

من خلال هذه الاستثمارات المحلية وشراء منافسات دولية ذات صدى إعلامي واسع مهما كان الثمن "تشتري المملكة العربية السعودية لنفسها بأبخس الأثمان سمعة أكثر إيجابية"، وفق ما أكدت كارول غوميز، الباحثة في إيريس، والمتخصصة في تأثير الرياضة في العلاقات الدولية لفرانس24. وإيريس مؤسسة فكرية فرنسية تشتغل على المواضيع الجيوسياسية والاستراتيجية.

ويذكر أن صورة السعودية تضررت فعليا في السنوات الأخيرة لا سيما بعد اغتيال الصحافي جمال خاشقجي، واحتجاز رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري خلال زيارته للرياض إضافة إلى الدور الذي لعبته المملكة في الحرب باليمن.

ويثير تنظيم المسابقات الأجنبية في السعودية الكثير من الجدل على المستوى الرياضي وانتقادات على مستوى حقوق الإنسان.

وأوضحت كارول غوميز أن "هناك موقفان متعارضان: الأول هو أن الرياضة تسير نحو العولمة واللامركزية، أي أن هناك رغبة في جعل الرياضة هدفا دوليا يشاهد في أي مكان وتلعب أيضا في أي مكان". وتتابع "أما الهدف الثاني، هو أن هذا المنطق غير مقنع لأن هناك تأثيرا بيئيا كبيرا من خلال سفر الرياضيين والمشجعين، كما أنه من السيء أيضا لصحة الرياضيين أن يلعبوا في بلدان ذات ظروف مناخية صعبة، مثلا أثبتت ذلك التوعكات الأخيرة للرياضيين في بطولة العالم لألعاب القوى في قطر".

من جانبه أضاف رافائيل لو ماجوريك لفرانس24 "إن السوق هو الذي يتغلب على الاعتبارات الرياضية. فالسخاء المالي الذي تقدمه دول الخليج يغري المنظمين الباحثين عن أسواق مغرية، وإن حصل ذلك على حساب احترام مبادئ حقوق الإنسان". ولومارجوريك متخصص في الجغرافيا السياسية للرياضة في دول الخليج العربي من العالم العربي ومخبر البحر الأبيض المتوسط في جامعة تور.

وضعية حقوقية "مروعة"

وفي تصريح لفرانس24 قال صموئيل هانريون، عضو الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان إن "وضعية حقوق الإنسان في السعودية مروعة. فهي من بين الدول التي ما زالت تصدر أحكاما بالإعدام، ونفذت منها عام 2019 فقط 184 حكما بالإعدام". ويضيف "مع الإشارة إلى الانتهاكات التي ارتكبتها الرياض في الخارج لا سيما في اليمن حيث يتهم السعوديون بارتكاب جرائم حرب".

فخلال تجمع داكار على سبيل المثال، سعى الاتحاد الدولي للجمعيات الخيرية والتنمية إلى جانب جمعيات أخرى للتوعية في صفوف المشاركين والدفع نحو احتجاج رمزي، لكن دون جدوى.

وأضاف هانريون "الأمر ليس سهلا بالنسبة للرياضيين للاستجابة لطلباتنا. لديهم قيود مرتبطة بالمنظمات الرياضية التي توظفهم وترعاهم".

وأشار هانريون المدافع عن حقوق الإنسان أن "جوابهم يكون في أغلب الأحيان أن الأمر لا يعود لهم في اتخاذ موقف لأنهم موجودون لممارسة الرياضة، لا السياسة.... لكن وخلال حضورهم في هذه المسابقات، يفعلون ذلك، لأنهم يشاركون على الرغم من أنفسهم في سياسة الغسيل الرياضي لسمعة السعودية".

استثمارات ضخمة تلبي أيضا الطلب المحلي وتحقق نوعا من الاستقرار السياسي

يرى مراقبون أن هذه السياسة لا تقتصر فقط على تحقيق أهداف تتعلق بالصورة الخارجية بل تستجيب لإرادة داخلية لتكوين، على المدى الطويل، رياضيين قادرين على المنافسة على المستوى الدولي، ما يندرج ضمن "رؤية 2030" التي أطلقها ولي العهد محمد بن سلمان عام 2016 والتي يسعى من خلالها لجلب المستثمرين والاستعداد لمرحلة ما بعد نفاد النفط، وتنويع المصادر الاقتصادية في بلاد لا تزال المحروقات أبرز ركائزها.

وأوضحت الباحثة كارول غوميز أنه من خلال هذه الاستثمارات في القطاع الرياضي، تسعى السعودية لتحقيق ثلاثة أهداف "تنويع اقتصادها الذي لا يزال يعتمد بشكل رئيسي على المحروقات، واستخدام القوة الناعمة للتألق على الساحة الدولية، والعمل على فرض نفسها في مجال سبقته إليها دول الجوار على غرار قطر والإمارات العربية المتحدة".

فيما أوضح رافائيل لو ماجوريك أن "النظام السعودي يرى أن الرياضة أداة لتحقيق الاستقرار السياسي". "فالمجتمع السعودي شاب، وهذه المنافسات ستوفر له الترفيه" الذي يتطلع إليه.

ويشار إلى أن السعودية في الماضي لم تكن متألقة في المنافسات الرياضية، فهي لم تفز بأكثر من ثلاث ميداليات أولمبية في إحدى عشرة مشاركة، إلا أن الجيل الجديد من المسؤولين السعوديين وفي طليعتهم ولي العهد محمد بن سلمان يسعى إلى قلب المعادلة.

وبالنسبة للباحث رافائيل لو ماجوريك المختص في الجغرافيا السياسية للرياضة في دول الخليج العربي، فإن الاستثمارات الضخمة تهدف إلى إعادة هيكلة قطاع الرياضة في المملكة لا سيما على مستوى التدريب حتى يصبح الرياضيون السعوديون قادرين على المنافسة.

ولإضفاء نفس جديد على القطاع أسست الدولة صندوقا خاصا قيمته تبلغ مئات ملايين اليوروهات لتحسين القدرة التنافسية لبطولة كرة القدم، كما أنها تخطط لبناء أربعة ملاعب جديدة للأندية الأربعة الرئيسية في البلاد.

رومان ويكس/ صبرا المنصر