الخليج أونلاين-
لم تكن تتوقع دول الخليج العربي أن تنخفض أسعار النفط، الذي كان في صعود على مدار العقود الماضية، والذي أمّن لمعظمها ثروة مالية هائلة، مع بناء صناديق سيادية استراتيجية تزداد سنوياً.
وبدأت أسعار النفط بالانخفاض بشكل كبير عام 2014؛ حيث كان سعر البرميل الخام (برنت) يصل إلى 114 دولاراً، ولكنه في يوليو من ذات العام انخفض إلى 53 دولاراً، ثم ازداد الانخفاض إلى 27 دولاراً مع مرور الوقت، وهو انخفاض أصاب أغلب الدول الخليجية بالعجز في موازناتها السنوية.
وكان تأثر الدول الخليجية الست المصدّرة للنفط والغاز بدرجات متفاوتة بانخفاض أسعار النفط؛ حيث تصدرتها المملكة العربية السعودية، المصدّر الأول للنفط في العالم، بالإضافة للإمارات والبحرين والكويت وعُمان، في حين كانت قطر استثناء بسبب اعتمادها على تصدير الغاز المسال وباعتبارها أكبر مصدر له في العالم العربي.
عجز الميزانيات
وبسبب اعتماد معظم هذه الدول على عائدات النفط في اقتصادها القومي وموازناتها السنوية اختلف كل شيء بعد انخفاض أسعاره، وبات شهر العسل الذي استمر عقوداً في خطر؛ خصوصاً أن هذه الدول لا يوجد لديها ركائز اقتصادية أخرى تعتمد عليها في تنويع مصادر اقتصاداتها إلا ما ندر.
وسارعت تلك الدول لأخذ زمام المبادرة في العمل على استراتيجيات اقتصادية جديدة عمادها التقشف، وتقليص الصرف، وفرض الضرائب، والعمل على مشاريع تنموية تكون ذات عائد اقتصادي آخر في حال انخفض سعر النفط أكثر أو قل إنتاجه أو حتى توقف لنفاده من الآبار.
ورغم كل تلك السياسات والرؤى الاقتصادية التي عملت عليها تلك الدول فإنها لم تتمكن من تجاوز انهيار أسعار النفط، وتسبب ذلك بعجز في ميزانياتها يرتفع من عام إلى آخر، إلا أن دولاً بعينها واجهت العجز ثم تخطته، وأخرى استطاعت تحويل العجز إلى فائض.
وبرصد "الخليج أونلاين" لميزانيات دول الخليج المقررة لعام 2020، جاءت السعودية في صدارة الدول التي يواجهها عجز في ميزانيتها الحالية وميزانيات 5 أعوام مضت، فقد بلغت نحو 272.3 مليار دولار (عام 2020)، وسيصل عجزها إلى 50 مليار دولار تقريباً، بزيادة تصل إلى 15 مليار دولار عن عام 2019.
ومع العجز الجديد يتوقع وصول مجموع العجز في موازنات السعودية منذ عام 2014 إلى نحو 435 مليار دولار.
أما سلطنة عُمان فقد أقرت ميزانية 2020 بإجمالي 62 مليار دولار، وتوقعات عجز وصلت إلى 6.5 مليار دولار.
في حين أن مملكة البحرين التي كانت أشد المعانين اقتصادياً في الفترة الماضية سبق لها أن أقرت ميزانية العام الماضي والحالي سوياً مع برنامج إصلاحي مالي، ولكن لا يبدو أنها نجحت تماماً، فقد أعلنت عجزاً وصل إلى 1.07 مليار دولار في النصف الأول من عام 2019.
وترتبط تلك الإصلاحات بحزمة مساعدات قيمتها 10 مليارات دولار تعهدت بها الكويت والسعودية والإمارات لمساعدة البحرين على تفادي أزمة ديون محتملة.
الكويت أيضاً لم تنجُ من العجز الذي سيرتفع إلى 30.4 مليار دولار عام 2020 مقارنة مع 27 مليار دولار عام 2019.
وفي الإمارات أقرت موازنة عام 2020 بلا عجز، وهي الكبرى في تاريخ البلاد، بنفقات 16.6 مليار دولار، مقابل تقديرات بـ 16.4 مليار دولار عام 2019.
وكانت قطر الاستثناء الوحيد بين دول الخليج العربي في تمكّنها من تحقيق فائض في عام 2019 وصل إلى 1.19 مليار دولار، وتوقعات بفائض يصل إلى 137.3 مليون دولار في موازنة 2020، بسبب تنويع مصادر اقتصادها وعدم اقتصاره على تصدير الغاز والنفط، رغم الحصار.
وفي 2017، حاصرت السعودية والإمارات والبحرين دولة قطر، متهمة إياها بدعم الإرهاب، وهو ما نفته الدوحة بشدة قائلة إنها تتعرض لحملة تستهدف قرارها المستقل وسيادتها الوطنية، لتتمكن من تحقيق إنجازات اقتصادية غير متوقعة رغم معوقات الحصار.
من العجز إلى فقدان الثروة
المفاجئ بعد كل تلك الإجراءات التي عملت عليها دول الخليج أنها لم تتمكن من عدم استخدام صناديقها الاحتياطية إلا بحالات استثنائية، وسط توقعات بخسارة بالغة ستصاب بها مع حلول عام 2034 تقريباً.
ففي تقرير صادر عن "صندوق النقد الدولي"، يوم الخميس (6 فبراير 2020)، كشف أن دول الخليج العربية قد تشهد نفاد ثروتها المالية في غضون 15 عاماً المقبلة؛ في ظل تدني إيرادات النفط والغاز، ما لم تُسرع خُطا الإصلاحات المالية.
وأوضح التقرير الصادم للمقرض الدولي أن "الطلب العالمي على النفط قد يبلغ ذروته في 2040، أو قبل ذلك بكثير، إذا تدعمت الجهود التنظيمية لحماية البيئة وترشيد استهلاك الطاقة".
وبيّن أن "جميع دول مجلس التعاون الخليجي تدرك الطبيعة الثابتة للتحدي الذي تواجهه.. لكن السرعة والحجم المتوقعين لإجراءات الضبط المالي هذه في معظم الدول قد لا تكفي لتحقيق الاستقرار في ثروتها".
وفي حين تضغط أسعار الخام المنخفضة على الحكومات لكي تدبر الإيرادات من موارد غير نفطية وتصلح أوضاعها المالية، "فإن أثر تدني إيرادات النفط والغاز لم يُعَوَّض بشكل كامل بعد"، وفق الصندوق.
وخلال السنوات الماضية أطلقت حكومات دول الخليج إجراءات تقشف تدريجية دون إثارة قلاقل اجتماعية؛ للتقليل من العجز في الموازنات السنوية.
ونوه الصندوق بأن "الحكومات الخليجية لجأت إلى خطوات مثل سن ضريبة القيمة المضافة في بعض الدول، لكن معظمها ما زال يجد صعوبة في الموازنة بين الانضباط المالي والنمو".
وبيّن صندوق النقد أن "العمل بضريبة القيمة المضافة والضرائب الانتقائية كان خطوة إيجابية، وهناك فرصة كبيرة لاتخاذ هذا التقدم قاعدة يمكن البناء عليها".
ولفت إلى أنه "مع تحول المنطقة صوب اقتصاد غير نفطي، فإن تحولها عن رسوم متنوعة إلى ضرائب واسعة النطاق أقل، على سبيل المثال، قد يحقق تنوعاً للإيرادات تشتد الحاجة إليه".
وفي سابق عام 2019، قالت وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني إنّ الأوضاع المالية ستضعف في معظم دول مجلس التعاون الخليجي، خلال عامي 2019 و2020، ما يواصل الضغط على الميزانيات العامة وميزان المدفوعات.
في مقابل ذلك أظهر تقرير نُشر في فبراير 2019، لشركة "كامكو" الكويتية للبحوث الاقتصادية، ارتفاع العجز المتوقع لموازنات دول مجلس التعاون الخليجي إلى 50 مليار دولار خلال 2019، وبنسبة 3.1% من الناتج المحلي الإجمالي، مقابل عجز بقيمة 28 مليار دولار في 2018، وبنسبة 1.7% من الناتج المحلي الإجمالي.
توقعات منطقية
وتحمل تنبؤات "النقد الدولي" مخاطر حقيقية قد تصيب ثروات دول الخليج التي كانت الأغنى في المنطقة خلال نصف القرن الماضي، لكن التساؤل الذي يطرح نفسه ما جدية هذه التوقعات؟
وحول ذلك يقول الباحث الأكاديمي المتخصص في الاقتصاد، أحمد مصبح: "تقييمي، بالنظر إلى الأرقام المتعلقة بحجم صادرات النفطية في دول الخليج، والإيرادات التي تحققها دول الخليج من هذا القطاع، نجد أن طرح صندوق النقد الدولي منطقي".
وأضاف "مصبح" في حديث مع "الخليج أونلاين" أن معظم دول الخليج، بالرغم من تبنيها سياسات التنوع الاقتصادي، ما زالت أسيرة للإيرادات النفطية، خاصة في ظل ارتفاع حجم الإنفاق العام في معظم هذه الدول".
وضرب المحلل الاقتصادي مثالاً بقوله: "تشير بيانات البنك الدولي إلى أن صادرات النفط في الكويت ما زالت تشكل 90% من إجمالي الصادرات، و75% لعُمان، و81% لقطر، و77% للسعودية، و74% للإمارات؛ وعليه فبالرغم من انخفاض الطلب العالمي على النفط ما زالت صادرات الطاقة هي المسيطرة على اقتصاد دول الخليج".
وبيّن مصبح أن البيانات تشير أيضاً إلى أن "الإمارات زاد اعتمادها على صادرات النفط بشكل ملحوظ في 2018، مع العلم أن حجم صادرات النفط لديها في 2016 كان فقط 35%، ويأتي هذا في سياق الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها دبي".