الخليج أونلاين-
تواصل توقعات مختصين في الاقتصاد لمستقبل الإمارات السير بشكل مستقيم على طريق الانحدار الذي وصفوه مسبقاً؛ وهو ما تبرزه الأخبار الصادرة عن قطاعات اقتصادية كبيرة بأبوظبي ودبي، تعتبر عصب الاقتصاد الإماراتي.
وتؤكد التقارير المختصة أن الأزمة الاقتصادية بالإمارات تتفاقم وتتصاعد بشكل قياسي، محذرة من وصولها إلى حد الانفجار، ومن بين شواهدها تقليص مؤسسات وبنوك عاملة في البلاد عدد موظفيها.
آخر ما ورد من أخبار عن خسائر الاقتصاد الإماراتي يتعلق بقطاع الطيران، الذي برزت من خلاله هذه الدولة الخليجية وبلغت شهرتها فيه حدود العالمية.
فمطار دبي الدولي، وهو مركز عمليات "طيران الإمارات"، تحوّل خلال سنوات قليلة، من مجرد مهبط جوي على ضفاف الخليج العربي، إلى أهم مركز جوي على مستوى الشرق الأوسط وواحد من أفضل عشرة مطارات في العالم وأسرعها نمواً.
واستقطب أكثر من 115 شركة طيران تغطي أكثر من 135 وجهة حول العالم، وتبلغ قدرته الاستيعابية نحو 90 مليون راكب سنوياً، وبات من أكثر المطارات في العالم استقبالاً للمسافرين الدوليين.
لكن مطار دبي شهد انخفاضاً في أعداد المسافرين خلال العام الماضي، بنسبة 3.1% عن العام السابق؛ ليسجل أول تراجع سنوي في حركة السفر.
ونقلت وكالة "رويترز" عن الرئيس التنفيذي للمطار، بول غريفيث، في 5 فبراير الجاري، قوله إن العوامل التي قادت إلى التراجع تشمل إغلاقاً مؤقتاً لمهبط، وانهيار "جت إيروايز" الهندية، ومنع طائرات "بوينغ 737 ماكس" من التحليق عالمياً.
وأضاف أن المطار خسر نحو 3.2 ملايين مسافر محتملين، من جراء ذلك.
ودبي وجهة رائجة لشركات طيران هندية مثل "جت"، كما أن شركة "فلاي دبي"، التي تتخذ من المطار مقراً لها، عميل رئيس للطائرة "ماكس".
وأيضاً حركة المسافرين كانت مخيبة للآمال في 2018، حيث كان متوقعاً أن تعود لتسجيل نمو في خانة العشرات ولكنها سجلت نمواً نسبته واحد بالمئة فقط، وهي أبطأ وتيرة في 15 عاماً.
وتراجعت عمليات هبوط الطائرات وإقلاعها 8.6%، إلى 373 ألفاً و261 خلال 2019.
ومن المرجح أن تتأثر حركة السفر في الربع الأول من العام بتفشي فيروس كورونا في الصين، والذي أدى إلى فرض قيود على السفر، وتعليق رحلات من وإلى ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
خسائر الناقل الرسمي
شركة "الاتحاد للطيران"، الناقل الوطني بالإمارات، أعلنت في 4 فبراير الجاري، أنها ستبيع 38 طائرة، بينها 22 من طراز "إيرباص إيه 330"، و16 طائرة "بوينغ 777- 300 إي آر"، في صفقة مع شركة "كيه كيه آر" للاستثمار وشركة ألتافير إير فاينانس.
وأشارت الشركة في بيان، إلى أن "الصفقة توفر لنا المرونة، مع ضمان التزامنا بأهداف الاستدامة لدينا والحفاظ على أسطول من الطائرات الأكثر كفاءة في استهلاك الوقود والمتقدمة تقنياً".
وتتكبد "طيران الاتحاد" خسائر سنوية منذ نحو 4 سنوات، حيث تبلغ خسارتها سنوياً أكثر من مليار دولار.
ودفعتها تلك الخسائر إلى البحث عن طرق لتقليص نفقاتها، ومن بينها الاستغناء المتوقع عن طيارِين مطلع العام الجاري.
والعام الماضي، قالت الشركة إن إجمالي إيراداتها في العام الماضي، تراجع بنسبة 2.4%، لتبلغ 5.86 مليارات دولار، هبوطاً من 6 مليارات دولار قبل ذلك بسنة.
وذكرت في بيان، أنها أوقفت في 2018 عدداً من الرحلات إلى مدن مثل: طهران، وجايبور (الهند)، وعنتيبي (أوغندا)، ودالاس، وفورت وورث، ودكا، ودار السلام، وإدنبره.
وكانت الشركة تكبّدت خسائر بقيمة 1.87 مليار دولار في 2016؛ نظراً إلى تراجع قيمة أصولها وضعف عائدات استثماراتها في شركتي "أليطاليا" و"إير برلين".
خسائر البنوك
قطاع المصارف كان له حظ وافر من التوسع والنشاطات والصفقات المربحة خلال سنوات طويلة بالإمارات، لكن هذا القطاع يستمر في التراجع.
ووفق ما ذكرته وكالة "رويترز" في 4 فبراير الجاري، فإن بنك دبي الإسلامي يستعد للاستغناء عن قرابة نصف القوة العاملة في أحد بنوكه المرتبطة، من خلال خطة للتسريح، بسبب ضغوط مالية.
وقالت الوكالة إن ذلك سيتم بتسريح نحو 500 موظف بـ"بنك نور"، الذي استحوذ عليه مؤخراً، في إطار خطط لخفض التكاليف بالبنكين.
وكانت وحدة تابعة لبنك "ستاندرد تشارترد" العالمي قلصت أكثر من 100 وظيفة في قطاع أنشطة التجزئة بالإمارات في أغسطس الماضي، في وقت تُظهر البيانات الرسمية تعرُّض القطاع المصرفي وكثير من الأنشطة لضغوط عديدة.
وتؤكد وكالة "فيتش" الدولية للتصنيف الائتماني أن البنوك الإماراتية لم تتعافَ تماماً من الأزمة العقارية التي ضربت دبي في 2010، مبينة أن "قروض البنوك في المرحلة الثانية والثالثة (التي أعيدت هيكلتها) مرتفعة بالفعل؛ حيث بلغ متوسطها ما بين 15 و20% من إجمالي القروض، ومن المرجح أن تزداد".
سوق العقارات يتقهقر
منذ أكثر من عامين تتحدث تقارير متخصصة عن تدهور شركات العقارات بالإمارات، في حين كان هذا القطاع من بين أكبر القطاعات جذباً للمستثمرين ورؤوس الأموال العالمية.
ويشهد سوق العقارات في دبي انكماشاً مطرداً، منذ منتصف عام 2014، بسبب فتور إقبال المستثمرين الأجانب، والسوق في المجمل تراجعت بمقدار الربع على الأقل، بحسب تقارير متخصصة.
ومؤخراً نقلت قناة "سي إن بي سي عربية" عن حسين داماك، رئيس مجلس إدارة "داماك"، وهي واحدة من كبرى شركات العقارات في الشرق الأوسط، قوله إن الأسعار وصلت إلى القاع في 2019، والعرض بدبي هو الذي دفع السوق العقارية إلى الهبوط.
وأضاف: إن الشركة "كانت تتوقع حدوث تخمة في المعروض، والتي ظهرت واضحة في بيانات الشركة في 2018؛ وهو ما دفع الشركة إلى إطلاق مشروع واحد في 2018 و2019".
وأشار إلى أن شركة داماك "قلصت المشاريع في عامي 2018 و2019 بحدود 90%".
وصيف العام الماضي، قالت "سافيلز" للاستشارات العقارية إن أسعار العقارات السكنية الفاخرة بدبي انخفضت 1.9%، في النصف الأول من العام، بسبب فائض المعروض.
وقالت "سافيلز"، إن أسعار سوق العقارات الفاخرة انخفضت 19.8% على مدى السنوات الخمس الماضية، لتصل إلى 600 دولار للقدم المربعة، "بسبب ارتفاع مستويات مخزون الإنشاءات الجديدة وحالة الضبابية الاقتصادية عالمياً".
استغلال "إكسبو دبي 2020"
الإمارات تحاول من خلال الترويج، تطمين الشركات وأصحاب رؤوس الأموال بامتلاكها القوة الاقتصادية القادرة على حماية استثماراتهم، وتستغل ذلك في عديد من المناسبات، لا سيما من خلال إقامة "إكسبو دبي 2020"، الذي من المقرر افتتاحه في 20 أكتوبر المقبل ويستمر حتى أبريل 2021، وسيشهد مشاركة "إسرائيل"، في ظل خطوات تطبيع متسارعة من أبوظبي.
في هذا الخصوص ولأجل كسب الثقة، ستدفع الإمارات تكلفة إنشاء جناح الولايات المتحدة في معرض إكسبو دبي 2020، الذي تشارك فيه "إسرائيل" أيضاً.
ذلك ما أعلنته وزارة الخارجية الأمريكية، في بيان لها، في يناير الماضي، قالت فيه: إن "الجناح الأمريكي أصبح ممكناً، بسبب سخاء الحكومة الإماراتية"، حيث سيصل تمويل الجناح في معرض إكسبو دبي لعام 2020 إلى نحو 60 مليون دولار.
لكن وكالة "بلومبيرغ" الأمريكية قالت في أبريل الماضي، إن قطاع العقارات بمدينة دبي لن يكون قادراً على استعادة وضعه قريباً، مؤكدة أنه حتى معرض "إكسبو" الذي سيقام بالمدينة في عام 2020، لن يتمكن من إنعاش الطلب بسوق العقارات.
جاء ذلك بحسب ما نقلته الوكالة عن مارك موبيوس، الرائد في مجال الاستثمار بالأسواق الناشئة.
وأضاف موبيوس أن التباطؤ في دبي سوف يزداد سوءاً؛ "ومن ثم سوف أُوجِّل عملية شراء مزيد من العقارات، ربما أرغب في الانتظار فترة أطول حتى يبدأ الركود بالتحرك".
وبينت الوكالة أن أسعار العقارات والإيجارات في دبي انخفضت بمقدار الثلث في السنوات الخمس الماضية، في إطار ما بات يُعرف بالتراجع الطويل لسوق العقارات في الإمارة التي يعتمد اقتصادها بالدرجة الأولى على العقارات.
وبحسب الوكالة، يعتقد بعض المراقبين أن الركود في القطاع العقاري يمكن أن يستمر ما بين 12 و18 شهراً، بسبب التدابير الحكومية المقترحة، التي يبدو أنها ستأخذ وقتاً.
ويقول حلو مكساوي، المحلل الاقتصادي في وكالة "موديز"، إن من بين الإجراءات الحكومية المتوقعة لتحريك قطاع العقار منحَ إقامات طويلة الأجل لأصحاب رؤوس الأموال وأصحاب الخبرات، غير أنه حتى هذه الإجراءات المقترحة لا يبدو أنها ستكون قادرة على تحريك قطاع العقار وإنعاش الطلب عليه.
ودبي واحدة من سبع إمارات عربية "تعيش وتموت من خلال العقارات"، كما تصفها "بلومبيرغ".
وتتابع الوكالة أنه "بعد أن انفجرت فقاعة العقارات قبل عقد من الزمن، احتاجت دبي عشرين مليار دولار من إمارة أبوظبي المجاورة، من أجل السداد والخروج من خانة العجز". وفي عام 2014، بلغت الأسعار ذروتها، وانتقل اقتصاد الإمارة البالغ حجمه 108 مليارات دولار، من ليونته المعهودة إلى حالة الكساد.
وإلى الآن ورغم انخفاض قيمة العقارات في سوق دبي، فإن المطورين العقاريين ما زالوا يعتقدون أن الأسعار مرتفعة وليست رخيصة بما فيه الكفاية، وفق ما بيَّنته الوكالة.
وأكدوا أنه حتى معرض "وورلد إكسبو 2020" الذي سيعزز مكانة دبي على خريطة العالم، لن يكون قادراً على إنعاش قطاع العقار ما لم تخفف الحكومة سياساتها المتعلقة بالهجرة؛ بل حتى هذا ربما يكون غير كافٍ، بحسب مارك موبيوس.