اقتصاد » احصاءات

تقارير كابوسية عن المستقبل الاقتصادي القريب للخليج

في 2020/02/17

أحمد شوقي- راصد الخليج-

كل مسار يؤدي الى نهايات حتمية تتسق مع القوانين والسنن الكونية، وكما تقول الحكمة "من سار على الدرب وصل"، فهي وان كانت تحث على الجد والاجتهاد لبلوغ الهدف، فهي لا تخلو من معاني اخرى تنطبق عليها بحكم المنطق، وهو الوصول لنهايات مأساوية عند السير في طريق خاطئ او فاشل او خطير.

وفي قوانين الامم كما قوانين الافراد، الطرق الخاطئة تؤدي الى نهايات مأساوية، وينطبق ذلك على مجال الفكر والسياسة والاقتصاد ادارة المجتمعات.

نقول هذا بمناسبة تقرير حديث صادر عن صندوق النقد الدولي، قال أن الطلب العالمي على النفط قد يبدأ في التراجع في وقت أبكر مما كان متوقعًا، مما يشكل ضغطًا على موارد مجلس التعاون الخليجي المكون من ستة أعضاء ، والذي يمثل خمس إنتاج العالم من الخام.

وأفاد التقرير انه من دون إصلاحات اقتصادية حاسمة، يمكن لأغنى دول الشرق الأوسط استنفاد ثروتها المالية الصافية بحلول عام 2034 حيث تصبح المنطقة مديوناً صافياً، وانه خلال عقد آخر، سيتم استنفاد ثروتهم غير النفطية.

ومما رصده التقرير، هو أن المنتجين الخليجيين مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة يطورون صناعات جديدة استعداداً لعصر ما بعد النفط، لكنهم لا يتحركون بسرعة كافية لتجنب نفاد الأموال.

ومن المعلوم ان منتجي النفط في الخليج قد زادوا بشكل حاد من الإنفاق في الميزانية من عام 2007 وحتى عام 2014، عندما انخفض الخام، لكن صندوق النقد يقول انه على الرغم من الإصلاحات المتقطعة، فإنها لم تعوض بشكل كامل الانخفاض في إيرادات النفط بتخفيضات الإنفاق، مما أدى إلى عجز أدى إلى تآكل الثروة، وفقاً للتقرير.

ومن النصائح التي وردت بتقرير صندوق النقد الدولي، هو أن الحكومات الإقليمية ستحتاج على الأرجح إلى خفض الإنفاق أكثر، وفرض ضرائب واسعة النطاق لتغطية نفقاتها.

مضيفا: "إن تحقيق تقدم أسرع في التنويع الاقتصادي وتنمية القطاع الخاص سيكون أمرًا حاسمًا لضمان النمو المستدام".

وهنا لنا ملاحظة على النصائح قبل طرح سؤال مركزي:

والملاحظة هي: ان صندوق النقد يقدم نصائح تشبه الحبل الذي يقدم للضحايا كي يشنقوا به انفسهم، حيث خبر العالم تجارب الصندوق واصلاحاته وتداعيات برامجه على الشعوب، ناهيك عن انعدام فوائدها الاقتصادية الجوهرية وانتفاء كونها تشكل ايا من مداخل التنمية الاقتصادية الحقيقية.

وابسط التداعيات هو الغاء الدعم واتساع الضرائب وزيادة نسب البطالة، ومعاناة المواطنين وخاصة الفقراء والذين تزداد نسبهم واعدادهم في دول الخليج وفقا لجميع التقارير المعتبرة، وخاصة في السعودية والامارات..

والسؤال المركزي هو: اين التنمية الاقتصادية التي توزع عوائدها على المواطنين والقائمة على اقتصاد انتاجي قوامه التصنيع والى اين وصلت مبادرات تنويع الاقتصاد؟

يمكننا هنا الاستعانة برصد للكاتب الاقتصادي محمد شيرين الهواري، حول حقيقة التصنيع في دول الخليج، وقد رصد الكاتب عدة نقاط نراها نقاطا كاشفة:

ومما رصده الكاتب، فإن شركات الغرب العملاقة، خاصة المؤسسات الأمريكية بالطبع، تتحكم فى الصناعات التحويلية الخاصة بالنفط فى المنطقة العربية، أما أكبر الدول العربية المُنتجة للنفط (على الترتيب: السعودية والعراق والإمارات والكويت) فلا زالت تخضع لها خضوع كامل وغير مشروط حيث تتحكم فيها بالإمارات العربية المتحدة على سبيل المثال 3 شركات أمريكية (“إكسون مويبل” و”بينز أويل” و”كالتكس”) وشركتى “باريكس” و”توتال” الفرنسيتين و”ميوتسوى” و”جودكو” اليابانيتين و “بى بى” البريطانية، بالإضافة إلى “شل” الهولندية وهؤلاء هم المتحكمين الفعليين فى الإنتاج وهم أيضاً من يقررون إلى أى من مقاولى الباطن تذهب عقود البنية التحتية النفطية المُربحة ومن سيستفيد منها وهم بالتالى يرفضون رفضاً تاماً أى نقل حقيقى للتكنولوجيا إلى الدول الغنية بالنفط حتى الآمر الناهى والسيد الأوحد.

ويرصد الكاتب ايضا ان الحقيقة المُرة هى أن لا أحد على الجانب العربى الخليجى يملك سبل فعالة وقابلة للتطبيق على أرض الواقع للخروج من هذا المأزق التراجيدى على المدى القصير أو المتوسط لأن هذه الدول هى نفسها من تسببت فيه وارتمت راضية وبحر إرادتها فى أحضان التبعية للغرب عندما فضلت الربح السريع الفورى والثراء الشخصى الفاحش لمجموعات من الأفراد على توطين حقيقى لتكنولوجيا استخراج ومعاملة النفط والانفاق على برامج بحثية وتطويرية طويلة المدى.

ومن الحقائق المؤسفة التي يوردها الكاتب، هو انه وبالرغم من أن المنشأت موجودة فى أراضى تلك الدول الخليجية، الا انه لا بناؤها ولا تشغيلها ممكن دون التواجد الغربى، بل حتى الأفراد العاملين بها ليسوا من ابناء البلاد، حيث تسيطر العمالة الأسيوية الأفضل تأهيلاً من الناحية المهنية المتخصصة على هذا السوق بشكل كبير ويقع أمر تشغيلها من عدمه فى يد الشركات الأجنبية الكبرى سابقة الذكر.

وهنا نحن امام خلاصة نوردها ايضا على لسان الكاتب، وهي ان عائد بيع البترول الخليجى قد يذهب إلى خزانة الدول التى يُستخرج من أراضيها ولكن القرارات المصيرية والمؤثرة سياسياً مثل تحديد أسقف الإنتاج وكيفية التوزيع والدول المستوردة للنفط الذى ينتجه الخليج إلخ، فلا تتخذها هذه الدول بنفسها ولا تلعب فيها منظمة الدول المُصدرة للبترول “أوبك” سوى دوراً هامشياً على المستوى الشكلى يتعلق ببعض الأمور التنظيمية البحتة.

وهنا نتساءل، الى اي مصير يقود حكام الخليج شعوبهم، حيث تفيد التقارير المعتبرة كلها بما فيها تقرير صندوق النقد باقتراب نضوب الثروة، ولم تتخذ الحكومات اجراءات جدية لخلق البدائل، هل نحن هنا بصدد شئ اخطر من التراجع وافتقاد الرفاهية، وهو الالقاء بالشعوب من شاهق؟!

هنا تنبغي وقفة ضرورية وعلى الشعوب انقاذ ذاتها حيث لا يسمح هامش الوقت بمزيد من الصمت.