خفضت السعودية أسعار صادراتها النفطية خلال عطلة نهاية الأسبوع، فيما يحتمل أن يكون بداية حرب أسعار تستهدف روسيا، لكن ذلك قد يسبب تداعيات مدمرة محتملة لفنزويلا الحليفة لروسيا، وإيران عدوة السعودية وحتى شركات النفط الأمريكية.
حرب أسعار
سرعان ما ظهرت الآثار في وقت متأخر يوم الأحد، حيث انهار سعر خام برنت القياسي العالمي بحوالي 11 دولارًا للبرميل، أيّ بحوالي 25%، في أشد انخفاض منذ عام 1991، وهبطت العقود الآجلة لسوق الأسهم بنحو 3%.
كان القرار السعودي بخفض الأسعار بنسبة تقارب 10% يوم السبت بمثابة خطوة درامية للانتقام من رفض روسيا يوم الجمعة الانضمام إلى منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك"، في خفض كبير للإنتاج، فيما يواصل فيروس "كورونا" إحداث تباطؤ في الاقتصاد العالمي و انخفاض في الطلب على النفط أيضًا.
أضاف خفض الأسعار مزيدًا من القلق في الأسواق العالمية المضغوطة أصلًا بفعل فيروس "كورونا"، شهدت الأسهم الأسترالية أكبر انخفاض في التعاملات المبكرة يوم الإثنين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، حيث انخفضت بنسبة 5.9%، وهبطت أسهم طوكيو 4.7%، كما انخفضت أسهم هونج كونج في افتتاحها 4.1%، وأشارت أسواق العقود الآجلة إلى خسائر كبيرة في "وول ستريت" وأوروبا عندما افتتحت في وقت لاحق يوم الإثنين.
قد يكون انهيار تحالف دعم الأسعار الذي استمر 3 سنوات بين تجمع الدول النفطية الذي تقوده السعودية وروسيا مؤقتاً، وربما كانت الحركات التي تمت خلال عطلة نهاية الأسبوع جزءًا من لعبة شطرنج تفاوضية، وربما لا يزال بإمكان السعوديين والروس التوصل إلى حل وسط.
لكن إذا استمر الانهيار، فلا يوجد ما يمنع أسعار النفط من الهبوط إلى أدنى المستويات في 5 سنوات على الأقل، وفق ما يقوله المسؤولون التنفيذيون في شركات النفط.
في وقت سابق قال "بدر جعفر"، رئيس شركة "كريسنت بيتروليوم" النفط الإماراتية: "إذا نشبت حرب أسعار حقيقية، فستقاسي أسواق النفط الكثير، سيستعد الكثيرون للصدمات الاقتصادية والجيوسياسية الناجمة عن بيئة منخفضة السعر".
سيؤدي الانخفاض الكبير في أسعار النفط إلى الإضرار بالمنتجين في جميع أنحاء العالم، خاصة فنزويلا وإيران، التي تعاني اقتصاداتها القائمة على النفط أصلًا من ضغوط من العقوبات الأمريكية.
لقد تم بالفعل تخفيض حصيلة الصادرات من كلا البلدين إلى مستوى ضئيل، وسيؤدي انخفاض آخر إلى الضغط على قدراتهم على تحمل تكاليف الخدمات الحيوية والأمن.
ربما يظهر الجانب الإيجابي الوحيد متمثلًا في محطات الوقود، فقد انخفض متوسط سعر جالون البنزين العادي في الولايات المتحدة بمقدار 5 سنتات في الأسبوع الماضي، أيّ إلى 2.40 دولار من 2.45 دولار، ويمكن أن تنخفض الأسعار بسهولة إلى أقل من دولارين للجالون في بعض الولايات خلال الأسابيع المقبلة.
سيكون السائقون ذوو الدخل المنخفض، الذين يمتلكون عادة سيارات أقدم وأقل كفاءة في استهلاك الوقود وينفقون نسبة أعلى من أجورهم على الطاقة، هم الأكثر استفادة في هذه الحالة.
لكن انهيار الأسعار المطوّل سيزيد من الضغوط المالية على شركات النفط الأمريكية المثقلة بالديون، مع احتمال أن يتبع ذلك انخفاض الإنتاج النفطي الأمريكي، حيث تقوم شركات النفط حاليًا بتسريح العمال في تكساس وغيرها من الولايات المنتجة للنفط.
وقد تعاني البلدان النامية التي تعتمد على النفط، مثل نيجيريا وأنجولا والبرازيل، من تباطؤ اقتصادي كبير.
يار أسعار النفط يهوي ببورصات الخليج
السعودية أول متأثر
كانت السعودية نفسها هي أول من استشعر أول تأثير كبير، فقد تراجعت أسهم شركة "أرامكو" السعودية بأكثر من 9% يوم الأحد، منخفضة للمرة الأولى عن سعر السهم في الطرح العام الأولي في ديسمبر/كانون الأول البالغ 32 ريالاً.
كما هبطت بورصة الرياض بأكثر من 8%، وفي البورصة الكويتية، توقف التداول على مؤشر رئيسي بعد انخفاضه بنسبة 10%.
بينما يخفض المسؤولون السعوديون الأسعار، يستعدون الآن لزيادة إنتاج المملكة من النفط لتعويض الإيرادات المفقودة نتيجة انخفاض الأسعار.
اشترت الصين - أكبر مستورد للنفط - النفط بأسعار رخيصة تاريخية لتخزينه للاستخدام المستقبلي عندما ترتفع الأسعار.
يمكن لانخفاض أسعار النفط أن تثير سخطًا عامًا من الحكومات، بما في ذلك السعودية، لأن انخفاض العائدات يعني انخفاض الأموال المخصصة للمؤسسات الاجتماعية والبرامج الأخرى التي تستخدمها الحكومات لتعزيز الدعم.
تعد السعودية أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم وتنتج نحو 9.7 مليون برميل يوميًا، فيما يعد أقل بكثير من سعتها الإنتاجية البالغة حوالي 12 مليون برميل يوميًا.
هناك أيضًا تساؤل حول ما إذا كان إنتاج المزيد من النفط سيساعد المملكة، لا يوجد علاج سهل للمأزق الذي تواجهه السعودية وبقية صناعة النفط، حيث يقول المحللون إن العالم غارق في النفط، ومن المحتمل أن يستمر الطلب في الانخفاض.
احتمال زيادة النفط في السوق قد يؤدي إلى تسارع انهيار الأسعار، التي انخفضت بنحو الثلث هذا العام.
استراتيجيات مخاطِرة
يبدو أن كل من روسيا والسعودية يتصرفان وفق المصالح قصيرة الأجل، مع استراتيجيات محفوفة بالمخاطر، اكتسبت روسيا نفوذاً سياسياً مهماً في الشرق الأوسط من خلال التحالف مع "أوبك"، كما ساعد تجاوبها السابق مع دعم أسعار النفط بالتنسيق مع السعودية ودول الخليج الأخرى في صمود حكومة الرئيس "نيكولاس مادورو".
أما الآن، فقد اختار الروس أن يتصرفوا بشكل منفرد، ورفضوا التنسيق مع "أوبك" في تخفيضات الإنتاج المقترحة ربما على أمل تقليص إنتاج منتجي النفط الأمريكيين.
بالنسبة للسعودية، عزز التعاون مع روسيا نفوذ "أوبك" في وقت كانت تتعرض فيه للتهديد من الارتفاع الأخير في إنتاج النفط الأمريكي الذي حول الولايات المتحدة إلى دولة مصدرة رئيسية للنفط الخام للمرة الأولى منذ عقود.
وقال "سداد الحسيني"، نائب الرئيس التنفيذي السابق لشركة "أرامكو" السعودية إن "كلًا من روسيا والسعودية سيخرجان من هذه الدورة الهبوطية كلاعبين أكثر قوة، بينما سيتضرر منتجو النفط الصخري ورمال النفط وغيرهم من أصحاب الإنتاج المكلف أو المنتجون غير المستقرون سياسياً".
كانت آخر مرة سمحت فيها السعودية وغيرها من أعضاء "أوبك" بزيادة الإمدادات العالمية في مواجهة زيادة كميات النفط من منتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة في أواخر عام 2014، وانخفضت الأسعار إلى أقل من 30 دولارًا للبرميل.
بعد ذلك بعامين، انضمت روسيا إلى منظمة "أوبك" في اتفاقية إنتاج ساعدت على دعم الأسعار خلال السنوات الثلاث الماضية من خلال تنسيق خفض الإنتاج.
لكن نية "أوبك" في عام 2014 بعرض النفط بسعر أقل من المنتجين الأمريكيين وغيرهم من المنتجين جاءت بنتائج عكسية وقلصت حصتها في السوق.
تمكنت شركات النفط الأمريكية من زيادة الإنتاج على أي حال، حيث أصبحت أكثر كفاءة في التنقيب عن النفط الصخري واستمر المستثمرون في ضخ الأموال في شركاتهم.
قد تكون هذه المرة مختلفة، لأن "وول ستريت" قد سئمت من عائدات استثمار النفط البطيئة والديون العالية للعديد من الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم.
في الاجتماعات التي عقدت في مقر "أوبك" في فيينا الأسبوع الماضي، رفضت روسيا الموافقة على اقتراح تقوده السعودية لخفض 1.5 مليون برميل يوميًا، أو حوالي 1.5% من المعروض العالمي، لمواجهة الطلب المتدهور بسبب انتشار وباء فيروس "كورونا".
فشل الجانبان أيضًا في الاتفاق على تمديد التخفيضات الحالية البالغة 2.1 مليون برميل يوميًا، وهذا الفشل يفتح الطريق أمام الزيادات من قبل المنتجين الذين لديهم سعة إضافية.
وقالت "إيمي مايرز جافي"، خبيرة النفط والشرق الأوسط في "مجلس العلاقات الخارجية": "من المنطقي لروسيا أن تقبل بخسارة في الأسعار لمدة 3 أشهر لترى ما إذا كان بإمكانها ضرب صادرات النفط الأمريكية. قد يكونون على صواب لمدة 3 أشهر لكن النفط الصخري لا يتلف أبدًا".
كما قالت إن الانقسام في الاستراتيجيات السعودية والروسية "يشير إلى أن العلاقة بين السعودية وروسيا مهددة".
في تقرير نُشر الشهر الماضي، قالت "وكالة الطاقة الدولية"، وهي مجموعة مراقبة مقرها باريس، إن السعودية يمكن أن تنتج أكثر بما يزيد على مليوني برميل يوميًا، بينما يمكن أن تضيف الإمارات والكويت والعراق حوالي مليون برميل يوميًا.
وقال محلل الشؤون الخليجية في معهد "بيكر" بجامعة "رايس"، "جيم كرين"، إن أسعار النفط كانت أقل بكثير من مستوى 80 دولارا للبرميل الذي يحتاجه السعوديون لتمويل الإنفاق الحكومي.
ويمكن أن يمثل إضعاف سعر سهم "أرامكو" ضربة لمكانة صاحب القرار الحاسم في البلاد، ولي العهد الأمير "محمد بن سلمان"، الذي قاد حملة طرح "أرامكو" للاكتتاب العام، واشترى الكثير من السعوديين أسهمها.
وقال "كرين" إن برنامج التنمية الاقتصادية الطموح والمكلف لولي العهد، والمعروف باسم رؤية "2030"، قد يواجه مشكلة أيضًا، إذا فتح منتجو النفط الصنابير وهبطوا بالأسعار.
وأضاف: من شأن حرب الأسعار أن تجعل السعوديين يعلقون خطة "رؤية 2030" بأكملها.
وفيما قد يشير إلى زيادة التوتر السياسي في المملكة، قام الأمير باحتجاز أفراد من العائلة المالكة الذين يعتبرون منافسين محتملين على سلطته.
كليفورد كراوس وستانلي ريد - نيويوك تايمز - ترجمة الخليج الجديد