اقتصاد » احصاءات

تحديات متعددة أمام اقتصاديات الخليج.. كورونا مجرد واحد

في 2020/03/16

في حين خفت احتمال نشوب صراع مباشر بين إيران والولايات المتحدة قليلا في الأسابيع الماضية، لا تزال التوترات في منطقة الخليج عالية. ولا يجوز استبعاد احتمال حدوث أي خطأ في الحسابات قد يؤدي إلى حدوث صراع، بسبب غياب قنوات الاتصال المباشر بشكل أساسي.

بالإضافة إلى ذلك، تساهم الحروب الأهلية المستمرة في سوريا وليبيا واليمن، فضلا عن السخط الاجتماعي المتزايد في الجزائر وإيران والعراق ولبنان، في رسم صورة متشائمة للمستقبل. وسيكون لتداعيات هذه الأزمات، خاصة النزاع الإيراني الأمريكي المطول، عواقب غير مسبوقة تؤثر على أسعار النفط، مما يتسبب في تراجع ثقة المستثمرين العالميين وموجة جديدة هائلة من اللاجئين والمهاجرين.

ويلاحظ "محمد سليمان" الباحث في معهد الشرق الأوسط، أنه منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران، كان هناك مستوى من عدم اليقين بشأن التصعيد المحتمل. وفي مقابلة مع موقع "إنسايد أرابيا"، أشار "سليمان" إلى أن الهجمات على "أرامكو"، واغتيال "قاسم سليماني"، جعلت المستثمرين أكثر حيرة، وأجبرتهم على وضع خطط طوارئ خاصة بهم.

وبما أن النفط الخام لا يزال يشكل ما يصل إلى 80% من الميزانية الوطنية لدول الخليج، فإن الصراع غير المباشر أو المباشر مع إيران سيزيد من المخاطر على صادرات النفط الخليجية، ويعطل سلسلة التوريد بما في ذلك الإنتاج والتوزيع، وبالتالي إلحاق ضرر شديد وتوجيه ضربة هائلة لاقتصادات تلك الدول.

وعلى المدى القصير، سيستفيد مصدرو النفط في المنطقة من ارتفاع أسعار النفط في حالة النزاع بين الولايات المتحدة وإيران، حيث قد يصل سعر البرميل إلى أكثر من 100 دولار. ومع ذلك، لا تتمتع العديد من البلدان الأخرى بترف تلك المناورة، نظرا لارتفاع مستويات ديونها وانخفاض التسامح المحلي مع فكرة التقشف.

علاوة على ذلك، فإن التجارة الخليجية بأكملها، بما في ذلك المنتجات النفطية، التي تبلغ قيمتها الإجمالية 1.2 تريليون دولار، ستكون على المحك، ناهيك عن الهروب المحتمل للاستثمارات الأجنبية والضغوط على القطاع المالي المحلي. وفي أسوأ السيناريوهات، ستواجه الأنظمة المصرفية في الإمارات وقطر والبحرين مخاطر سيولة كبيرة بسبب سحب الودائع. ومن المرجح جدا أن غالبية الوافدين سيعودون إلى بلدانهم الأصلية ويأخذون معهم ودائعهم من البنوك الخليجية.

وتمثل ودائع الأفراد، من السكان المحليين والمغتربين، في الإمارات وقطر، حوالي ربع إجمالي الودائع في الأنظمة المصرفية.

ويتساءل المستثمرون، بطبيعة الحال، كيف يمكن لهذا الوضع أن يتطور أكثر من منظور ائتماني، وما إذا كان يمكن أن تتأثر التصنيفات الائتمانية في تلك البلاد.

ويعتقد "سليمان" أنه من وجهة نظر عالمية، يبدو عام 2020 صعبا بسبب مجموعة متنوعة من المخاطر الجيوسياسية في العديد من المناطق في وقت واحد. لكن دول الخليج تتمتع بمركز رأسمالي قوي، وقد أبدت مرونة بعد هجوم "أرامكو".

وفي هذه المرحلة، يعتقد "سليمان" أن "مصدر القلق الرئيسي للخليج هو فيروس "كورونا" الجديد وتأثيره على  صادرات النفط إلى الصين، أكبر مشترٍ للخام لدى دول الخليج.

وتعتقد "مايا سينوسي"، كبيرة الاقتصاديين في "أكسفورد إيكونوميكس"، أن هناك قراءة إيجابية إلى حد معقول للتطورات الأخيرة، وما زالت تعتقد أن الدول المشاركة في النزاع الإقليمي تعمل على حلها. وقالت لـ "إنسايد ارابيا": "حتى قبل اغتيال سليماني، كانت هناك علامات على أن الأزمة كانت في طريقها للذوبان، وهذا إيجابي من منظور ائتماني".

وبنفس الطريقة، يشير استطلاع رأي الاقتصاديين الذي أجرته "رويترز" إلى أن النمو الاقتصادي في الخليج يجب أن ينتعش هذا العام والعام المقبل، حيث يساهم برنامج الاستثمار السعودي و"معرض إكسبو 2020" في الإمارات بشكل كبير في المزيد من الأعمال الإيجابية، بالرغم من أن المنطقة ستستمر في الشعور بأثر تخفيضات إنتاج النفط.

ومع ذلك، بالرغم من هذا التفاؤل الحذر، فإن دول مجلس التعاون الخليجي معرضة لآثار تباطؤ النمو العالمي، وخاصة نمو الصين، عبر قناتين رئيسيتين، ضعف الطلب على النفط، وضعف التجارة والسياحة، وفقا لـ "بلال خان"، كبير الاقتصاديين في "ستاندرد تشارترد".

ووفقا للكثيرين، سيكون لوباء "كوفيد-19" عواقب وخيمة على الاقتصادات العالمية والإقليمية، لا سيما دول مجلس التعاون الخليجي المصدرة للنفط، مما يؤدي إلى تنازلات تتسبب في تراجع النمو الاقتصادي. وقال محللون إن التبعات الرئيسية لتفشي فيروس كورونا في دول مجلس التعاون الخليجي تأتي في قطاع الهيدروكربونات. 

ومن ناحية أخرى، قد تساهم النغمات الدبلوماسية الأكثر دفئا بين دول الخليج، والتي ظهرت في الأشهر القليلة الماضية، في تحسين مناخ الأعمال بمجرد انتهاء أزمة الفيروس. وفي حين قوض تراجع الثقة السياسية قدرة المنطقة على العمل على أهداف مشتركة، فإن الأهداف الفردية، وفقا لـ "سينوسي"، قد لا تكون بعيدة عن بعضها كما كانت في الماضي. على سبيل المثال، كانت السعودية قد اتخذت خطوات لتخفيف حدة الصراع الذي يشمل إيران في بداية يناير/كانون الثاني.

ومع ذلك، يقول "سليمان" إنه في حين كان هجوم إيران على "أرامكو" مقلقا على جميع المستويات، فإن الرد الأمريكي المحدود على الهجوم جعل دول الخليج متشككة في دور الولايات المتحدة كضامن أمني. وبالرغم من حقيقة أن الولايات المتحدة زادت من وجودها العسكري في الخليج، حيث نقلت نحو 3 آلاف جندي إلى هناك، فإن سياسة واشنطن لفك الارتباط عن المنطقة، زادت من الشعور بانعدام الأمن بين غالبية قادة الخليج.

وخلق التشكك المتزايد تجاه الولايات المتحدة نوعا من التفاهم بين المسؤولين الخليجيين حول ضرورة تجاوز المظالم المتبادلة منذ عام 2017.

لكن من وجهة نظر "سينوسي"، فإن حل النزاعات الإقليمية، عندما يحدث في النهاية، لن يعيد الوضع الاقتصادي الراهن إلى ما كان عليه، لأنه من الصعب تخيل أشياء تعود إلى ما كانت عليه في السابق.

وبالرغم من الخطاب الأقل عدائية، لا تزال دول الخليج منقسمة، ويبقى أن نرى ما إذا كان بإمكانها تنفيذ سياسة الردع دون معاداة إيران.

وأخيرا، في حين لا يبدو أن عدم الاستقرار في المنطقة يتصاعد إلى مستويات تهدد الاستثمار، فإن تفشي وانتشار الفيروس التاجي الجديد غير المتوقع قد يقلل أيضًا من العداوات في الخليج على الأقل في القريب.

ستاسا سلاكانين - إنسايد أرابيا - ترجمة الخليج الجديد