الخليج الجديد-
أثار إعلام الإمارات، الخميس 12 مارس/آذار الجاري، عن استعدادها لزيادة إنتاجها من النفط بواقع مليون برميل يوميا، تزامنا مع خطوات سعودية في الاتجاه ذاته، في إثارة الكثير من التساؤلات حول السبب الذي يدفع الإمارات للمشاركة في "حرب نفطية" تقودها الرياض ضد موسكو.
وبعدما انهار التحالف بين منظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" وروسيا، المعروف بـ"أوبك بلس"، إثر رفض موسكو مقترح الرياض بزيادة خفض إنتاج النفط لإيقاف هبوط الأسعار بسبب الركود العالمي المتزامن مع انتشار فيروس "كورونا"، باتت دول التحالف، ومنها الإمارات، غير ملزمة بأي ضوابط بشأن زيادة الإنتاج.
وأعلنت الإمارات عن استعدادها لزيادة إمداداتها النفطية بعد يوم من إعلان السعودية (أكبر مصدّر للنفط في العالم) زيادة إنتاجها بشكل كبير إلى 12.3 مليون برميل يوميا في أبريل/نيسان المقبل من مستوى 9.8 مليون برميل في الوقت الراهن.
وفي هذا السياق، ذكر وزير الدولة الإماراتي الرئيس التنفيذي لشركة "أدنوك" النفطية في أبوظبي "سلطان أحمد الجابر"، في بيان، أن الشركة تمتلك إمكانية إمداد الأسواق بأكثر من 4 ملايين برميل يوميا في أبريل/نيسان المقبل، وتعمل على تسريع التقدم نحو هدفها بالوصول إلى طاقة إنتاجية تبلغ 5 ملايين برميل يوميا، مشيرا إلى أنه "سيتم الإعلان قريبا عن أسعار البيع المستقبلية لشهر مارس/آذار وأبريل/نيسان 2020، ما يتيح للعملاء التخطيط بشكل أفضل".
ولما كان إنتاج الإمارات المسجل بنهاية العام الماضي قد بلغ مستوى 3 ملايين برميل من النفط يوميا، فإن بيان "الجابر" يعني أن الإمارات قادرة على زيادة إنتاجها بنحو مليون برميل من النفط يوميا، وتستهدف زيادة مليون برميل أخرى في المستقبل.
ورغم أن الإمارات تتوسع في أنشطة والخدمات كبديل اقتصادي، لكن النفط لا يزال يمثل عصب اقتصادها، وكانت تقديرات البلاد لنقطة التعادل المالي لميزانية بدون عجز تتراوح حول سعر 60 دولارا لبرميل النفط، ما يعني أن هبوط الأسعار الناشئ عن حرب النفط الحالية (إلى ما دون الـ40 دولارا للبرميل) سيصيب الاقتصاد الإماراتي بضرر لن تستطيع صناديق الثروة السيادية التعامل معه على المدى الطويل.
وإزاء ذلك فإن التفسير الاقتصادي المباشر للقرار الإماراتي بالمشاركة في حرب النفط السعودية لا يبدو منطقيا، الأمر الذي يرجح فرضية الدافع السياسي في ظل التحالف الوطيد بين الرياض وأبوظبي المدعوم بعلاقة شخصية وطيدة بين ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" وولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد".
لكن التحالف الإقليمي بين السعودية والإمارات لا يقدم وحده إجابة متكملة الأركان لمشاركة الإمارات في حرب النفط السعودية.
فمن ناحية، يعد الدافع من وراء حرب تحطيم أسعار النفط أكبر من مجرد عناد سعودي موجه ضد روسيا، كما أن علاقة أبوظبي مع الرياض لا تكفي وحدها لدفع الإمارات للدخول في خصومة نفطية مع موسكو، لاسيما وأن أبوظبي تركت الرياض عالقة في أزمات سابقة، مثلما فعلت بانسحابها من اليمن.
إيعاز أمريكي
وبالنظر إلى كون الإمارات ترتبط بعلاقة متينة مع موسكو تعود إلى ما قبل التنسيق الروسي مع "أوبك"، فإن دخول أبوظبي على خط الحرب النفطية يؤشر إلى أن الأمر أكبر من التحالف مع السعودية، وأن أبوظبي ربما تعرضت لضغوط أمريكية في هذا الصدد، حسبما ترى "رولا جبريل"، الأستاذة الزائرة بجامعة ميامي الأمريكية ومحللة شؤون السياسة الخارجية، في مقال نشرته بمجلة "نيوزويك" الأمريكية.
وتشير "رولا"، في هذا الصدد، إلى أن العلاقة بين "بن سلمان" وفريق الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" وثيقة لدرجة أن أعداء الأخير هم أعداء ولي العهد السعودي، والعكس بالعكس، بما يعني أن كلا من السعودية والإمارات تلعبان دور "الأداة الأمريكية" في حرب تخوضها واشنطن ضد موسكو من وراء الستار.
ووفق هذا التصور فإن قرار أبوظبي بالمشاركة في حرب النفط يأتي في إطار إدارة "خسارة إجبارية"، لكنها تبقى خسارة محدودة نظرا لأن الإمارات تمتلك واحداً من أكبر الصناديق السيادية في العالم، كما أن عدد سكانها أقل بكثير من السعودية وروسيا.
وتنسجم هذه الفرضية مع توجه الولايات المتحدة، في ظل رئاسة "ترامب"، لإدارة منطقة الشرق الأوسط عبر وكلائها، وعدم التضحية بأية خسائر بشرية أو مادية، بما يعني أن الحرب النفطية ليست سوى جزء من استراتيجية أمريكية واسعة لمحاربة روسيا اقتصاديا، وفقا لما نقله "الجزيرة نت" عن الخبير الاقتصادي "عبدالحافظ الصاوي".
ومن هذا المنطلق، فإن الصورة الكاملة لإغراق سوق النفط لا يمكن النظر إليها بمعزل عن توجه واشنطن لفرض مزيد من التضييق الاقتصادي على موسكو بعدما أخفقت العقوبات التي فرضها الغرب على موسكو بشكل مباشر منذ عام 2014 في تحقيق أهدافها السياسية، وعلى رأسها ترويض الدب الروسي وكبح نفوذه في محيطه الإقليمي أو إيقاف خطوات موسكو التوسعية في الشرق الأوسط.
توقعات متشائمة
غير أن إعلان الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" أنّه يستطيع التّعايش مع انخِفاض الأسعار بمُعدّلاتها الحاليّة (30 دولارًا تقريبا) لعشر سنوات مُقبلة، يُوحي بأنّ قرار روسيا بفك الارتباط مع أوبك كان مدروسًا، وجرى التّحضير له بشكلٍ جيّد مُنذ أشهر، من خِلال تعزيز الاقتصاد الروسي، وتنويع مصادر دخله، وبيع سندات خزانة أمريكيّة وشِراء كميّات كبيرة من الذهب.
فالعوائد النفطيّة لا تشكل إلا نسبة محدودة من الدخل القومي الروسي (16% فقط)، على عكس السعوديّة التي تشكل العوائد النفطية حاليا حوالي 90% من ناتِجها القومي، بينما تمثل عوائد النفط نحو 30% من الناتج القومي الإماراتي، ما يعني أن الرياض لا يمكنها الصمود طويلا في حرب النفط التي أشعلتها، وهو ما تدركه أبوظبي جيدا، وعليه اتخذت قرارها بالمشاركة في حرب محدودة ضد موسكو تهدف في المقام الأول إلى إفادة المستهلك الأمريكي بأسعار نفط أرخص.
وعليه فإن الضحيّة الكبرى للحرب الجارية ستكون هي السعودية نفسها ودول "أوبك" التي تعتمد "غالب" ميزانتيها على النفط؛ لأنها ستواجه إجراءات تقشف صارمة تراجع أسعار الوقود وعوائده، تمامًا مِثلَما حدث عام 2014 حيث جرى رفع الدعم عن جميع السّلع الرئيسيّة، وزيادة أسعار الماء والكهرباء والخدمات الأخرى، وفرض ضرائب مِثل ضريبة المبيعات.
ورغم أن الإمارات من الدول التي لا تعتمد حصرا على النفط، فإن ذلك لا يعني أنها لن تتأثر بالمشاركة في حرب النفط، سواء من الناحية الاقتصادية، باعتبار أن أسعار نفط تمثل نصف ما هو مطلوب لتعادل الميزانية ستسبب خللا كبير في الوضع المالي للدولة، أو من الناحية السياسية، باعتبار أن هذا الخلل المالي ربما يجبر أبوظبي على خفض تمويل أجندتها الإقليمية القائمة على دعم أطراف تقوض استقرار المنطقة، كالجنرال الليبي المتقاعد "خليفة حفتر" والمجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن، حسبما يرى "الصاوي".