الخليج أونلاين-
تأثر سوق الطاقة بشكل كبير جراء تفشي فيروس كورونا المستجد، حاملاً معه العديد من التحديات للدول المنتجة للنفط، وخاصة التي تعتمد على عوائده الوفيرة في موازناتها العامة.
وتسبب الفيروس بعد أشهر من تفشيه في أنحاء العالم، بانخفاض غير مسبوق بأسعار النفط، مصحوباً بقلة الطلب عليه، مع خسارات كبرى دفعت الدول المنتجة لاتخاذ قرارات أشعلت ما يشبه حرب الأسعار تصدرتها كل من السعودية وروسيا بالإضافة لدول حليفة.
وبعد استقرار متباين في سوق الطاقة، تعود الخلافات مجدداً ضمن أعضاء "أوبك+"، وبالأخص السعودية، أكبر منتج نفطي بالعالم، وجارتها الإمارات، بالإضافة إلى وجود روسيا الدولة المؤثرة في السوق.
وفي ظل الإغلاق الاقتصادي الجديد الذي يجتاح أوروبا وعدد من دول العالم، تعود مؤشرات حرب النفط بين الدول إلى الواجهة مجدداً، حاملة معها تساؤلات عن جدوى ذلك في إطار أوضاع اقتصادية متردية على الجميع.
كسر حلف "أوبك"
ولعل الجديد المفاجئ في قطاع الطاقة العالمي، هو طرح مسؤولين إماراتيين لفكرة الانسحاب من تحالف "أوبك+"، في ظل تصعيد الإمارات للتوتر مع السعودية وروسيا، أبرز حلفائها النفطيين.
وتعد هذه الخطوة غير عادية، فالإمارات العربية المتحدة تجنبت منذ مدة طويلة الاشتباكات العامة، مفضلة حل النزاعات بهدوء خلف الأبواب المغلقة، بحسب تقرير لوكالة "بلومبيرغ" الأمريكية.
وأشارت الوكالة إلى أنه من غير الواضح ما إذا كان التحذير عبارة عن مناورة لفرض مفاوضات حول مستويات الإنتاج، أو أنه يمثل مناقشة سياسية حقيقية، في ظل أزمات متصاعدة للوضع الاقتصادي الداخلي والخارجي لكل تلك الدول.
ولم يعط المسؤولون الإماراتيون أي إشارة علنية إلى أنهم يناقشون عضويتهم في أوبك، فضلاً عن التخطيط للمغادرة، فيما أبلغوا وسائل الإعلام بهذا التوجه بشرط عدم ذكر أسمائهم، مما يتيح مجالاً للمناورة إذا أرادت الدولة لاحقاً أن تغير مسار بحثها.
ومنذ أغسطس 2020، بدأ التوتر يتصاعد بين الإمارات والسعودية، بخصوص إنتاج الخام، عندما زادت أبوظبي من إنتاجها فوق حصتها المخصصة في "أوبك+"، مما دفع جارتها إلى إطلاق تحذيرات مشددة حول الدول المخالفة للاتفاق.
ويبدو أن التوتر قد تصاعد مع تزايد إحباط صانعي السياسات الإماراتيين مما يرون أنه تخصيص غير عادل لأهداف الإنتاج.
ويعد التوقيت حساساً جداً بالنسبة لمنظمة "أوبك+" التي عززت أسعار النفط باتفاق تاريخي صعب المنال، من أجل خفض الإمدادات لتعويض تأثير تفشي جائحة كورونا على طلب الخام، ومن المتوقع أن يؤدي انسحاب أي عضو إلى حدوث تصدعات في التحالف النفطي، ينهي أشهراً من المفاوضات والمباحثات، بالإضافة لمخاطر هبوط أسعار الخام مجدداً، وما يرافقه من خسائر اقتصادية.
الحديث عن الانسحاب لم يكن فقط على لسان مسؤولين رفضوا الكشف عن أسمائهم، بل أوردته شركة "إنتليجنس" الاستشارية، مبينة أن الإمارات تدرس إيجابيات وسلبيات عضوية أوبك.
ابتعاد عن الخط السعودي
ويعد ذلك ابتعاداً مباشراً وغير تقليدي عن الخط السعودي الذي يقود منظمة "أوبك" التي تضم البلدان المصدرة للنفط، في الوقت الذي تؤكد فيه الرياض أن مجموعة "أوبك+" بحاجة إلى أن تكون استباقية وجاهزة للعمل.
في حين كان الحديث الإماراتي الرسمي أكثر لباقة، حيث قال وزير الطاقة بدولة الإمارات، سهيل المزروعي، إنه "يجب أن يقتنع الجميع أولاً بضرورة تأجيل زيادة الإنتاج المقرر مبدئياً في يناير 2021".
كما أصر المزروعي على أن المنتجين المتعثرين يجب أن ينفذوا تخفيضات غير مكتملة في الإمدادات، وهو ما بدا انتقاداً للتوبيخ المبطن الذي تلقاه من المملكة في الصيف، بعد أن تخلت الإمارات عن التزاماتها.
حيث أكدت السعودية في أكثر من تصريح لوزير طاقتها، الأمير عبد العزيز بن سلمان، أنه "جميع الأعضاء، بشكل جماعي، بحاجة إلى الوفاء بتعهداتهم"، (أي من ضمنهم الإمارات).
وقال المحلل الاقتصادي عبد الله الخاطر، إن الإمارات تنتهج نهجاً قصير المدى تغيب عنه الرؤية الاستراتيجية، ويعتمد المصلحة الذاتية أولاً، مهما كانت التداعيات، وإن أضرت ببلدان وشعوب، خاصة عند تعرضها لضغوط مالية أو نقدية أو سياسية.
وأوضح الخاطر، في حديثه مع "الخليج أونلاين"، أن "الإمارات لم تراعِ وضع حليفتها السعودية في أوبك، وتداعيات ذلك على الأخيرة وعلى (أوبك+) كارثية، والمتضرر على المدى المتوسط والطويل هو أبوظبي والإقليم وصناعة الطاقة، لكن أسلوب ونهج القرار الإماراتي عودنا على اتباع مفهوم المصلحة الذاتية بغض النظر عن تبعاتها".
وأكّد الخاطر أن دخول الإمارات في عدة جبهات فرض عليها التزامات مالية لم تعد أبوظبي قادرة على الوفاء بها، مع تعرض الإمارات لضغوط غير مسبوقة أدت لخسائر وإفلاسات لكبرى شركاتها، ما دفعها للتوجه إلى زيادة الإنتاج، وتغريق أسواق الطاقة ما سيؤدي إلى فوضى أسعار.
اتفاق يتجه للتفكك
التوترات الحالية هي جزء من "حرب نفطية" سابقة اندلعت بين روسيا والسعودية، إبان تفشي فيروس كورونا وتكدس النفط الخام المنتج دون حصوله على أسواق جديدة مع انخفاض متسارع وتاريخي غير مسبوق لأسعاره، انتهى باتفاق خفض الإنتاج في أبريل 2020، وأغلق باب الحرب النفطية بين كبريات الدول المصدرة.
المناوشات السياسية بين جميع الأطراف، التي استمرت خلال الشهور التي تلت الاتفاق عن ضرورة وفاء الأعضاء بالتزاماتهم، أظهرت الاتفاق هشاً ويمكن انتهاؤه بأي لحظة.
وفي أكتوبر 2020 جرت اتصالات مباشرة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وولي العهد السعودي محمد بن سلمان بغرض تحقيق الاستقرار في سوق النفط.
وقال المتحدث الرسمي باسم الرئاسة الروسية (الكرملين)، دميتري بيسكوف، في مؤتمر صحفي، إن "التعاون بين موسكو والرياض ضروري لتحقيق الاستقرار في سوق النفط، وهو ما يسعى إليه بوتين"، مضيفاً: "نحن لا نتحدث عن خلافات، ولكن عن تفاعل دولتين تعتبران أكبر منتجين للنفط، تلك الدول (روسيا والسعودية) التي يمكن أن تؤدي إجراءاتها المشتركة إلى تحقيق الاستقرار في سوق الطاقة، والذي يعتبر من الأسواق المتحركة والمتقلبة".
وترى "بلومبيرغ" أنه غالباً ما تتميز الفترة التي تسبق اجتماعات أوبك بقرارات اللحظة الأخيرة، وقد يتبدد هذا الصراع، كما حصل في السابق، لكن الشروخ الناشئة في شراكة رئيسية ستكون تطوراً مقلقاً للحلف.
ويتعين على المجموعة أن تقرر، خلال نوفمبر 2020، ما إذا كانت ستمضي قدماً في زيادة الإنتاج المنصوص عليها في صفقة أبريل 2020، أو تأجيلها.
وحتى الآن لا يبدو أن الرياض وموسكو على استعداد لتأجيل الزيادة مع استمرار الوباء في استنزاف الطلب، رغم مبشرات الإعلان عن التوصل إلى لقاحات فعالة مضادة للفيروس.
ويعتقد عبد الله الخاطر، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أن "الاتفاق سينهار وستخفض أسعار الطاقة، وستدخل أوبك في دوامة المنافسة على الاحتفاظ بأسواقها مهما كلف الأمر، وهذا سيلحق الضرر بالجميع حتى قطاع الطاقة والطاقة البديلة والمتجددة في حال تراجعت الأسعار لمستويات لا يعود من المجدي العمل فيها".
ولفت الخاطر إلى أن مصير أحلاف "أوبك" و"أوبك+" متجهة إلى التفكك، لأن "مثل هذه المنظمات تعتمد في الوقت الحالي على التزام جميع الأطراف بنسب الإنتاج المخفضة بسبب تفشي وباء كورونا لتجنب المزيد من الخسائر".