الخليج أونلاين-
لا تزال السعودية تواصل مساعيها على قدم وساق من أجل اقتحام عالم الاستثمار الرياضي، واللحاق بجارتيها قطر والإمارات، في إطار خطط الدول الخليجية لتنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد على النفط كمورد وحيد.
واحتوت "رؤية المملكة 2030"، التي تبناها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، على هذا التنوع في مجالات مختلفة، لتبدأ خطواتها فعلياً لتحقيق ذلك على أرض الواقع، خاصة مع التداعيات التي أفرزها جائحة فيروس كورونا المستجد على اقتصادات المنطقة والعالم.
وبموازاة استثمارها اقتصادياً يضع صندوق الاستثمارات السعودي عينه على الجانب الرياضي، خاصة مع رؤية نجاح الدوحة وأبوظبي في حضورهما على الساحة الأوروبية من بوابة ناديي باريس سان جيرمان الفرنسي ومانشستر سيتي الإنجليزي.
صفقة إنتر ميلان
رغم الضربة التي تلقتها الرياض وصندوقها الاستثماري بفشل صفقة الاستحواذ على ملكية نادي نيوكاسل يونايتد الإنجليزي، أحد أندية الدوري الإنجليزي الممتاز؛ يواصل صندوق الاستثمار، وهو الذراع المالي للمملكة، بحثه عن فرص الاستثمار ومنها القطاع الرياضي.
وفي هذا الإطار تحدثت تقارير إعلامية إيطالية عن "اهتمام صندوق الثروة السيادي السعودي بالحصول على ملكية نادي إنتر ميلان الإيطالي، الذي يعتبر أحد أشهر الأندية الإيطالية والأوروبية.
وتبحث مجموعة "سونينغ" الصينية المالكة للنادي الإيطالي حالياً عن شركاء في ملكيته، وفق تلك التقارير الإعلامية، ومن ضمنها موقع "توتو ميركاتو"، وصحيفة "لا غازيتا ديللو سبورت" الإيطاليان.
الصحيفة الإيطالية قالت إن الصندوق السيادي السعودي "مهتم بشدة بالاستثمار في كرة القدم الإيطالية، إذ ينوي الاستحواذ على حصة أقلية في النادي".
وأبدت عائلة "زهانغ" الصينية، وهي المالكة لشركة "سونينغ" العملاقة للإلكترونية، سابقاً، استعدادها لبيع حصة أقلية أو أغلبية في إنتر ميلان، فيما أكد رئيس النادي الإيطالي زهانغ جيندونغ أن "سونينغ" ستقوم بتخفيض استثماراتها الأجنبية، ومن ضمنها حصتها في نادي إنتر ميلان.
وتقدر "سونينغ" قيمة النادي الإيطالي بمليار دولار، فيما لم يتوصل الصندوق البريطاني "بي سي بارتنرز" لاتفاق مع المجموعة المالكة، رغم كونه أول المهتمين بالحصول على حصة أغلبية في أسهم إنتر ميلان.
التقارير ذاتها كشفت أن صنادق سيادية جديدة دخلت على خط الاستحواذ على إنتر ميلان، من بينها "صندوق قطر للاستثمار"، ومجموعة "فورتريس للاستثمار" الأمريكية.
إصرار بعد فشل
الصندوق السيادي السعودي كان قاب قوسين أو أدنى من إتمام صفقة امتلاك نيوكاسل يونايتد، حيث دفعت الرياض 17 مليون جنيه إسترليني (23.67 مليون دولار) كدفعة أولى غير قابلة للاسترداد، لكن الصفقة باءت بالفشل في نهاية المطاف.
وسائل إعلام بريطانية ذكرت، نهاية يوليو 2020، أن مالك النادي الإنجليزي مايك آشلي سوف يحتفظ بالمبلغ الأولي المدفوع، في الصفقة التي كانت قيمتها 300 مليون باوند (417 مليون دولار).
جاء ذلك بعد إعلان الصندوق السعودي، صيف العام الفائت، انسحابه رسمياً من الصفقة، بعد صعوبات أدت لتأخيرها عدة أشهر؛ إذ قال في بيان رسمي نشرته شبكة "سكاي سبورتس": إنه "كان متحمساً وملتزماً بالاستثمار في مدينة نيوكاسل وإعادة ناديها إلى موقعه التاريخي".
وأوضح في بيانه أن "صلاحية الاتفاقية التجارية بين المجموعة ومالكي النادي انتهت، ولم يعد ممكناً الحفاظ على خطة الاستثمار"، هذا إضافة إلى "عدم وضوح الظروف التي سيبدأ بها الموسم الجديد، والمعايير الجديدة التي ستطبق"، في إشارة إلى تداعيات جائحة كورونا.
وكانت الصفقة قد لاقت انتقادات دولية بعد تقرير منظمة التجارة العالمية، الذي دان الرياض بانتهاك حقوق الملكية الفكرية من خلال قناة القرصنة "بي آوت كيو"، التي كانت تبث الأحداث الرياضية ومن ضمنها "البريميرليغ" بشكل غير قانوني، في تعدٍّ على شبكة "بي إن سبورت" القطرية مالكة الحقوق الحصرية، إضافة إلى انتقادات المنظمات الحقوقية الدولية لما قالت إنه "انتهاكات ترتكبها الحكومة السعودية بشأن حقوق الإنسان".
اهتمام سعودي
هناك علاقات سعودية–إيطالية فيما يخص التعاون الرياضي؛ إذ احتضنت المملكة مباراة كأس السوبر الإيطالي في مناسبتين عامي 2018 و2019، فيما حرمها الفيروس التاجي من استضافة نسخة 2020.
وعرفت النسختان فوز يوفنتوس باللقب المحلي على حساب مواطنيه ميلان ولاتسيو، وذلك في المواجهتين اللتين أقيمتا على ملعبي "الجوهرة المشعة" بجدة، و"استاد جامعة الملك سعود"، على الترتيب.
بدورها أبرمت السعودية عقداً مع الاتحاد الإسباني للعبة باستضافة كأس السوبر الإسباني 3 مرات خلال 5 سنوات، مقابل 120 مليون يورو، بحسب تقارير إعلامية، وبالفعل احتضنت النسخة الأولى في يناير 2020، بمشاركة 4 أندية، خلافاً للنسخ السابقة التقليدية بين بطلي الدوري والكأس.
وكان تركي آل الشيخ، رئيس هيئة الترفيه في السعودية، قد استحوذ في نوفمبر 2019، على ملكية ألميريا، أحد أندية الدرجة الثانية في إسبانيا، في تجربة لا ينظر إليها على أنها "شخصية" في ظل مناصب الرجل كمستشار بالديوان الملكي، ومقرب من ولي العهد السعودي.
وفي سبتمبر 2019، أكمل عبد الله بن مساعد آل سعود، وهو أحد أمراء العائلة الحاكمة في السعودية، استحواذه على أسهم شيفيلد يونايتد أحد أندية "البريميرليغ"، علماً أنه كان يمتلك جزءاً منها قبل 6 سنوات.
أما آخر التحركات السعودية في الاستثمار الرياضي فهي ما كشفته صحيفة "التايمز" البريطانية، في فبراير الماضي، بوجود مفاوضات بين ريال مدريد الإسباني وشركة القدية السعودية من أجل حصول الأخيرة على حقوق رعاية تخص النادي الملكي.
ووفق الصحيفة، ستكون قيمة العقد 150 مليون يورو على مدار 10 أعوام لكي تكون الشركة الترفيهية السياحية السعودية، الراعي الأساسي لفريق كرة القدم النسائية في النادي الملكي خلال هذه الفترة الزمنية.
صندوق الاستثمارات
صحيفة "الاقتصادية" السعودية قالت، أواخر يناير الماضي، إن أصول صندوق الاستثمارات العامة السعودي ارتفعت 163٪؛ بما يعادل 248 مليار دولار، لتبلغ 400 مليار دولار (1.5 تريليون ريال) بنهاية 2020، بعد أن كانت 152 مليار دولار (570 مليار ريال) في نهاية 2015.
وأوضحت في تقرير أن الصندوق السعودي يعتزم أيضاً رفع أصوله 400٪ بنهاية 2030 (خلال عشرة أعوام) إلى 2 تريليون دولار (7.5 تريليون ريال).
وارتفعت حصة الصندوق من ثروات العالم السيادية إلى 5٪ بنهاية 2020، فيما كانت حصته 2٪ فقط بنهاية 2015، ما يعني تضاعف حصته مرة ونصفاً، ما أدى لتقدمه 23 مركزاً خلال الفترة ذاتها، ليحتل المرتبة الثامنة بين أكبر صناديق الثروة السيادية حول العالم، مقابل المركز الـ31 بنهاية 2015.
ولدى الصندوق محفظة تتكون من نحو 200 استثمار، منها نحو 20 استثماراً مدرجاً في السوق المالية السعودية، واستثمارات في قطاعات مختلفة حول العالم.
أسباب وغايات
أسباب عديدة تقف وراء سعي دول وشركات وأشخاص للاستثمار في الأندية الرياضية، وهناك العديد من الإغراءات التي تدفع في هذا الاتجاه، وفق ما يؤكد الواقع، ومراقبون أيضاً.
ووفق ما ذكر الباحث في الاقتصاد أحمد القاروط لـ"الخليج أونلاين" فإن هناك عدة أسباب تشجع على الاستثمار بالأندية الرياضية، أبرزها سياسية واقتصادية وتجارية.
وعن الأسباب السياسية يقول أحمد القاروط إن المستثمر في هذا القطاع يبحث في نهاية المطاف عن دعاية ايجابية وخلق "براند" معينة مرتبطة باسم البلد.
كرة القدم لها قاعدة عالمية، سواء في أوروبا أو أمريكا في الوطن العربي، وعليه يرى القاروط أن الاستثمار في الأندية الرياضية "يزيد من رصيد رأس المال السياسي والسمعة أمام الآخرين".
وتعد الاستثمارات الرياضية فرصة للدول من أجل "تحسين صورتها" أمام الرأي العام العالمي، بحسب قاروط، مستشهداً بالاستثمارات الصينية في الأندية الأوروبية التي تسهم في تحسين صورتها في أوروبا، "وهذا ينعكس إيجابياً على استثماراتهم الأخرى في أوروبا".
أما دول الخليج فيرى القاروط أنها تفعل الشيء ذاته "الإمارات وقطر والسعودية جميعهم يستثمرون، وفي نهاية المطاف كل منهم يحاول أن يسجل نقاطاً لنفسه"، مفيداً بأن هناك "تنافساً جيوستراتيجياً" في موضوع القوة الناعمة والحصول على موارد بشكل أكبر.
نفوذ وسلطة
هذا النوع من الاستثمار يعطي شبكة علاقات ضخمة ونفوذاً في المؤسسات الدولية، وهو ما يسعى إليه العديد من الدول، "خاصة إن كانت تحاول أن تبني قدراتها في مجال القوة الناعمة"، يقول أحمد القاروط، الذي أكد أن هذا ما يجعل لتلك البلدان "صوتاً أكبر في المنظمات الدولية والإعلامية وغيرها".
من جانب آخر فإن النادي "عبارة عن شركة إعلانات"، فإن كان الاستثمار في نادٍ معين فبالإمكان استخدام اسم النادي للدعاية للمنتجات والشركات وغيرها، وهذا يزيد من رأس المال التجاري والسياسي، وفق ما ذكر المحلل الاقتصادي.
وأوضح أن شراء النادي الرياضي هو "شراء لوحة إعلانات"، مبيناً أن الترويج للمنتجات ليس فقط من الناحية التجارية، بل بالإمكان الترويج للمنتجات السياسية، لافتاً النظر إلى أنه عند الترويج لبضاعة أو منتج معين ينتجه البلد فهذا يعني إيصال صورة سياسية للبلد.
اعتبارات اقتصادية
أما الاعتبارات الاقتصادية فهي كثيرة، وفقاً للقاروط، الذي ذكر أن شراء الأندية هو استثمار في قطاع يسجل نمواً من فترات طويلة، وحاصل على اهتمام أكبر، مفيداً بأن هناك اقتصاداً يسمى "اقتصاد الانتباه. كلما جرى الاستثمار فيما يلفت انتباه الناس زاد رأس المال والأرباح".
أمر آخر هو حقوق البث التي عُرفت مؤخراً، والتي تؤدي إلى زيادة في الأرباح من خلال بيع حقوق بث المباريات، يضاف إليه أن بعض الأندية مدرجة في البورصة، ما يعني أن بالإمكان المضاربة فيها وتحصيل أرباح كبيرة، بحسب القاروط.
وأبرز أسباب الحصول على أرباح بحسب القاروط، هي "الممارسة والخبرة"، حيث إن شراء نادٍ يفتح المجال لشراء أندية أخرى وزيادة المحفظة الاستثمارية في القطاع الرياضي، مشيراً إلى أن امتلاك الخبرة تدفع إلى امتلاك جهة استثمارية واحدة لعدة أندية قد تكون تتنافس فيما بينها.
ويؤكد القاروط وجود عامل ثقافي وراء الاستثمارات، حيث يسمح الاستثمار في الأندية بإنشاء شبكة من العلاقات العامة.
ولا يستثني المحلل الاقتصادي الغيرة من أن تكون بين الدوافع للاستثمار في الأندية الرياضية، إذ يصفها بأنها "عاطفة"، لكن تقف خلفها دوافع سياسية، إذ إن "كل طرف يحاول أن يزيد من أرباحه السياسية ومكاسبه الاقتصادية ويحسن صورته الثقافية أمام الجمهور".