هلال خاشان- جيوبوليتيكال فيوتشرز - ترجمة الخليج الجديد-
تهدف رؤيـة قطـر الوطنيـة 2030 إلـى تحويل قطـر إلـى دولـة متقدمـة قـادرة علـى تحقيق التنميـة المستدامة، وعلـى تأمـن اسـتمرار العيـش الكريم لشـعبها جيلا بعـد جيـل، وذلـك بالسـعي إلـى تطويـر اقتصـاد متنـوع، يتناقـص اعتمـاده علـى الهيدروكربـون، ويتجـه الاستثمار فيـه نحـو الاقتصاد المعرفي، وتتزايـد فيـه أهميـة القطـاع الخاص.
وأكدت الرؤية (التي أطلقـت في أكتوبـر/تشرين الأول 2008 وتمت المصادقة عليهـا بموجب القـرار الأميري رقـم44 لسـنة 2008) على ضمان الحريات الشخصية لمواطني الدولة وإشراكهم في صياغة سياستها العامة والاعتراف بدور المرأة في المجتمع وتمكين الناس من خدمة وطنهم بشكل أفضل.
وتشدد الرؤية على أن جهود التحديث يجب أن تراعي تقاليد دولة قطر وتحمي القيم الأخلاقية والدينية لمجتمعها. ووفق هذه الرؤية، فإن التنمية لا تعني بالضرورة الانفصال عن القيم التقليدية.
وفي حين أن البلاد يمكن أن تتباهى ببعض الإنجازات البارزة في مكانتها الدولية، إلا أن الحكومة تخلت عن بعض الفرص من أجل تجنب الإخلال بالأسس التقليدية لمجتمعها القبلي.
جيران غير ودودين
كانت أجندة التحديث الطموحة لقطر مدفوعة جزئيًا بالعداء الذي تعرضت له من جيرانها الخليجيين. ففي عام 1968، سحبت بريطانيا قواتها من شرق السويس، وفي عام 1971 أنهت وضع الحماية الذي كانت قطر تخضع له. ووضع الاستقلال قطر وجهاً لوجه مع السعودية والإمارات (في الغالب إمارة أبوظبي) والبحرين، وهم الخصوم الذين خاضت معهم معارك عسكرية في القرن 19.
يعود النزاع الإقليمي بين قطر والبحرين إلى عام 1936 واندلع مرة أخرى في الثمانينيات. وبعد قرار محكمة العدل الدولية في عام 2001، ظهر الخلاف مرة أخرى في عام 2017 عندما انضمت البحرين إلى 3 دول عربية أخرى في فرض حصار على قطر.
ومع ذلك، فإن العلاقة الأكثر إثارة للجدل لقطر في المنطقة هي مع السعودية التي تعارض سياسة قطر الخارجية المستقلة. وترفض قطر هيمنة السعودية على مجلس التعاون الخليجي منذ انضمامها إلى المجلس -على مضض- في عام 1981.
ولدى البلدين خلاف حول الحدود فشلت اتفاقية 1965 في حله، مما أدى إلى اشتباكات في عام 1992 في منطقة خفوس الحدودية التي استولى عليها السعوديون. ولم تقم الدولتان بترسيم حدودهما المشتركة بالكامل إلا في عام 2001.
وحاولت السعودية مرارًا وتكرارًا عزل قطر عن جيرانها. وبعد أن وقعت السعودية والإمارات اتفاقية جدة لعام 1974، والتي كانت تهدف إلى تسوية نزاعهما الحدودي، استولت الرياض على شريط ساحلي يبلغ طوله 45 كيلومترًا (28 ميلًا) يربط قطر بأبوظبي لمنع أي محاولة للتوحيد. وفي عام 2004، عارضت الرياض إنشاء جسر يربط بين قطر والإمارات.
لكن الجهود السعودية لتحويل قطر إلى دولة تابعة كان لها تأثير معاكس: فقد دفعت القطريين إلى السعي لتصبح دولتهم مستقلة وشريكًا عالميًا في الدفاع والابتكار والحوكمة الاقتصادية.
دور المغتربين
على مدى العقود القليلة الماضية، حققت قطر العديد من الإنجازات التنموية. ففي عام 1996، أطلقت شبكة "الجزيرة" الإعلامية وأنشأت قاعدة "العديد" الجوية (أكبر قاعدة تستضيف قوات أمريكية في المنطقة). وبعد عام، افتتحت المدينة التعليمية.
كما قامت ببناء مجمع رياضي مثير للإعجاب في عام 2003، وتم اختيارها لاستضافة كأس العالم 2022، وبرزت الدوحة كوسيط موثوق في الصراعات الإقليمية والدولية خلال هذه الفترة.
وشجعت هذه الإنجازات قطر على تقديم خطة أطلق عليه اسم "الرؤية الوطنية 2030"، لتحقيق أهدافها التنموية. ويعد الهدف النهائي لهذه الرؤية هو خلق اقتصاد متنوع ومتعدد الجوانب بقيادة قطاع خاص نشط.
ويعتمد نجاحها على تزويد الشباب القطري بتعليم يلتزم بأعلى المعايير الدولية من أجل تطوير قدرتهم على الإبداع والابتكار. وتركز الرؤية على بناء قوى عاملة قطرية مؤهلة تحتل مناصب إدارية عليا في الأعمال والصحة والتعليم، كما تتناول بعناية إدماج المرأة في الحياة الاقتصادية وتلتزم بفتح فرص عمل لهن.
وبالرغم أن قطر هي في الغالب بلد مغتربين، إلا أن "الرؤية الوطنية 2030" ليست مخصصة لهم. ولا تتوفر أرقام رسمية عن التركيبة السكانية في قطر، لكن تقديرات الأمم المتحدة تشير إلى أن عدد سكان قطر يبلغ 2.75 مليون نسمة منهم 12% من السكان الأصليين. وتشير التقديرات إلى أن ثلثي سكان قطر هم من الآسيويين، في حين أن الجاليات العربية تمثل أكثر بقليل من 15% من إجمالي السكان.
ويتزايد عدد سكان البلاد بسبب تدفق العمالة الوافدة اللازمة لمشاريع البنية التحتية والتوسع الاقتصادي. وفي عام 2000، كان عدد سكان قطر نحو 615 ألف نسمة فقط، وارتفع إلى 1.44 مليون في عام 2008، وهو العام الذي تم فيه الإعلان عن "الرؤية الوطنية 2030".
وبالرغم أن الرؤية تركز على استقدام العمالة الماهرة والموظفين ذوي الجودة العالية، فقد تضاعف عدد سكان قطر تقريبًا منذ عام 2008، مدفوعًا إلى حد كبير بتوظيف العمال غير المهرة من الخارج.
السياسة القبلية
لدى قطر عشرات القبائل التي تربطها علاقات عائلية عابرة للحدود في السعودية والإمارات والكويت والبحرين. وحتى قبيلة "تميم" التي هيمنت على السياسة القطرية منذ منتصف القرن 19 وتضم أسرة "آل ثاني" الحاكمة، كانت قد انتقلت من منطقة نجد في السعودية. وفي الوقت نفسه، تشكل قبيلتا "آل مرة" و"الهواجر" ثلثي السكان الأصليين في قطر.
في عام 1996، أدى الانقلاب الفاشل المدعوم من قبيلة "آل مرة" إلى حملة تطهير ضد القبيلة وسحب الجنسية مما لا يقل عن 6 آلاف من أفرادها. وفقد المزيد من أفراد قبيلة "آل مرة" جنسيتهم بعد أن قادت السعودية الحصار الرباعي ضد قطر في عام 2017.
وغالبًا ما يلقي رفض القبائل (العابرة للحدود) للدولة - التي يرونها كيانًا غامضًا- بظلال من الشك على ولاءاتهم، وهو ما يفسر لماذا استطاعت الحكومة القطرية سحب جنسية الآلاف من "آل مرة" بهذه السهولة. لكن الدولة الحديثة تسجن المدانين ولا تجعلهم عديمي الجنسية.
ولحماية تقاليدها القبلية، تتبع قطر سياسة تجنيس صارمة تمنح الجنسية لما لا يزيد عن 50 شخصًا كل عام. ويصنف القانون المجنسين على أنهم قطريون غير أصليين، وهم غير مؤهلين لشغل المناصب الحكومية الرئيسية وليس لهم الحق في التصويت أو الترشح للمناصب العامة أو الخدمة في الهيئات التشريعية.
أما القطريون الأصليون، فهم الأفراد الذين يمكنهم إثبات أنهم حافظوا على إقامتهم المستمرة في الدولة من عام 1930 حتى صدور قانون الجنسية لعام 1961، وكذلك أبناء هؤلاء الأشخاص.
ويمنح القانون الجنسية لأبناء المجنس لكنه لا يعترف بهم كمواطنين قطريين أصليين أيضا، مما يستبعدهم فعليًا من المجتمع. ويخالف ذلك الدستور الذي يمنح جميع المواطنين القطريين نفس الحقوق والامتيازات.
وفي عام 2021، ذهب القطريون إلى صناديق الاقتراع للمرة الأولى لانتخاب 30 عضوًا في مجلس الشورى المؤلف من 45 مقعدًا. (تم تعيين الأعضاء الـ15 الآخرين من قبل أمير قطر).
ويراقب المجلس من الناحية النظرية السلطة التنفيذية، لكن أغلب القرارات تتطلب أغلبية الثلثين، وهذا يعني أن بعض المعينين من قبل الأمير يجب أن يصادقوا على أي قرار.
ولم تروج الحكومة للانتخابات على أنها خطوة نحو الديمقراطية. وبدلاً من ذلك، قدمتها على أنها "خطوة نحو علاقة أوثق بين المواطنين والدولة". وعكس التصويت الانقسام القبلي في البلاد حيث انتخبت كل من القبائل القوية ممثليها في المجلس.
وشعر الأمير بالحاجة إلى حشد الشعب وراء الحكومة في نزاعها مع السعودية والإمارات والبحرين ومصر. وبعد حصار 2017 فقط، قررت الحكومة المضي قدمًا في الاستعداد للانتخابات التي تم اقتراحها في البداية في دستور عام 2004.
ويتشابه ذلك مع سلوك العاهل السعودي الملك "فهد بن عبد العزيز" الذي وعد بتأسيس مجلس استشاري بعد توليه العرش عام 1982، وتعهد بالموافقة عليه في نوفمبر/تشرين الثاني 1990 بعد الغزو العراقي للكويت ووصول القوات الأمريكية إلى السعودية.
ولم يكن لمجلس الشورى السعودي أي صلاحيات تشريعية وفشل في منع ولي العهد الأمير "محمد بن سلمان" من تركيز السلطة بيديه، ومن غير المرجح أيضًا أن يمهد مجلس الشورى القطري الطريق نحو انتقال ديمقراطي للبلاد.
حقوق المرأة
تعزز "الرؤية الوطنية 2030" أيضًا مشاركة المرأة الكاملة في جميع مجالات الحياة العامة بما في ذلك التوظيف، لكن الواقع مختلف بشكل لافت للنظر، حيث يبلغ عدد النساء العاملات في قطر أقل من نصف عدد الرجال العاملين، بالرغم أن عدد خريجات الجامعات يبلغ على الأقل ضعف عدد الذكور.
كما فشلت جميع المرشحات الـ 29 اللاتي ترشحن للانتخابات العام الماضي في الفوز بمقعد، مما دفع الأمير إلى تعيين 4 نساء في المجلس.
ويجبر القانون القطري المرأة على أن يكون لها ولي أمر لا يمكنها السفر أو الزواج دون موافقته. ويجب أن تكون المرأة المتزوجة برفقة زوجها عند الذهاب إلى عيادة أمراض النساء، كما يجب أن تكون المرأة غير المتزوجة برفقة ولي أمر قانوني.
ويتطلب دخول المستشفى من المرأة المتزوجة تقديم نسخة من جواز سفر زوجها أو أن تقدم المرأة العزباء بطاقة هوية ولي أمرها.
ويمكن القول إن قطر أحرزت تقدمًا هائلاً خلال ربع القرن الماضي، وانتقلت من كونها إمارة صحراوية مغمورة إلى محور إعلامي مشهور عالميًا ومحور تعليمي ورياضي ووسيط للنزاعات، وأرست سياسة خارجية مستقلة ومنعت جيرانها في مجلس التعاون الخليجي من تقويض سيادتها.
لكن إنجازاتها كان لها تأثير ضئيل على الإنتاجية الاقتصادية للسكان الأصليين، وذلك بسبب ثروات البلاد من النفط والغاز التي جذبت المغتربين لإدارة اقتصاد البلاد وتشغيل بنيتها التحتية.
وسعت "الرؤية الوطنية 2030" إلى بناء مجتمع حديث ودمج القطريين في الدورة الاقتصادية وتزويدهم بأدوات الحداثة، ولكن بعد مرور 14 عامًا على إطلاقها، لا يبدو أن قطر اقتربت بشكل كبير من تحقيق أهدافها الطموحة، ومن غير المرجح أن تتغير الأمور كثيرا في السنوات الـ8 المتبقية.
ويرى البعض أن الاعتبارات السياسية -وليس الرغبة في تحديث حقيقي- هي الدافع وراء طموحات الحكومة التنموية لأن نطاق المشاريع التي نفذتها أكبر بكثير مما يحتاجه سكان قطر القليلون.