أشرف كمال - الخليج أونلاين-
ما يزال الأوروبيون يؤكدون على الدور الأساسي الذي تضطلع به دولة قطر في تأمين إمدادات الطاقة وذلك في خضم الأزمة التي خلّفتها الحرب الروسية الأوكرانية.
ويوم الأربعاء 7 سبتمبر 2022، قال رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل خلال زيارته للدوحة إن للقطريين دوراً مهماً في سوق الطاقة وإن الروسيين شريك غير موثوق.
وكان ميشيل وصل إلى الدوحة في زيارة رسمية غير محددة المدة لبحث عدد من الأمور في مقدمتها أزمة الطاقة العالمية، وقد التقى أمير البلاد الشيخ تميم بن حمد، وبحث معه هذه الأمور.
وجاءت زيارة ميشيل بعد أيام من إعلان موسكو وقف توريد الغاز إلى الجانب الأوروبي عبر خط "نوردستريم 1"، بسبب ما قالت إنه عطل في الأنبوب، في حين رد المستشار الألماني أولاف شولتز على هذه الخطوة بوصف الروس بأنهم شريك غير موثوق.
تعويل أوروبي على قطر
منذ اللحظة الأولى للحرب الروسية الأوكرانية ألقى الأوروبيون بثقلهم على القطريين لتعويض نقص الغاز الروسي المحتمل، فيما أكدت الدوحة أنها لن تكون قادرة على القيام بهذه المهمة منفردة.
ومع تشديد الدول الغربية الداعمة لأوكرانيا عقوباتها على موسكو، بدأت الأخيرة استغلال ورقة الغاز جزئياً، وهو ما وصل بأسعاره إلى مستويات قياسية بلغت 10 أضعاف ما كان عليه قبل عام.
تعتبر قطر أكبر مصدر للغاز المسال في العالم إلى جانب الولايات المتحدة، وقد قدّمت ضمانات إلى القارة الأوروبية بعدم قطع إمدادات الغاز الطبيعي المسال، حتى لو دفع مشترون آخرون أسعاراً أعلى.
على الرغم من ذلك، أكد المسؤولون القطريون في أكثر من حديث أن بلادهم لن تكون قادرة على تعويض إمدادات الغاز الروسي لأوروبا منفردة، وقالت إن الأمر بحاجة إلى تضامن بين جميع الدول المنتجة.
وكان وزير الطاقة القطري، سعد الكعبي، قال في مقابلة لشبكة "سي إن إن" الأمريكية (25 مارس 2022) إن بلاده ستقف "متضامنة مع أوروبا" وستواصل تزويد القارة بالغاز الطبيعي، حتى لو كان العملاء الآخرون على استعداد لدفع المزيد.
وتزود قطر بعض دول أوروبا بالغاز الطبيعي المسال، ولكنها تملك الحق بتحويل الإمدادات إلى عملاء آخرين إذا كانوا مستعدين لدفع المزيد وذلك بموجب العقود المبرمة.
لكن الكعبي أكد أن بلاده لن تحوّل العقود حتى لو كانت لديها مكاسب مالية، وستحافظ على الإمدادات الحالية لأوروبا، كنوع من التضامن.
ويتطلع الاتحاد الأوروبي لخفض استهلاك الغاز الطبيعي الروسي هذا العام حيث يستعد للانفصال التام عن أكبر مورد منفرد للطاقة بسبب الحرب في أوكرانيا.
ورفضت قطر فرض عقوبات على قطاع النفط والغاز الروسي كرد على غزو الكرملين لأوكرانيا، وقال الكعبي إن "الطاقة يجب أن تبقى بعيدة عن السياسة".
كما أكد الوزير القطري أن وقف إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا "غير ممكن عملياً"، وقال إن بلاده لا تنحاز إلى طرف ضد آخر في هذه الحرب.
في الوقت الحالي، يذهب حوالي 80% من الغاز القطري إلى دول الشرق، و20% فقط يتم شحنه إلى الغرب، وبحلول عام 2028 تأمل قطر أن يتم تقسيم توزيع صادرتها من الغاز الطبيعي بالتساوي بين الشرق والغرب.
ومنتصف مارس 2022، توصّل الألمان إلى اتفاق مع القطريين لبحث شراكة طويلة الأمد في مجال الطاقة مع قطر، وذلك في إطار سعيهم لتقليص اعتمادهم على الغاز الروسي، لكنهما لم يوقعا اتفاقاً بعد، بحسب ما أكده الكعبي لـ"سي إن إن".
تصعيد روسي
ومطلع سبتمبر 2022، أوقفت روسيا إمدادات الغاز بشكل كامل إلى أوروبا عبر خط "نورد ستريم 1"، وهو ما اعتبرته المفوضية الأوروبية دليلاً على استخفاف روسي وتفضيلها حرق الغاز على احترام العقود الموقعة.
وأسهمت روسيا بنسبة 30% إلى 40%، وهو ما يشكل نحو 158 مليار متر مكعب في عام 2021 من إمدادات الغاز الطبيعي لأوروبا، و25% من واردات النفط التي تحتاج إليها العواصم الغربية، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية.
في اليوم التالي لوقف الخط الروسي، قال وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، إن استقرار سوق الطاقة في العالم "أمر مهم بالنسبة للدوحة"، وإن بلاده "ستتوسع في استثمارات الغاز الطبيعي لدعم استقرار السوق".
وخلال العام الجاري، وقّعت "قطر للطاقة" 5 اتفاقيات شراكة مع شركات أمريكية وبريطانية وفرنسية وإيطالية؛ لتوسعة حقل الشمال الشرقي، الذي سيرفع طاقة إنتاج دولة قطر من الغاز الطبيعي المسال من 77 مليون طن سنوياً إلى 110 ملايين طن سنوياً بحلول 2027.
قطر بحاجة لحوافز غربية
الخبير النفطي رئيس مجلس الأعمال الكويتي في دبي بالإنابة فراس السالم، قال إن العديد من العقبات اللوجيستية والمالية تحاول استبدال الغاز الروسي بالقطري في المدى القريب، وإن هذا لن يحدث إلا إذا قدّم الأوروبيون حوافز وضمانات.
وفي تصريح لـ"الخليج أونلاين"، قال السالم إن لدى قطر مشروعاً طموحاً بتطوير حقول الغاز مستقبلاً، وإن الاتحاد الأوروبي يسعى للحصول على نسبة جيدة من صادرات هذا الغاز ، وهي مسألة بحاجة لبنية تحتية عملاقة.
وأضاف: "الغاز الروسي يتدفق مباشرة إلى أوروبا عبر الأنابيب، بينما الغاز القطري يتم تصديره مسالاً وهو ما يتطلب بنية تحتية في شكل محطات إسالة وموانئ".
وقال السالم إن هذه البنية التحتية المطلوبة مكلفة جداً وتتطلب تخطيطاً هندسياً دقيقاً لتنفيذها، فضلاً عن أن الوقت لا يكفي لإكمال هذه المشاريع ذات العبء المالي الضخم بشكل سريع، خصوصاً مع ارتفاع أسعار مواد البناء بسبب التضخم الكبير في أوروبا.
ويعتقد الخبير الكويتي أن موازنات أوروبا التي تضررت جداً بسبب الحرب الروسية الأوكرانية لا يمكنها توفير البنية التحتية اللازمة لاستقبال الغاز القطري في المدى المنظور، فضلاً عن أن تكلفة شحن الغاز المسال أعلى من خطوط الغاز الطبيعي الحر.
لذا، يضيف السالم، فإن قطر على الرغم من صادراتها الكبيرة على مستوى العالم تواجه عقبات فنية لا تمكّنها من توريد الغاز لأوروبا المتعطشة.
وخلص السالم إلى أن الحل الوحيد لتعويض الغاز الروسي بنظيره القطري هو أن تقيم الدوحة أو دول الخليج مشتركة صندوقاً للاستثمار في البُنى التحتية لمرافق استيراد الغاز والنفط بعقود إيجار واستثمار طويل الأمد مع إعفاءات ضريبية.
وقال السالم: إن "مثل هذه الإعفاءات ستحفز قطر وغيرها من دول الخليج للاستثمار بما تحتاجه أوروبا الآن؛ لأن المصانع الأوروبية الكبيرة بدأت تعاني بسبب نقص الغاز".
وما لم يتم حل أزمة الطاقة، فإن صادرات هذه المصانع الأوروبية ستتراجع بشكل كبير وهو ما يعني زيادة الخسائر، وهو أمر لا يمكن تجنبه ما لم يتم وضع حل جذري ومستدام يمكن لقطر وغيرها من دول الخليج توفيره لو حصلت على حوافز وضمانات حكومية.