سامية الجبالي- البيت الخليجي-
كان لإدراج ولي عهد السعودية، الأمير محمد بن سلمان آل سعود، منطقة “العلا” ضمن مشروع “رؤية ٢٠٣٠، أثره البالغ في تغيير مصير هذه المنطقة. فرغم مكانتها وأهميتها التاريخية والثقافية العريقة، لم تحظ منطقة العلا بما تستحقه من اهتمام وظلّت العلا التي تقع شمال غربي السعودية وتتبع إداريًا إمارة المدينة المنورة لسنوات طويلة، منطقة مهمّشة وشبه مجهولة على الرغم من كونها تحتضن كمّا هائلا من الإرث الإنساني والحضاري يمتدّ لأكثر من 200 ألف عام، إذ تعاقبت عليها حضارات عدة على مدى أكثر من 3000 عام.
كانت العلا ضحية لسياسات الانغلاق والتشدّد التي كانت رائجة في مختلف المجالات، وهو ما أدّى إلى أن تكون المنطقة التي تفوح بعبق التاريخ وتنضح تفاصيلها الأثرية بجمال يروي حكاية الإنسان، منطقة مجهولة تتعقد إجراءات زيارتها لمن كان يعرفها.
ومن المؤكّد أنّ “العلا” قد استأنفت اليوم دورها التاريخي وأصبحت اليوم قطبًا سياحيًا في المملكة، تراهن عليه كمقصد سياحي هام في خططها وسياساتها الجديدة مستفيدة من سياسة الانفتاح في البلاد.
تحوّلات عملاقة
ليست العلا وحدها من استفادت من هبوب رياح التجديد في السعودية، إذ أن من يزور السعودية لابدّ وأن يلاحظ التغييرات الكبيرة والجذرية في مختلف المجالات. تعيش المملكة تحوّلًا لافتًا على مستوى البنية الأساسية كما على مستوى الحريات المجتمعية ما يؤكّد أنها تسير حثيثا في برنامجها لتنفيذ رؤية 2030 التي تهدف أساسًا إلى تنويع الموارد الاقتصادية والقطع مع الاعتماد الكلي على النفط.
ويعتبر النهوض بالقطاع السياحي وتطوير صناعة الترفيه من أسس السياسة الجديدة التي تهدف إلى تحقيق نسبة 10% من المساهمة في الناتج المحلي بحلول العام 2030 وخلق مليون وظيفة وفرصة عمل والوصول إلى 100 مليون زيارة، 45% منها محلية و55% خارجية.
وتشير الإحصائيات إلى أن السعودية استقبلت 93 مليون زيارة سياحية في العام 2022، كما أنّها نجحت في الربع الأول من العام الحالي في تحقيق ضعف توقعاتها من الزيارات السياحية لهذه الفترة بعدد 8 ملايين زيارة سياحية. وهو ما يؤكّد أن الإجراءات التي انتهجتها المملكة خلال الفترة الاخيرة قد أتت أكلها سريعا ولعلّ أهمّها إصدار تأشيرة إلكترونية للقادمين جوًا تسمح للعابرين والراغبين بالدخول إلى المملكة من أجل أداء العمرة وزيارة المسجد النبوي الشريف أو حتى السياحة. بالإضافة إلى اعتماد نظام منح الفيزا المتعدّدة، السياحية أو فيزا الزيارة إلكترونيا والرّد على الطلب في وقت سريع وبالتالي استقطاب فئات مختلفة من السياح وعدم الاكتفاء بالسياحة الدينية.
وتبيّن الإحصائيات أن إيرادات قطاع الضيافة قد ارتفعت في النصف الأول من سنة 2022 فقط بنسبة 86% مقارنة بالفترة ذاتها من سنة 2021.
هذه التّسهيلات سرّعت في تحقيق جزء هام من الأهداف المرصودة ضمن السياسات الهادفة إلى النهوض بالقطاع السياحي باعتباره قطاعًا واعًدا. وتجدر الإشارة في هذا الخصوص إلى أن السعودية تعمل حاليا على إنشاء 42 ألف غرفة فندقية مع توقعات بأن يصل العدد إلى 191 ألف غرفة فندقية بحلول العام 2025.
تحدّيات النجاح
تقف السعودية في تنفيذها لطموحاتها في ما يتعلّق بالقطاع السياحي أمام مجموعة من التّحدّيات الدّاخلية والخارجية. فعلى المستوى الدّاخلي، تطالب الهيئات السياحية باستقطاب السعوديين الذين تعوّدوا على قضاء عطلاتهم خارج المملكة وتشير الإحصائيات في هذا الخصوص إلى أن السعوديين أنفقوا خلال العام 2022 ما يتجاوز الـ 23 مليار دولار خارج المملكة ويتصدّر السائح السعودي قائمة السياح العرب الأكثر عددًا وإنفاقًا أيضًا.
ويعتبر استقطاب السياح المحليين من أبرز التّحديات أمام القطاع السياحي في السعودية، ذلك أن السائح السعودي تعوّد على نمط من السياحة يتوفّر له خارج المملكة بالإضافة إلى أن أغلب الوجهات السياحية في العالم تسعى جاهدة إلى استقطابه باعتباره سائحًا مثاليًا فهو يجمع بين نمطين من السياحة، سياحة الترفيه وسياحة التسوّق. وبالنتيجة فإنّ المسؤولين على قطاع السياحة مجبرون على توفير البديل المغري داخل البلاد من أجل جذب 13 مليون سعوديًا يسافرون بصفة منتظمة إلى الخارج بغرض السياحة.
من جهة أخرى، تمثّل المنافسة الخارجية وخصوصا منافسة دول الجوار، تحدّيًا جديًا أمام هذا القطاع الحديث، وتمثّل الإمارات منافسًا قويًا للسعودية إذ تمتلك تجربة في هذه المجال تسبق السعودية بعقود تمكّنت خلالها من أن تكون وجهة سياحية عالمية. ولكن في المقابل لابدّ من الإقرار بأن السعودية تمتلك مجموعة من المميّزات والمقوّمات التي من شأنها أن تجعلها منافسًا شرسًا، فبالإضافة إلى السياحة الدينية التي لا منافس لها فيها، تتوفّر في المملكة مناطق طبيعية جميلة ومتنوّعة تجمع بين الجبال والسهول والصحراء بالإضافة إلى مخزون تراثي قيّم. ومن شأن مختلف هذه العناصر إذا استكملت بتهيئة بنية تحتية وتنمية حقيقية للكفاءات البشرية بطريقة ملائمة لما يتطلبه القطاع السياحي أن تنافس جدّيا بلدان المنطقة.
ومن المؤكّد أن السعودية وعبر إطلاقها لـ” طيران الرياض” قد دخلت جدّيا في هذه المنافسة. فقد أطلقت المملكة هذا الناقل الجوي الجديد معلنة بذلك عزمها تحويل العاصمة الرياض إلى مركز طيران دولي ينافس دبي والدوحة ويزيد من الوجهات السياحية من وإلى السعودية. وتستهدف هذه الشركة الجديدة حركة ركاب الترانزيت من خلال توفير رحلات ربط عبر مطار الرياض، في خطوة لجعل المملكة خامس أكبر مركز عالمي لحركة الترانزيت كما أعلنه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وهو ما من شأنه أن يجعل المملكة وجهة عالمية للنقل والسياحة والتجارة.
وفي المحصّلة، لئن كان قطاع السياحة في السعودية يبدو قطاعًا واعدًا فإنه قطاع بكر يستلزم الكثير من العمل ليلحق بركب المنافسين لا على المستوى الخليجي وحسب وإنما على المستوى العالمي أيضًا، خصوصا وأنّ الخطط المرصودة تهدف إلى جعل المملكة وجهة سياحية عالمية بالإضافة إلى جعلها وجهة مفضّلة للسائح السعودي وهي مهمة صعبة، بالنظر إلى أنه سائح متطلّب وأن التنافس على استقطابه شرس للغاية.
وعدا عن تطوير البنية التحتية وتنمية الموارد البشرية وتنفيذ المشاريع العملاقة، ستكون المملكة في مواجهة عراقيل قد يفرضها القطع مع السياحة الدينية والانفتاح على سياحة الترفيه، خصوصًا ما يتعلق باستهداف جلب جنسيات غير الجنسيات المسلمة والتي تفترض توفّر مستلزمات لا يسمح بها داخل المملكة حاليا من قبيل توفير الخمور على الأقل داخل الأماكن السياحية، وهو ما لا يتناسب مع المكانة التي تحظى بها المملكة والتي تعتبر مكانا مقدّسا يقبل عليه المسلمون من كل أنحاء العالم.
وفي الواقع، قد تكون هذه العراقيل مجرّد آراء بعيدًا عن سياسات الحكومة، فالواقع أكّد أن كل التخوّفات التي رافقت منع المرأة من السياقة وانفتاح المجتمع مثلا، كانت مجرّد آراء وتخمينات أثبتت التجربة فشلها.