صباح نعوش- البيت الخليجي-
نجحت البحرين في تقليص العجز المالي للسنتين الجارية والمنصرمة، لكنّ هذا النجاح أثّر سلبياً على التنمية الاقتصادية وعلى أصحاب الدخول الضعيفة والمحدودة، كما أنّ ثمنه باهظ وهو ارتفاع المديونية العامة واستمرار الاعتماد على المساعدات الخليجية.
أطلقت الحكومة البحرينية برنامج التوازن المالي في عام 2018 ويتناول تحقيق توازن ميزانية الدولة بحلول عام 2022. لكن تداعيات كورونا عرقلت ذلك فأصبحت السنة المستهدفة 2024. يحاول البرنامج تحسين الإيرادات وتقليص النفقات على النحو التالي:
زيادة الإيرادات غير النفطية.
وتتحقق برفع مساهمات الشركات المملوكة للدولة كشركة ممتلكات والشركة القابضة للنفط والغاز. كما يسعى البرنامج إلى زيادة رسوم الخدمات التي تقدمها الدولة للمواطنين. يقود هذا الإجراء إلى انتقال هذه الإيرادات من 565 مليون دينار في 2022 إلى 1187 مليون دينار في 2023 أي بنسبة عالية قدرها 110%.
حصيلة الضرائب.
يتعلق الأمر بالدرجة الأولى بالضريبة على القيمة المضافة التي تصاعد سعرها من 5% إلى 10%. سجلت هذه الحصيلة ارتفاعاً غير مسبوق من 360 مليون دينار في 2022 إلى 602 مليون دينار في 2023 أي بنسبة 67%. بتفاعل هذه الضريبة المفروضة على الاستهلاك مع الرسوم المذكورة في الإجراء السابق يتأثر أصحاب الدخول المنخفضة.
المصروفات المتكررة.
وهي تمثل أكثر من نصف النفقات الكلية ومنها مرتبات الموظفين. للضغط على هذه المرتبات يطبق البرنامج مبادرة التقاعد الاختياري للموظف الراغب في إحالة نفسه على التقاعد تحت شروط معينة. على الصعيد العملي لم تستطع الحكومة تقليص المصروفات المتكررة التي انتقلت من 1965 مليون دينار في 2022 إلى 2040 مليون دينار في 2023. ولكن المبادرة أدت بلا شك إلى الحد من وتيرة زيادة هذه المصروفات.
إعادة النظر في الدعم الحكومي.
يدعو البرنامج إلى تقليص هذا الدعم. ولكن لم نجد ما يؤيد هذا الاتجاه في الميزانية الحالية. فمن جهة يمثل هذا الدعم 12% من نفقاتها وهي نسبة لا يستهان بها. ومن جهة أخرى يتجه نحو التزايد، فقد انتقل من 451 مليون دينار في 2022 إلى 493 مليون دينار في 2023، وسوف يرتفع قليلاً في العام المقبل. هنالك عوامل سياسية تحول دون تخفيض الدعم. لذلك سوف لن يلعب هذا الإجراء دوراً إيجابياً في التوازن المالي.
مراجعة المصروفات التنموية.
لا تمثل نفقات المشاريع سوى 300 مليون دينار في عام 2022 أي ما يعادل 8% فقط من مصروفات الدولة. كما تراجعت في 2023 لتصل إلى 225 مليون دينار أي 6% من المصروفات. يؤثر هذا الوضع تأثيراً سلبياً على التنمية الاقتصادية، والسياسة المالية الرشيدة تستوجب زيادة نفقات المشاريع الإنمائية حتى وإن أسهمت في العجز وليس تخفيضها حتى وإن أدى إلى التوازن. الهدف هو التوازن الاقتصادي وليس التوازن المالي.
وفق الإحصاءات الرسمية بلغ العجز المالي 1111 مليون دينار في 2022 و520 مليون دينار في 2023 ثم 161 مليون دينار في 2024. بمعنى أن التوازن المالي لن يتحقق في السنة المستهدفة 2024. الأمر الذي يستوجب إجراء تحديث آخر للبرنامج، نلاحظ أن العجز انخفض بصورة كبيرة.
ولا يتأتى السبب الرئيس لهذا الانخفاض من الجهود الحكومية المتمثلة بإجراءات البرنامج بقدر ما يتأتى من عوامل خارجية لا تمت بصلة للبحرين وهي ارتفاع أسعار النفط والغاز نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية. أدى ذلك إلى تزايد إيرادات هاتين المادتين من 1551 مليون دينار في 2022 إلى 1936 مليون دينار في 2023 وإلى 2167 مليون دينار في 2024.
انخفض العجز المتوقع لأن السياسة المالية تفترض ارتفاع إيرادات النفط والغاز في السنتين الجارية والقادمة، وهذا افتراض غير مؤكد، بل هنالك مؤشرات تدل على العكس.
ومن زاوية أخرى يعتمد البرنامج على الإيرادات وليس على النفقات، في حين كان من المفروض الاهتمام بتقليص النفقات غير المنتجة وفي مقدمتها المصروفات العسكرية. ففي العام الحالي بلغت نفقات وزارة الدفاع 525 مليون دينار. يشكل هذا المبلغ 14.5% من النفقات العامة ويمتص 27.1% من إيرادات النفط والغاز. تسجل نفقات هذه الوزارة ارتفاعاً سنويًا، في حين أن المعطيات الحالية للمنطقة تشجع على تخفيض هذه المصروفات، علماً بأن النفقات العسكرية لا تنحصر بهذه الوزارة بل تشمل أجهزة أخرى كالقسط الأكبر من نفقات وزارة الداخلية.
جميع هذه الاعتمادات غير منتجة لضآلة الصناعة العسكرية المحلية. رغم ذلك لا توجد في برنامج التوازن المالي أية إشارة إلى النفقات العسكرية. أضف إلى ذلك أنها لا تدخل حتى في صلاحيات ديوان الرقابة المالية.
التوازن المالي بالاستدانة
تحاول السياسات المالية في مختلف البلدان تقليص العجز لأنه يفضي إلى تخفيض حجم الديون وبالتالي الفوائد المترتبة عليها، لكن لم يحدث ذلك في البحرين، إذ هبط العجز في حين استمرت الفوائد بالارتفاع وكذلك الحجم الكلي للديون.
فقد انتقلت الفوائد من 708 مليون دينار في 2021 إلى 757 مليون دينار في 2022 ثم إلى 766 مليون دينار في 2023، وازداد حجم الديون من 18910 مليون دينار إلى 19339 مليون دينار وإلى 20166 مليون دينار على التوالي.
إن تزامن تزايد حجم وفوائد الديون مع تقليص العجز يعكس عدم سلامة السياسة المالية.
يترتب على تزايد المديونية في البحرين النتائج الخطيرة التالية: زيادة النفقات العامة فيتصاعد العجز المالي. تراجع الاحتياطي النقدي فتضعف المقدرة الاقتصادية للبلد. تخفيض التصنيف الائتماني (من A إلى B) فتهبط الاستثمارات وتتصاعد كلفة الاستدانة. كما تمثل فوائد الديون أموالاً عامة اقتطعت من المواطنين لتقرر لصالح الدائنين خاصة الأجانب. أضف إلى ذلك أن ديون البحرين قادت إلى اللجوء المتزايد للمساعدات الخارجية لا سيما الخليجية.
انخفاض المساعدات الخليجية
حصلت المنامة من السعودية والكويت والإمارات على مساعدات قدرها عشرة مليارات دولار بعدة دفعات اعتباراً من نهاية 2018 هدفها تمويل عجز الميزانية وخاصة سداد فوائد الديون.
مُنحت هذه المساعدات بشروط سهلة التحمل وبدون فوائد لأسباب سياسية في مقدمتها مواجهة التأثيرات الإيرانية وتعويض الخسائر التي تحملتها المنامة بسبب الحصار الخليجي ضد قطر.
وفي الآونة الأخيرة حدثت تطورات ستؤثر بشدة على هذه المساعدات: عودة العلاقات بين دول الخليج وإيران والمصالحة القطرية الخليجية.
كما يرى مسؤولون خليجيون بأن البحرين لا تطبق إجراءات فاعلة لتحقيق التوازن المالي. وهنالك تصريحات رسمية سعودية تشير إلى أن الرياض تمنح المساعدات للدول من حصيلة الضرائب التي تفرضها على المواطنين. وبالتالي لم يعد بالإمكان منح المساعدات بشروط سهلة. وهذه دعوة صريحة لضرورة اعتماد الميزانية على الموارد الذاتية.
تجدر الإشارة إلى أن هذه المساعدات ليست هبات بل قروض تنقلب لاحقاً إلى ديون يتعين سدادها.
لا يمكن أن تكون السياسة المالية سليمة إلا إذا أدى تقليص العجز إلى تخفيض ثقل الديون من حيث حجمها وخدمتها وعلاقتها بالمؤشرات الاقتصادية. ويشمل هذا التخفيض المساعدات الخارجية أيضًا.
تنمية الإيرادات يجب ألا يفضي إلى التأثير سلبياً على مستوى معيشة المواطنين خاصة أصحاب الدخول الضعيفة. كما أن الضغط على النفقات يجب أن يتناول المصروفات غير المنتجة دون مصروفات المشاريع الإنمائية. على ضوء هذه المبادئ لابد من إعادة النظر في برنامج التوازن المالي وبالتالي في رؤية البحرين 2030.